توغلت التكنولوجيا الحديثة فى عديد من مجالات الحياة، وبرز دورها جليًا فى ظل أزمة كورونا (كوفيد-19)، حيث استطاعت مؤسسات كثيرة وقطاعات شتى ممارسة أنشطتها وإنجاز مصالحها عن بُعد، مما جعل أثرها على الأعمال إيجابيًا، إذ وقَت أرباب كل مجال من التعرض للخسائر ووفّرت على العملاء التعطل.
وقد كانت الفكرة جديدة نسبيًا بمصر، فالبيروقراطية الإدارية لم تدع مجالًا من قبل لممارسة تكنولوجية حديثة – إلا قليلًا – تقى الناس من دوّامة التردد على المؤسسات، فتوطد عند المتعاملين مع أى مصلحة أن الوسائل التى كانوا يستخدمونها فى الترفيه والتواصل مع الآخرين هى نفس الأدوات التى يمكن من خلالها إنجاز أعمالهم دون كلفة المشقة.
ومن جملة من اعتمد سبلًا حديثة فى التعامل مع الأزمة قطاع التأمين، حيث غدا إصدار الوثائق إلكترونيًا من بُعد، وصار دفع الأقساط من خلال ماكينات الصرف الآلى المتناثرة فى كل مكان، وبات الاستفسار عن مسألة بواسطة مكالمة هاتفية، ولم يعد الأمر يكلف ذويه سوى ضغطة زر فقط.
وإن استخدام التكنولوجيا فى قطاع التأمين لا يعنى الاستغناء عن العنصر البشري، إذ هو الأكثر أهمية فى أى نظام، ولكن بالتقليل من التعامل المواجه، وأصبحت العديد من شركات المجال تسعى فى ذلك السبيل، للحفاظ على قدرتها التنافسية، كما أنّها تبتكر منتجات وخدمات جديدة باستخدامها.
«المال» تستقصى دور التكنولوجيا الحديثة فى تطوير قطاع التأمين ومردود ذلك على مؤسساته، ولتحقيق ذلك الهدف تواصلنا مع أكاديميين وخبراء بالمجال، فأكدوا على أن نلحق بركاب التكنولوجيا متأخرًا خير من ألا يكون لنا فيه حظ أبدًا.
«الهندسة المالية» سبيل «الأرباح المليارية»
قال الدكتور «علاء العسكرى»؛ أستاذ التأمين بكلية التجارة بجامعة الأزهر، أن تطوير قطاع التأمين تكنولوجيًا سيعود عليه بمزيد من ازدهار الأداء وارتفاع الحصة السوقية، مما سيؤثر بشكل إيجابى على شركاته، وفى المقابل ستعمل الوسائل الحديثة على تيسير تعامل الجمهور مع الكيانات العاملة بالنشاط ، الأمر الذى سيحد من الإحجام الذى يتوافر جليًا عند بعض العملاء بسبب تعقيدات الإجراءات فقط.
العسكرى: الرقمنة فرصة لمضاعفة الأرباح
وأبرز «العسكرى» أهمية دور التكنولوجيا الحديثة فى سوق التأمين الحالية، حيث إنه على حد تعبيره الأكاديمى «سلعة تُباع ولا تُشترى»، فلا بد من استلهام الطرق الأكثر حداثة فى تسويقه وفتح شهية العملاء له بواسطة الجهاز التسويقى للشركات أو الوسطاء على حد سواء.
واعتبر أن فتسهيل الإجراءات على العملاء وسيلة جديدة لترويج القطاع بين أرجاء عدد لا محدود من المعارف والأصدقاء والأهل والجيران، وكل ذلك لن يتأتى بغير «طفرة إدارية» – على حد قوله-، يكون قِوامها استخدام الأدوات الإلكترونية فى أرجاء المؤسسات والكيانات المتعلقة بالقطاع.
ويستطرد «العسكرى» فى برهنته على ما يقول بأن العميل إذا لمس جدّية فى التيسير عليه إجرائيًا، فإنه سيكون أفضل سفير لشركات التأمين، لأنه سيروّج للقطاع من خلال سهولة الخطوات التى يمكن أن تتم كلها بواسطة هاتفه الذكى بينما يتناول فنجانًا من القهوة، بدلًا من التردد على المؤسسة ذهابًا وإيابًا مرات عدّة.
