ما قصة البنك الأهلي المصري الذي أسسه الأجانب وآل للمصريين في النهاية؟
كان روفائيل سوارس والسير إرنست كاسيل صاحبان تجمعهما صداقة قوية، وطدت صناعة المال أوصالها بينهما، وبينما غدا الأول مقيمًا بمصر على الدوام بعد نزوح عائلته من إيطاليا، إلا أن الأخير ظل بإنجلترا يدير منها ثروته المتبعثرة بمشروعاته العديدة على مستوى العالم، بعدما لجأ إليها وهو في الـ16 من عمره.
وعُرف عن سوارس ولعه بابتداع الطرق الجديدة لكسب المال، فقد كان له باع كبير في تكوين البنك العقاري المصري في 1880، إلا أنه أحب أن يوسع من جملة استثماراته فاقترح على صديقه كاسيل مشاركته في إنشاء البنك الأهلي المصري، واستجاب الأخير لاقتراح صاحبه.
وفي الخامس والعشرين من يونيو 1898 افتتح الصديقان سوارس وكاسيل البنك الأهلي المصري، برأس مال مليون جنيه إسترليني، ليكون بذلك المؤسسة المالية الكبرى بالبلاد في حينها.
وللاطلاع على المزيد عن البنك بمجلة اتحاد المصارف العربية من هنا:
لمحة تاريخية
وقال الدكتور محمد الدريني؛ أستاذ التاريخ والمعاصر بكلية الآداب بجامعة طنطا، فى دراسته “دور البنك الأهلي المصري في الاقتصاد المصري (1898 – 1951)“، إن تأسيس “البنك الأهلي” كان كشركة مساهمة مصرية أهم حدث اقتصادي في البلاد آنذاك، وبلغت أسهمه حينئذ 100 ألف سهم، بواقع 10 جنيهات للواحد، ملك منها أرنست كاسيل وحده 50 ألفًا، والنصف الآخر كان لروفائيل سوارس ومعه شركة س. م. سلفا جو.
وأشار إلى أن اللورد كرومر هو من كان صاحب فكرة تأسيس البنك والمشرف الفعلي على بداية نشاطه، حيث كان الهدف من إنشائه سيطرة بلاده على الشئون المالية لمصر وربطها بالاقتصاد البريطاني، ونجح مخططه في هذا الصدد، وتمكن المصرف منذ تأسيسه في التصدي لنقود البنوك الأجنبية العاملة بمصر وجعل اقتصادها وماليتها تابعين تمامًا للسياسة الاقتصادية والمالية الإنجليزية.
وبيّن الدريني أن البنك الأهلي المصري استمر بفضل مزاولة نشاطه في مختلف الأعمال التجارية منذ تأسيسه وحتى تحويله إلى بنك مركزي عام 1951 أضخم البنوك الإنجليزية بصفة خاصة والأخرى الأجنبية عامة بمصر، ما أدى إلى تضاعف قيمة رأس ماله 3 مرات حتى 1951.
وللاطلاع على الدراسة كاملة من هنا:
امتيازات دون سواه
وأضاف الدريني في دراسته أن كثرة عدد فروع البنك ووكالاته المنتشرة في مختلف أنحاء مصر ساعدت على ازدياد نشاطه وقيامه بالقدر الأكبر من العمليات التجارية في البلاد، فمع أن امتيازه الرئيس كان بإصدار أوراق البنكنوت دون غيره، إلا أن الحكومة أودعت أموالها فيه وكذلك فعلت المحاكم المختلطة وحكومة السودان ومدينة الإسكندرية وكبار تجار القطن.
وأشار إلى أن زيادة نشاط البنك ومضاعفة حجم رأسماله جاءت بإيداع صندوق الدين أمواله في خزائنه، مع تحويل عدد كبير من الموظفين رواتبهم الشهرية على فروعه ووكالاته المختلفة والمنتشرة بأنحاء البلاد.
