تُعتبر بطولة كأس العالم التي تُقام للمرة الأولى في الشرق الأوسط، بمثابة تتويج لطموحات المنطقة الأوسع في عالم الرياضة.
وكأية فعالية تقام للمرة الأولى، صاحَب مونديال قطر 2022 الكثير من الجدل منذ البداية، إذ كانت هناك مخاوف بشأن سجل قطر في السياسات التي تحد من حقوق المرأة، ومن الناحية الأخرى الاضطراب الذي سببه نقل موعد المونديال بسبب التوقيت الصيفي وموعد إقامة البطولة نفسها.
ورغم كل ذلك، لم تلتفت قطر لكل هذه الانتقادات، واستثمرت في البلاد برقم يصل إلى 300 مليار دولار في التحضير لانطلاق كأس العالم،
إذ انتشرت في العاصمة الملاعب والفنادق الجديدة التي تمّ بناؤها لاستيعاب أكثر من مليون مشجع سيزورون البلاد خلال فترة المونديال.
ووفقًا لكل التوقعات، فإن البطولة ستحقق عائدات قياسية للمنظمين في الاتحاد الدولي لكرة القدم فيفا، وأن تتفوق على ما يقرب من 5.4 مليار دولار حققتها بطولة كأس العالم 2018 في روسيا.
ولكن.. ماذا بنت قطر لأغلى كأس عالم في التاريخ؟
على عكس نهائيات كأس العالم السابقة، ستُلعب جميع المباريات ضمن مسافة 31 ميلًا من كورنيش الدوحة الرئيسي، إذ تستعد العاصمة لاستقبال أكثر من مليون مشجع- أي ما يقرب من ثلث إجمالي سكان قطر- خلال البطولة التي تستمر لمدة شهر.
هذا الأمر لم يمرَّ مرور الكرام لدى المنظمين، الذين لجئوا إلى حلول غير تقليدية لأماكن إقامة الجماهير بسبب مساحة قطر الصغيرة،
فلجأت لتوفير 130 ألف غرفة في الفنادق رغم عدم اكتمال إنشاء بعضها، لذلك كما لجأت قطر إلى جيرانها طلبًا للمساعدة، إذ ستسمح نحو 100 رحلة ذهاب وعودة يومية بين الدوحة ومدن الشرق الأوسط الرئيسية الأخرى للزوار، بالبقاء خارج الدولة الخليجية الصغيرة.
من ناحية أخرى، شهدت دبي، والتي تبعد عن قطر 55 دقيقة فقط، إقبالًا كبيرًا من جانب السائحين عليها؛ بسبب كونها تتمتع بقواعد لباس أكثر تساهلًا وثقافة مرحّبة بالحفلات، بعكس ما هو مفروض في قطر والدوحة.
ولكن المساحة الصغيرة لقطر، وعلى الرغم من كونها أزمة كبيرة للجماهير، فإنها تُعد ميزة؛ بسبب إتاحة القرب بين الملاعب وخطوط النقل للجماهير، إمكانية حضور مباريات عدة في يوم واحد، الأمر الذي يربط بين معظم الملاعب بوسائل النقل العام، بما في ذلك المترو الجديد الذي تم إنشاؤه لتسهيل عملية التنقل للجماهير، كذلك توفير أسطول من الحافلات الكهربائية.
وبفضل المترو الجديد، وميناء الشحن الحديث، وتوسيع المطار الرئيسي، تم تغيير البلاد التي تطورت كثيرًا وبشكل أسرع مما هو متفق عليه بسبب كأس العالم، الذي كان له الأثر الإيجابي في تسريع الجدول الزمني لإنشاء كل هذا.
من أين لدولة قطر بكل هذه الأموال لهذه النقلة التاريخية؟
تُستمد ثروة قطر الطائلة بشكل أساسي من صادرات الغاز الطبيعي المسال، إضافة إلى أن قطر تتشارك مع جارتها في الخليج العربي؛ إيران، أحد أكبر حقول الغاز الطبيعي في العالم.
وتُعدّ قطر واحدة من أغنى دول العالم قياسًا على نصيب الفرد من الناتج. يبلغ عدد المواطنين القطريين نحو 350 ألفًا فقط، كل ذلك بفضل أسعار النفط المرتفعة وامتلاك قطر ما يُعرَف بـ”الوقود الأحفوري”.
ماذا تخشى قطر بعد انتهاء كأس العالم؟
يتوقع معظم الاقتصاديين تباطؤ النشاط التجاري غير المتعلق بالطاقة بعد البطولة، عندما تصبح المباني السكنية والفنادق فارغة من زوار كأس العالم.
من جهة أخرى، وعلى الرغم من أن الغاز الطبيعي المُسال قد يكون سلعة تحظى بطلب كثيف حاليًّا، فإن قطر تأمل أن يصور وسائل الإعلام الدولة في فترة المونديال على أنها أنيقة وحديثة في جذب السياح والشركات؛ من أجل المساعدة أيضًا على تطوير الموانئ وتعزيز التصنيع.
وبشكل عام، تواجه قطر خطر الشعور بالفراغ بمجرد عودة المشجعين إلى بلادهم. من جهة أخرى تأمل الحكومة في أن يكون انتهاء هوس كأس العالم ما هو إلا بداية لتعزيز اقتصاد قطاع الخدمات، إلا أن العلاقة بين الحدث الرياضي الأضخم في عالم كرة القدم والمرحلة المقبلة للنمو الاقتصادي في قطر لا تزال غير واضحة المعالم.
ولذلك، فإن قطر في الوقت الحالي على عملية الانتقال إلى ما بعد نهاية كأس العالم، وهو أمر لا يقل أهمية عن الاستعداد للبطولة نفسها في وقت سابق، ما دام الاستثمار سيؤتي ثماره في النهاية.