ومن هنا، يعمل تطوير القطاع تكنولوجيًا – والكلام لـ”العسكري” على خلق سوق تأمينية بين أرجاء طبقات من المواطنين لا يُلقون له بالًا، ومن ثَم يأتى دور “الهندسة المالية” فى ترويج المجال بسبل أكثر براعة، وساق لذلك مثالًا ببرامج الهواتف الذكية الخاصة بالمواصلات وكيفية الحصول على وسيلة بمجرد فتح شاشة الموبايل، فـ”الصناعة المالية” لا بد أن يسبقها عوامل هامة تسهم فى إنجاحها، والتى منها بلا شك مجال التأمين.
ويقترح “العسكري” لتطوير قطاع التأمين؛ ابتكار تطبيقات للهواتف الذكية من شأنها تيسير توصيل العملاء بالشركات، فضلًا عن إنشاء وثائق جديدة تتمحور حول احتياجات كل طبقة وما يناسبها، ولا يتأتى ذلك إلا من خلال أساس إلكترونى قوى يتوصل إلى بيانات كل سوق على حدة، حتى تتمكن المؤسسات والوسطاء من جذب عدد أكبر من المؤمّنين.
التكنولوجيا تسهم فى سيولة الإجراءات
ومن جانبه، أكد وائل ثروت؛ رئيس قطاع تكنولوجيا المعلومات بشركة قناة السويس للتأمين، أن العمل عن بُعد فى التعامل مع الجمهور لا يمكن أن يتم بشكل مقبول دون الاعتماد على التكنولوجيا الحديثة، إلا أنه لا يمكن فى عديد من الأحيان إتمام الأمور إلا بشكل حضورى قولًا واحدًا، من العميل أو الموظفين على حد سواء.
ثروت: الاعتماد على التكنولوجيا يقلل فرص التحايل
واستدرك “ثروت” على القائلين بافتقار المجال إلى التطوير التكنولوجي، بأن هناك تجارب ناجحة فى إصدار الوثائق إلكترونيًا وتسليمها للعميل بواسطة البريد الإلكترونى، وكذلك فى عمليات إثبات القيود وتسويات السداد بشكل مميكن، فضلًا عن غيرها من الممارسات الأخرى، إلا أن التخوفات من استخدام تلك الوسائل باستطراد -على حد قوله- تنبع من خوف شركات التأمين من تعرّض بياناتها للقرصنة الرقمية؛ الأمر الذى سيضر بمؤسسات القطاع كثيرًا وسيترتب على ذلك آثار غير محمودة العواقب.
فإحجام شركات التأمين عن التوغل فى الاعتماد على النظم الرقمية فى العمل -حسب “ثروت”- لا ينبع من إرادة أصيلة منها، بل إنه جاء حرصًا على بيانات العملاء من عبث المتربصين.
وأوضح أن شركات التأمين تتجه الآن نحو التغلب على تلك المشكلات بنشر الثقافة الإلكترونية بين عملائها شيئًا فشيئًا، وتقليل مرات حتمية تواجدهم بالمؤسسات، فضلًا عن تغطية نظام تشغيل المؤسسات الرقمى بحماية راسخة تقيه هجمات القرصنة المعلوماتية.
تجارب الشركات العالمية خطوة فعالة للتطوير
ويراهن “ثروت” على وعى المواطنين فى إدراك عمليات الاحتيال التى يمكن أن يتعرضوا لها، فضلًا على أن -من وجهة نظره- اعتماد القطاع على التكنولوجيا يقلل بشكل كبير من عمليات التزوير والنصب؛ إذ إن العميل هو المتعامل الأساسى من خلال هاتفه الذكى الذى يملك شريحته وكلمته السرية، ومن ثَم، سينخفض عدد ضحايا النصَب.
وقرر “ثروت” أن محاولة تغيير بيانات أو إصدار الوثائق والإلكترونية قد أصبح من الصعوبة بمكان، فضلًا على أن تلك الوثائق قد أثبتت فعاليتها فى مجابهة محاولات التزوير، وهى معتمدة بالمحاكم المصرية.
و أعرب عن أمله أن يتم تفعيل تجارب بعض شركات التأمين العالمية بالسوق المصرية، والتى اعتمدت استخدام التكنولوجيا فى جميع فروعها ومصالحها، ما جعلها تتوصل إلى طبقة أكبر من العملاء لم يستطع غيرهم الوصول إليها، فضلًا على أن تلك المؤسسات قد خففت عن العملاء أعباء كثيرة لم تكن موجود إلا بالسبل الإلكترونية الحديثة التى يتعاملون بها مع الأرقام والبيانات.