وأفادت الدراسة بأن تأسيس البنك الأهلي المصري مثّل ذروة الهيمنة المالية الأجنبية تحت ستار العمل المصرفي آنذاك، حيث نشأ قويًا، وكان أحد البنوك القلائل التي صمدت أمام الأزمة الاقتصادية التي واجهت مصر عام 1907 بعد أن أفلست كثير من المصارف التجارية الصغيرة والخاصة، حتى انقشعت تلك الأزمة في أعقاب الحرب العالمية الأولى.
وأشار الدريني إلى أن إدارة المصرف الإنجليزية القوية قد ساهمت في استمراريته رغم الأزمات، فضلًا على كونه بنكًا مركزيًا للدولة آنذاك، فيصدر أوراق البنكنوت، وتحتفظ الحكومة بفائض أموالها لديه مع الإشراف على قروضها، فضلًا على إيداع كثير من المؤسسات المالية أموالها فيه، بالإضافة إلى الامتيازات التي حظي بها منذ التأسيس.
وللاطلاع على نبذة مفصلة عن بعض استثمارات البنك حتى 1995 بمجلة اتحاد المصارف العربية من هنا:
رؤية متشعبة ونجاح كبير
وحسب دراسة الدكتور حنان مسعود “العلاقـة بين الرعايـة المهـنية والالتــزام التنظــيمي مع دراسـة تطبيقية على العاملين بالمركز الرئيس في البنك الأهلي المصـري“، فإن المصرف قد طوّر وظائفه وأعماله بشكل مستمر عبر تاريخه وفقًا للتغيرات الاقتصادية والسياسية التي مرت بها البلاد.
وأضافت أنه فى خمسينات القرن الماضي قد تولى المصرف وظائف البنوك المركزية بمصر، ثم تفرغ بعد تأميمه في الستينيات للأعمال التجارية، مع استمرار قيامه بوظائف “المركزي” في المناطق التي لا يوجد للأخير فروع بها، فضلًا على الاضطلاع منذ منتصف الستينات بإصدار وإدارة شهادات الاستثمار لحساب الدولة.
وللاطلاع على الدراسة كاملة من هنا:
وقالت الدكتورة بهانة حسانين؛ مدرس المحاسبة بكلية التجارة بجامعة الأزهر، فى دراستها الحديثة “دور الشفافية في تحقيق الشمول المالي: دراسة حالة البنك الأهلي المصري”، إن المصرف يعد أكبر البنوك المساهمة بمجال المسئولية المجتمعية، لإيمانه بأهمية دوره في تحسين حياة المواطن المصري، مع تركيز سياسته على دعم قطاعي الصحة والتعليم، وتطوير المناطق العشوائية، ومكافحة الفقر وفك كرب الغارمين، ورعاية ذوي الهمم، بالإضافة إلى دعم الثقافة والمحافظة على التراث، وبلغ إجمالي مساهماته في ذلك المجال نحو 9.3 مليارات جنيه خلال 6 سنوات ماضية.
وأضافت أن البنك مساهم أصيل بمجال تنشيط الاستثمارات وسوق الأوراق المالية، إذ يمتلك عددًا متميزًا من صناديق الداعمة لسوق رأس المال المصرية، التي تخدم شريحة متميزة من العملاء، علاوة على تقديم الخدمات من خلال التوسع في الحفظ المركزي والمتاجرة.
وللاطلاع على الدراسة كاملة من هنا:
وقالت الدكتورة نجلاء جمعة؛ أستاذ إدارة الأعمال بكلية التجارة بالإسماعيلية بجامعة قناة السويس، فى دراستها الحديثة “القيادة الأصيلة المدركة وأثرها على السلوك الابتكاري في العمل: الدور المعدّل للكفاءة الذاتية الإبداعية بالتطبيق على البنك الأهلي المصري في القاهرة”، إن المصرف يحرص على تقديم أحدث الخدمات والمنتجات المتطورة لعملائه، تماشيًا مع إستراتيجيته التي أطلقها مطلع عام 2022 لتركز على تعزيز التحول الرقمي والذكاء الاصطناعي وقنوات التسويق الشاملة، مع تعزيز تجربة العملاء الرقمية في مختلف أوجه العمل المصرفي، والذي انتهى بتوقيع بروتكول تعاون مع وزارة الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات في مارس 2022 لإنشاء أكاديمية تدريب لإعداد كوادر بمجالات التكنولوجيا المتقدمة المتعلقة بأمن المعلومات ومراكز البيانات.
