قراءة استثنائية لملحمة أكتوبر 67 - 1973

قراءة استثنائية لملحمة أكتوبر 67 - 1973
شريف عطية

شريف عطية

6:45 ص, الأحد, 11 أكتوبر 20

لم يعد هناك متسع فى أضابير حرب أكتوبر.. سوى الندرة عن ذكرياتها المتداولة قبل نصف قرن من الزمان إلا قليلا، إذ سبقتها 6 سنوات من التصدى العسكرى والدبلوماسى والبحثى، خاصة بإزاء الولايات المتحدة التى أعطت الضوء الأخضر لمن فى معيتها من الدول، سواء داخل الإقليم أو من خارجه، لإسقاط النظام المصرى فى العام 1967، وهو الذى لم يتقن آنئذ توظيف ملكاته السياسية.. ما أدى إلى هزيمة الجيش فى معركة خاطفة لم يتح لأسلحته المشتركة خوضها، فيما تحصلت إسرائيل على نصر لم تكن تستحقه، وليتوازى الرفض الجماهيرى للهزيمة المعتسفة مع مكابرتها الوطنية.. على التمسك باستئناف نفس النظام خوض حرب ثأرية تعتبر من أمجد المعارك المصرية فى التاريخ الحديث، كان العقل العلمى الأكاديمى أمضى أسلحتها نحو النصر المأمول، خاصة أن الصمود العسكرى فى حرب الاستنزاف لم يكن وحده كافياً لإثناء الولايات المتحدة عن استدامة انحيازها المطلق للتفوق الإسرائيلى، وبرعاية مباشرة.. من جانب كل من زارة الخارجية الأميركية مع البنتاجون (وجهاز الأمن القومى الرئاسى)، خاصة فى عهد الرئيس «نيكسون» 68 – 1974، ومستشاره للأمن القومى «كيسنجر»، أدى إلى تشجيع إسرائيل لتصعيد غاراتها على العمق المصرى، وحيث استدعت الرئاسة المصرية مطلع العام 1970.. أحد سفرائها البارزين فى غرب أوروبا، يجمع بين الخبرات العسكرية والدبلوماسية، لاستطلاع رأيه فى حرج الموقف القائم الذى يستهدف القاهرة، وإذ تلخص الرأى فى ضرورة كسب مصر المعركة العسكرية الجارية.. بالتوازى مع التوجه من بعد لكل من الدولتين العظمتيين، وفقاً لإمكانياتهما العسكرية أو الدبلوماسية، وسرعان أن قام «الرئيس» بزيارة موسكو التى قبلت المشاركة الإيجابية فى المجهود العسكرى المصرى لردع غارات العمق الإسرائيلية، ذلك قبل أن يتوجه الرئيس بخطابه فى مايو إلى الولايات المتحدة .. للكف عن إنحيازها المطلق لإسرائيل، وحيث استجابت واشنطن للنداء الرئاسى المصرى عبر رعايتها لاتفاق مؤقت لوقف إطلاق النار على جبهة السويس اعتباراً من أغسطس 1970.

