كان الثالث من نوفمبر 2016 يوم فاصل في التاريخ الاقتصادي الحديث لمصر، حيث وضع حدًا لاضطرابات اقتصادية بدأت منذ ثورة يناير ودامت لأكثر 5 سنوات، تسببت في ضياع جزء كبير من الاحتياطي النقدي الأجنبي، وهروب الاستثمارات الأجنبية، وتفحش السوق السوداء للدولار، وعدم ثقة المؤسسات الدولية في الاقتصاد المصري.
ورغم أن القرار كان محل شك من قبل الكثيرين، إلا أن الوقت أثبت أن الاقتصاد المصري كان سيدخل في أزمة كبيرة لولا التحرك نحو تحرير العملة ليعود السوق المصري ليكتسب ثقة المؤسسات الدولية.
ويعتبر القطاع المصرفي هو المستفيد الأكبر من قرار التعويم استنادًا إلى مؤشراته التي تحسنت كثيرًا طوال الثلاث سنوات الماضية، لاسيما على مستوى المراكز الدولارية وحجم السيولة الأجنبية المتاحة .
صافي الأصول الأجنبية
عانى القطاع المصرفي كثيرًا طوال الشهور السابقة على تعويم العملة المحلية في ظل عدم تدفق استثمارات أجنبية توفر له سيولة أجنبية، واتجاه المصريين لبيع مدخراتهم من الدولار في السوق السوداء، والمضاربة المستمرة على سعر الدولار.
وتسببت هذه السلوكيات في انخفاض مؤشر صافي الأصول الأجنبية بل وتحقيق عجز متتالي لأكثر من 15 شهرًا قبل أن تظهر آثار التعويم الإيجابية وتنعكس التدفقات الخارجية على صافي الأصول الأجنبية لدى البنوك والبنك المركزي .
وتمثل صافي الأصول الأجنبية لدى كل من البنوك والبنك المركزي إجمالي الأصول المستحقة للجانبين تجاه غير المقيمين في الاقتصاد المصري، مقابل التزاماتهم تجاه غير المقيمين أيضًا، ويعكس هذا البند قوة السيولة الأجنبية لدى القطاع المصرفي المصري .
وفي نوفمبر 2016 سجل صافي الأصول الأجنبية بالبنوك والبنك المركزي عجزًا بنحو 10.65 مليار دولار.
ارتفع لمستوى 10.483 مليار دولار بنهاية نوفمبر 2017، وسجل مستويات متفاوتة قبل أن يصل إلى 21.8 مليار دولار بنهاية سبتمبر السابق وهو أعلى مستوى على الإطلاق.
الأرصدة الخارجية للبنوك وتحويلات المصريين
وكانت تعاني البنوك من أزمة عملة قبل التعويم، ونقصًا في التمويلات الخارجية المتاحة، والتدفقات من تحويلات المصريين التي تعتبر موردًا هامًا من موارد النقد الأجنبي لمصر، ولكن حدث تطور كبير مع قرار التعويم.
وسجلت التحويلات نحو 17.077 مليار دولار في العام المالي 15/2016، قبل أن ترتفع لنحو 21.8 مليار دولار في يونيو 2017 .
وقفزت التحويلات لمستويات 26.39 مليار دولار بنهاية يونيو 2018، ثم 25.15 مليار دولار بنهاية يونيو 2019 .
وقفزت الأرصدة الخارجية للقطاع المصرفي من نحو 5.75 مليار دولار في يونو 2016، لمستوى 15.7 مليار دولار في يونيو 2017، قبل أن تسجل نحو 16.61 مليار دولار بنهاية أغسطس الماضي .
معدلات قياسية للإنتربنك الدولاري
وكانت تداولات الإنتربنك ضعيفة قبل التعويم حيث سجلت نحو 9.3 مليار دولار خلال العام المالي 15/2016، لكنها شهدت زيادات متتالية منذ التعويم وتوافر السيولة بالعملة الأجنبية .
وزادت تداولات الإنتربنك بشكل قوي عقب إلغاء البنك المركزي آلية ضمان أموال المستثمرين الأجانب والدخول من خلاله لسوق أدوات الدين لتصبح البنوك هي المتعامل الوحيد في هذه السوق .
وسجلت تداولات الإنتربنك الدولاري نحو 18.5 مليار دولار في العام المالي قبل الماضي 2017/2018، قبل أن تقفز لأكثر من 25 مليار دولار خلال الفترة من يونيو 2018 إلى أغسطس 2019 .
التحكم في سعر الصرف
يعتبر التحكم في سوق صرف العملة هو أكبر مكاسب التعويم، وبسببه استطاعت السوق أن تعود مجددًا كمصدر ثقة للمستثمرين الأجانب في أدوات الدين والمؤسسات الدولية المقرضة .
ورغم الزيادة الكبيرة في سعر الدولار أمام الجنيه عقب قرار التعويم ليقفز لمستوى 18 جنيها إلا أنه مع تحسن مؤشرات الاقتصاد انخفض بنحو 11% منذ التعويم حتى أكتوبر الماضي.
ويسجل متوسط سعر الدولار نحو 16.09 جنيها للشراء و16.19 جنيها للبيع، بنهاية أكتوبر مقابل 17.76 جنيها للشراء و18.16 جنيها للبيع خلال نوفمبر الماضي .
المؤشرات الاقتصادية الكلية
وخلال الثلاث سنوات الماضية تحسنت الكثير من المؤشرات الاقتصادية حيث ارتفع معدل النمو الاقتصادية من 4.3% بنهاية يونيو 2016، لنحو 5.6% بنهاية يونيو الماضي، وتراجع عجز الموازنة لمستوى 8.3%، وهبط معدل البطالة إلى 7.5%، وانخفض مستوى الدين المحلي للناتج المحلي لنحو 90%، كما تراجع التضخم لمستوى قياسي .
لكن هناك مؤشرات أخرى مازالت تحتاج لمزيد من الجهد من قبل الحكومة خاصة الاستثمار الأجنبي المباشر الذي مازال يعاني وسجل بنهاية يونيو الماضي أقل مستوى في 5 سنوات، ليصل إلى 5.9 مليار دولار، ولم تصل الحكومة منذ ثورة يناير لمستهدفها المتكرر والذي يبلغ نحو 10 مليارات دولار .
وكان قرار التعويم حجز الزاوية في برنامج إصلاح اقتصادي بدأ منذ عام 2014، حيث وقعت مصر على إثره مباشرة اتفاق بقيمة 12 مليار دولار لتمويل خطة الإصلاح، الأمر الذي فتح خزائن المؤسسات الدولية نحو مصر لتجذب المزيد من القروض لسد فجوة التمويل والتغلب على عجز الموازنة وأزمة السيولة الأجنبية التي كانت تعاني منها حينها .
تطور مؤشرات ميزان المدفوعات