وللاطلاع على الدراسة كاملة من هنا:
لغة الأرقام تتحدث
وحسب بيانات البنك الأهلي المصري المنشورة، فإنه قد تمكن خلال الفترة من الأول من يوليو 2020 إلى آخر ديسمبر 2021 من تحقيق نتائج أداء غير مسبوقة، إذ بلغ إجمالي المركز المالي نحو 3.3 تريليون جنيه، بمعدل نمو 60.2% عن نهاية يونيو 2020، لتصل نسبة مجموع أصول المصرف إلى نحو 37.5% من أصول الجهاز المصرفي المصري، واستمر المركز المالي له في الارتفاع ليصل إلى نحو 3.6 تريليون جنيه في نهاية يونيو 2022.
وبلغت أرصدة الودائع نحو 2.4 تريليون جنيه في نهاية ديسمبر 2021 بمعدل نمو بلغ نحو 50% عن يونيو 2020، وتمثل نحو 37.1% من إجمالي ودائع الجهاز المصرفي، مع تقديم مختلف الأوعية الادخارية بالعملتين المحلية والأجنبية بأسعار فائدة جاذبة، لتقترب الودائع من نحو 2.8 تريليون جنيه بنهاية يونيو 2022.
كما وفّر البنك أنظمة تمويلية تلبى جميع احتياجات القطاعات الاقتصادية الرئيسة، وبلغ إجمالي محفظة التجزئة المصرفية نحو 159 مليار جنيه في نهاية ديسمبر2021، بحصة سوقية تمثل 26.3% تقريبًا، بزيادة قدرها 57 مليارًا عن يونيو2020 وبمعدل نمو بلغ 56%، تتضمن ما يقرب من 11.5 مليار جنيه ضمن مبادرة التمويل العقاري لـ105 ألف عميل، واستمرت قروض التجزئة في الارتفاع لتصل إلى 188 مليار جنيه بنهاية يونيو 2022.
وفي الفيديو التالي يحتفل البنك الأهلي المصري بمرور 125 سنة على إنشائه:
وقام البنك بدور فعال في تدعيم تمويل الأنشطة الرئيسة للاقتصاد القومي، وارتفع إجمالي قروض الشركات الكبرى بمعدل نمو 66.7%، لتصل المحفظة إلى نحو 904 مليار جنيه في نهاية ديسمبر2021، ولتستمر في الارتفاع لتصل إلى تريليون جنيه بنهاية يونيو 2022.
وبلغ إجمالي محفظة القروض المقدمة للمشروعات الصغيرة والمتوسطة نحو 110 مليارات جنيه في نهاية ديسمبر2021 بمعدل نمو 42.9% عن يونيو 2020 بزيادة قدرها 33 مليار جنيه، ولتبلغ 132 مليار جنيه في يونيو 2022، ما ساهم في ارتفاع إجمالي القروض بمعدل 66% لتصل إلى ما يقرب من 1.2 تريليون جنيه، تمثل 38.7% من قروض الجهاز المصرفي، واستمرت الأخيرة في النمو لتصل إلى 1.4 تريليون جنيه بنهاية يونيو 2022.
وسجّل البنك أرباحًا (قبل الضرائب) بلغت نحو 66 مليار جنيه، مع تحقيق صافي ربح بلغ 29.7 مليار جنيه تقريبًا، خلال الفترة من الأول من يوليو 2020 إلى آخر ديسمبر 2021، ونجح المصرف في زيادة حقوق الملكية لتصل إلى 182 مليار جنيه بنهاية ديسمبر 2021 بمعدل نمو 49.2% مقارنة بنهاية يونيو 2020.
وللاطلاع على مزيد من التفصيلات من هنا:
جوائز وتقييمات في 2022
فاز البنـك الأهلي المصـري بالمركز الأول وفقًا لمؤسسة Bloomberg بالسوق المصرفية المصرية والإفريقية، عن قيامه بأدوار وكيل التمويل ومسوق للقروض المشتركة خلال النصف الأول من عام 2022، لإدارة 13 صفقة تمويلية بقيمة تخطت 54 مليار جنيه.