على صعيد متصل، تم تكليف سفير مصر فى باريس حافظ إسماعيل» برئاسة جهاز المخابرات العامة ربيع عام 1970، وفى لقائه مع «الرئيس».. الذى طالبه بالإعداد والإشراف على تشكيل ما يقارب لجنة للأمن القومى تباشر التعقيدات الدبلوماسية والعسكرية للصراع فى الشرق الأوسط، كما فاتحه «الرئيس» (ووفقاً لما جاء بكتابه «مصر فى عصر التحديات».. وفى مذكرات د. ثروت عكاشة ومن حديث صحفى للدكتورة هدى عبدالناصر) فى أمر قيادته للجيش خلال ستة أشهر، إلا أن القدر غيب «عبدالناصر» عن دنيانا فى سبتمبر، ليحل محله «السادات» الذى كلف «إسماعيل» بمهام مستشار الرئيس للأمن القومى 71 – 1974، كمنصب مستحدث لأول مرة فى مصر، تيمناً بالمعمول به خاصة فى الولايات المتحدة، ذلك للعمل عبر مقاربات متخصصة لكل من العاملين فى العلوم السياسية والعسكرية.. وعن عمق خبراتهم الأكاديمية.. وتنوع تجاربهم الدبلوماسية والميدانية «THINK TANK».. وكنتاج للدمج بين ميدان السياسة الخارجية والأمن القومى، على غرار تبوء «كيسنجر» لمهامهما فى عهد «نيكسون»، ولمن تلاه- «بريجينسكى»- فى عهد كارتر.. إلخ، إذ تندر الإشارة إلى أى من هؤلاء الرؤساء دون الحديث عن اقتران إسهامات أولئك المفكرين الكبار فى رسم سياساتهم الخارجية.. وعن دورهم الفعال والحيوى فى الدبلوماسية العامة حيال أقاليم العالم المختلفة، «اللجنة الثلاثية»- مثالاً- The Trilateral Commission التى كان منوطاً بها منذ عشية السبعينيات تعزيز التعاون بين أميركا الشمالية وغرب أوروبا واليابان، وللعمل فى إحدى توصياتها الرئيسية على محاصرة الاتحاد السوفيتى والشيوعية الدولية كحد أدنى خلال الثمانينيات أو القضاء عليهما كحد أقصى، كهدف تم إنجازه كما هو معلوم بعدئذ. إلى ذلك، وبالعودة إلى تصويب خطأ سياسى كان له مغزى كارثى فى إطار التحركات السياسية الخارجية لمصر مع القوتين العظمتيين، قبل نشوب الحرب فى العام 1967، إذ فيما كان «أبا إيبان» المثقف والدبلوماسى الإسرائيلى من قمة رأسه إلى أخمص قدميه، مبعوث بلاده إلى البيت الأبيض قبل عودته حاملاً إليها الضوء الأخضر الأميركى بشن الحرب على مصر، فإن العقيد «بدران» كان مبعوث القاهرة إلى موسكو.. قبل أن يعود إليها خالى الوفاض إلا من كلمات مرسلة تلقاها عن نظيره السوفيتى خلال توديعه بالمطار، ما أدى إلى الخلل الجسيم لموقف مصر من القوتين الكبيرتين، أدى إلى النتيجة التى انتهت إليها الحرب، ذلك قبل ستة أعوام.. من اختيار «السادات» مطلع 1673 مستشاره للأمن القومى مبعوثاً لمصر إلى كل من الكرملين (يناير) حيث دارت محادثات مطولة- لأربع ساعات مع الرفيق «بريجينيف» حول مسائل سياسية ودبلوماسية وعسكرية (صفقة سلاح بمليار روبل)، قبل أن ينتقل إلى الولايات المتحدة (فبراير) لمحادثات فى البيت الأبيض مع الرئيس «نيكسون»، ثم مع مستشاره للأمن القومى «كيسنجر»- ليومين- فى نيويورك، قبل جولة ثانية فى فرنسا (مايو)، سبقت بشهور اقتحام مصر قناة السويس- بالقوة- وإلى التمسك برءوس الكبارى على ضفتها الشرقية لنحو ثلاثة أسابيع إلى نهاية الحرب فى 29 أكتوبر، لولا تدخل الولايات المتحدة بثقلها إلى جانب مساعدة إسرائيل خلال يوميات الحرب، ولولا تدخل السياسة فى المعركة (تطوير الهجوم شرقاً 14 أكتوبر دون حماية مظلة صواريخ الدفاع الجوي)، فضلاً عن تراجع التنسيق بين القيادة المصرية، لأسبابها، مع الاتحاد السوفيتى، لأن يؤدى لما سميت ثغرة الدفرسوار 16 أكتوبر حيث دارت المعارك بين القوات المصرية والإسرائيلية جنوب الضفة الغربية للقناة حول مدينة السويس، وكأن الحرب الدائرة على ضفتى القناة قد انعكست نتائجها لمعركة دبلوماسية على ضفتى نيل القاهرة، إذ يتوازى غياب الشموع المضيئة لتسعة عشر عاماً سابقة «عن السفارة السوفيتية غرب النيل، مع سطوع وميض أنوار السفارة الأميركية شرق النيل من بعد خفوتها لعقدين سابقين من الزمان، حيث كان مكوك الأزمات TROUBLE SHOOTER لهذا التحول الإستراتيجى الدراماتيكى- «هنرى كيسنجر»- المسمى فى أوساط ثعالب السياسة الخارجية البريطانية بـ«عراف العالم الغربى»، ذلك من خلال مواقفه المرحلية اللا أخلاقية الذرائعية- دبلوماسية الخطوة خطوة- منذ قدومه إلى مصر 6 نوفمبر.. لتنعكس بالضرورة إلى سجالات دبلوماسية بين طرفى النقيض، ما بين استبعاد موسكو من الأساليب الإجرائية لتسوية التعقيدات العسكرية للصراع (اتفاقيات فض الاشتباك).. وبين الحلول الدبلوماسية المتدرجة لضمان تأكيد هيمنة الولايات المتحدة على صناعة القرار فى مصر.. إضافة إلى الجانب الشخصى المحض عن «العزيز هنرى» كما كان يدعوه تحبباَ الرئيس «السادات»، ذلك بموازاة تحصيل فعاليات العقل الاستراتيجى للثنائى «نيكسون»- «كيسنجر».. على مكاسب للمشروع الأميركى فى الشرق الأوسط، إلى جانب جيل الثقافة السياسية والأيديولوجية فى إسرائيل، الأمر الذى استدامت جولاته منذ ذلك التاريخ قبل نحو نصف قرن إلا قليلاً – بشكل أو آخر- وصولاً إلى التوجهات الحالية لإدارة الرئيس «ترامب»، ولما قد تحمله من إضافات فى طياتها عن قراءات استثنائية فى دبلوماسية الحرب لملحمة أكتوبر 67 – 1973