كندا تتجه نحو أوروبا بدل الولايات المتحدة.. دلالة اقتصادية فى أولى زيارات وزير الخارجية

رهان كندي على الشراكة الأوروبية

كندا تتجه نحو أوروبا بدل الولايات المتحدة.. دلالة اقتصادية فى أولى زيارات وزير الخارجية
عبد الحميد الطحاوي

عبد الحميد الطحاوي

1:21 م, الثلاثاء, 18 مارس 25

في خطوة تحمل رسائل اقتصادية وسياسية متعددة، اختار رئيس وزراء كندا الجديد، مارك كارني، أن تكون أولى زياراته الخارجية إلى أوروبا بدلًا من الولايات المتحدة، في ظل تصاعد التوترات التجارية بين أوتاوا وواشنطن. تحركات كارني تعكس استراتيجية جديدة لكندا في مواجهة سياسات التعريفات الجمركية الصارمة التي تفرضها الولايات المتحدة، ومحاولات الرئيس الأمريكي دونالد ترامب لفرض نفوذه على جارتها الشمالية، وفقا لوكالة بي بي سي.

وصل كارني إلى باريس، قبل أن يتوجه إلى لندن في زيارة تهدف إلى تعزيز العلاقات الاقتصادية والأمنية مع اثنين من أقرب حلفاء كندا وأكثرهم تأثيرًا. تأتي هذه الزيارة في وقت تواجه فيه أوتاوا إجراءات تجارية صارمة من قبل الولايات المتحدة، والتي تهدد صادراتها الحيوية، حيث تمثل السوق الأمريكية أكثر من 80% من إجمالي الصادرات الكندية.

ورغم الدعم الرمزي الذي أبداه عدد من الشخصيات الأوروبية لكندا، مثل قيام الملك تشارلز الثالث بزراعة شجرة القيقب الحمراء في قصر باكنغهام، إلا أن كارني يسعى للحصول على التزام ملموس من شركائه الأوروبيين لتعزيز التعاون الاقتصادي والأمني، في ظل ما وصفه بـ”أكبر أزمة تجارية في عصرنا”.

لم تقتصر زيارة كارني على العواصم الأوروبية، حيث شملت أيضًا محطة ذات دلالة استراتيجية داخلية، وهي إيكالويت، عاصمة إقليم نونافوت الواقع في أقصى الشمال الكندي. وتهدف هذه الزيارة إلى التأكيد على التزام الحكومة الكندية بحماية أمنها في القطب الشمالي، الذي أصبح ساحة تنافس عالمي بين القوى الكبرى مثل الولايات المتحدة، روسيا، والصين.

يشير هذا التوجه إلى أن كارني لا ينظر إلى السياسة الاقتصادية بمعزل عن الأمن القومي، حيث تتداخل المصالح التجارية مع القضايا الجيوسياسية الكبرى، خاصة في ظل تصاعد التهديدات للسيادة الكندية من قبل واشنطن، التي يروج رئيسها لفكرة أن كندا ليست سوى “الولاية الأمريكية الـ51”.

إلى جانب الملفات الاقتصادية والدولية، يواجه كارني تحديًا داخليًا يتمثل في ضرورة كسب تأييد الناخبين قبل الانتخابات الفيدرالية المقبلة، حيث إنه لا يزال بلا مقعد برلماني رسمي، رغم فوزه الساحق في قيادة الحزب الليبرالي خلفًا لجاستن ترودو.

ورغم الانتكاسات التي تعرض لها الحزب الليبرالي في استطلاعات الرأي في ظل موجة التأييد المفاجئة لترامب، يبدو أن كارني يسعى إلى تقديم نفسه كرجل دولة عالمي، قادر على التفاوض مع القادة الدوليين، وفهم تعقيدات الاقتصاد العالمي، وهي مهارات يراهن عليها لدعم موقعه السياسي داخليًا.

مواجهة ترامب: معركة تجارية وسياسية


من الواضح أن استراتيجية كارني تشمل الرد بحزم على سياسات ترامب الاقتصادية، مع الحفاظ على لغة دبلوماسية تستند إلى مبدأ التعاون. ففي تصريحاته الأخيرة، أشار إلى أن كندا، باعتبارها أكبر شريك تجاري للولايات المتحدة في العديد من القطاعات، تتوقع “الاحترام والتعاون وفقًا للمبادئ التجارية الصحيحة”.

وبينما يستعد كارني لأول محادثة رسمية له مع ترامب عبر الهاتف، فإن مجرد اختياره لأوروبا كوجهة أولى بدلًا من البيت الأبيض يعد مؤشرًا قويًا على أن كندا بدأت في إعادة تشكيل سياستها الخارجية، بعيدًا عن الهيمنة الأمريكية التقليدية.

تعكس جولة كارني الخارجية تحولًا في السياسة الكندية نحو تعزيز الشراكات الأوروبية وتقليل الاعتماد على الولايات المتحدة، في ظل تصاعد التوترات التجارية والسياسية. في الوقت ذاته، يسعى رئيس الوزراء الجديد إلى تعزيز مكانته داخليًا وخارجيًا، مستفيدًا من خبرته الاقتصادية، في مواجهة مرحلة مفصلية في تاريخ العلاقات الكندية-الأمريكية.