كما حصد المركز الثالث كوكيل للتمويل، والمركز السادس كمرتب رئيس، والمركز العاشر كمسوق للقروض المشتركة بمنطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا.
وحصل البنك على جائزة أفضل مزود لخدمات التمويل التجاري بمصر لعام 2022، ونال رئيس مجلس إدارة البنك الأهلي جائزة أفضل قيادة مصرفية في مصر لعام 2022 من مجلة World Economic.
وصُنّف “البنك الأهلي” كثاني أغلى علامة تجارية بمصر لعام 2022 بقيمة 461 مليون دولار أمريكي، وفقاً لتصنيف شركة Brand Finance لأغلى 10 علامات تجارية بالبلاد عام 2022.
وحصل البنك خلال عام 2022 على شهادة تأكيد الجودة الخاصة بالمعيار الدولي ISO في نظام إدارة أمن المعلومات للعام السابع على التوالي، كما أعلنـت مجلـة Global Finance العالمية عـن حصـوله علـى جائزة أفضل مصرف لإدارة السيولة بالشرق الأوسط عام 2022.
وحصد البنك جائزة أفضل مصرف إقليمي في شمال إفريقيا من مجلة African Banker لعام 2022، بالإضافة إلى جائزة أفضل صفقة تمويلية لعام 2022 عن تمويله لشركة إيفرجرو للأسمدة المتخصصة من مؤسسة GFC Media Group، وجائزة أفضل بنك تجزئة على مستوى الشرق الأوسط وشمال إفريقيا من مؤسسة MEED لعام 2022، كما تصدر المركز الأول محليًا والرابع إفريقيًا في قائمة The Banker Top 1000 World Banks 2022.
وحصد جائزتي أفضل بنك تجزئة وتمويل التجارة بمصر من مؤسسة Global Economics لعام 2022.
وللاطلاع على تفصيلات مشاركات البنك لـ”ماستر كارد” بمجلة اتحاد المصارف العربية من هنا:
انتشار البنك وتحسين الخدمات
حسب بيانات البنك الأهلي المصري، فقد زاد عدد ماكينات الصراف الآلي ATM مع تحسين أماكن تواجدها في كافة أنحاء البلاد، ووصل عددها إلى 6100، بالإضافة إلى 398 ألف ماكينة POS، بنهاية يونيو2022، مع تقديم العديد من الخدمات المصرفية عن طريق الإنترنت، لخدمة 6.6 مليون عميل من خلال “الأهلي نت”، إضافة إلى 1.85 مليون عميل من خلال محفظة “فون كاش”، فضلًا على افتتاح 35 فرعًا إلكترونيًا.
كما يمتلك البنك، حسب اتحاد المصارف العربية، فروعًا ومكاتب ووحدات مصرفية تبلغ 615 بالداخل، لخدمة نحو 17.8 مليون عميل، تغطى كافة أنحاء البلاد، إلى جانب تواجد خارجي فعال بمعظم قارات العالم، بالمملكة المتحدة، والسودان، وجوبا (بالجنوب، وفرعي نيويورك بالولايات المتحدة، وشنغهاي بالصين، ومكاتب التمثيل في جوهانسبرج بجنوب إفريقيا، ودبي بالإمارات العربية المتحدة، وأديس أبابا بأثيوبيا، كما يضم المصرف شبكة ضخمة من المراسلين بأوروبا والولايات المتحدة وأستراليا وكندا والشرق الأقصى وإفريقيا والخليج العربي.
في النهاية، بقي “الأهلي المصري” صرحًا قويًا في أياد الأجانب أولًا والمصريين في المنتهى، ولم يُغفل الاقتصاديون المخضرمون ذلك، حتى بعد إنشاء بنك مصر في 1920، حيث استعان طلعت حرب بالمستشارين الفنيين للكيان الوليد من بين مديريه وموظفيه، ويظل التعاون بينه وجميع الجهات المصرفية الداخلية والخارجية مستمرًا.