حتمية التطوير لم تعد رفاهية
ومن ناحية أخرى، أكد المهندس محمد غريب؛ رئيس قطاع تكنولوجيا المعلومات بشركة مصر لتأمينات الحياة ، أن التطوير التكنولوجى غدا ضرورة حتمية للشركات بالمجال حتى تتمكن من الاستمرارية والديمومة، أما مؤسسات القطاع التى ستُغفل تلك النقطة فهى فى مرحلة خطرة لا يحسن عاقبتها.
غريب:دور «الرقابة المالية» و«الاتحاد» مهم لتشجيع التطوير
وبيّن «غريب» أن استخدام التكنولوجيا بالمجال سيعود على أربابه قطعًا بالمزيد من العملاء الجُدد، ناهيك عن المحافظة على المؤمّنين التابعين للشركة بالفعل، الذين سيراجعون أنفسهم كثيرًا حينما لا يلقون ما يُلبى احتياجاتهم ويُشبع نهمهم فى التطوير.
وأسف «غريب» على عدم إدراك بعض شركات التأمين ضرورة التطوير التكنولوجي، الذى وصفها بـ«المتأخرة عن مواكبة الواقع» فى ظل «الشمول المالى» الذى تنتهجه الدولة المصرية.
كما أشاد «غريب» بدور الاتحاد المصرى للتأمين والهيئة العامة للرقابة المالية فى حرصهما الدائم على تثبيت خطى الكيانات التى شملت نفسها بالتطوير، وكذلك تشجيعهما للمؤسسات التى تسعى، فضلًا عن حثهما لكل الشركات العاملة بالقطاع أن يعتمدوا الرقمنة المالية والوسائل التكنولوجية الحديثة فى التواجد بالسوق.
سوق التأمين المصرى تكنولوجيًا .. مُرضٍ نوعًا ما
وأكد محمود دهشان؛ خبير إدارة المشروعات المعتمد من معهد إدارة المشروعات الأمريكى ورئيس قطاع تكنولوجيا المعلومات بشركة “GIG” لتأمينات الحياة، أن السوق التأمينية تسير سريعًا فى ركاب التكنولوجيا الحديثة، لا سيما فى ظل اتجاه الدولة نحو التحول الرقمى والشمول المالي، وأشار إلى جهد الهيئة العامة للرقابة المالية والاتحاد المصرى للتأمين فى تلك الخطوات المواكبة للتطوير، باللوائح والاتفاقات التى تتخذ من الرقمنة أساسًا لها.
وأوضح «دهشان» أن الوضع التكنولوجى بالشركات المصرية مرضٍ نوعًا ما، فقد اتخذت العديد من المؤسسات خطوات ملموسة على أرض الواقع لا تنكرها العين، إلا أن القطاع يحتاج إلى مزيد من السرعة فى الانغماس بالوسائل الإلكترونية لتسيير الأمور وتهيئة السوق التأمينية، حتى يتمكن القطاع من الاستفادة من -ما أسماه- “التوجهات التكنولوجية الجديدة”، فيسع عددًا أكبر من العملاء، ومن ثَم، حجم أضخم من الأرباح.
التطوير التكنولوجي.. مكسب للشركةوراحة للعميل
وأشار «دهشان» إلى أن التوجه التكنولوجى يوفر للكيانات التأمينية البيانات وتحليلها، مما سيسهم فى اتخاذ القرارات الصحيحة لإصدار الوثائق اللازمة لكل فئة بشكل عملي، وتجنب حالات التحايل، فضلًا على مواجهة الأخطار بشكل مُجدٍ، مع وضع المنتجات فى نِصابها السوقى السليم.
وتابع ؛ أن التطوير التكنولوجى يسوق مكاسبًا للعميل والشركات على حد سواء، فما يريده العميل إنجاز أعماله بسرعة، مع مناسبة المنتج التأمينى له، ومن مصلحة المؤسسات أن توفّر الخدمة بعنصر بشرى أقل، وذلك إضافة إلى المكسب الراجع إلى الدولة جراء ذلك.
وأضاف «دهشان» أن بتطوير القطاع تكنولوجيًا؛ تتوافر البيانات التأمينية التى تحد من محاولات التحايل والتدليس، التى يقع كثير من العملاء ضحية لها، ومن ثَم فإن دعم الإصدارات الإلكترونية بشكل أوسع يعمل على دفع المجال للأمام، وكذلك طرق التحصيل وفتح متابعة التعويضات، وقد وفرت الهيئة العامة للرقابة المالية مؤخرًا اللوائح والضوابط لذلك الأمر، وهو ما يبثّ الطمأنينة فى قلوب المؤن عليهم.