من نافلة القول إن تصعيد إثيوبيا سقف تحدياتها المائية ضد مصر، أشبه ما يكون إلى لعبة «عض الأصابع».. المقصود بها- راجحًا- المساومة على تغيير الجغرافيا المائية لمجرى النيل، كى تصبح إسرائيل بمقتضاها من دول مصب النهر، لإرواء ظمئها.. وكما نحو تلبية شعارها التوراتي.. «من النيل إلى الفرات»، ذلك من خلال المناورة السياسية مع دول أعالى الأنهار.. سواء فى إثيوبيا كى تتحكم عبر «سد النهضة» من 2011 (74 مليار متر مكعب) فى مياه النيل باتجاه مصر- أو سواء فى تركيا كى تتحكم عبر «سد أتاتورك» 1987 (77 مليار متر مكعب) فى مياه نهر الفرات لتعطيش- كما هو جار- أراضى العراق وسوريا، الأمر الذى سبق أن كان محل مشروع أميركى 1951- رفض العرب آنئذ- لتوصيل «ترعة السلام» من الفرات عبر دول عربية إلى إسرائيل.. التى لا تزال موضع دعم جهات دولية، وإلا ما كانت المساعى الدبلوماسية والقانونية والفنية تراوح مكانها مع إثيوبيا حول سد النهضة لنحو عشر سنوات- لا تزال- دون التوصل إلى تسوية بشأن الحفاظ على الحصص المائية لكل من مصر والسودان، ما يمثل- وغيره- محاولات الساعة الأخيرة قبل اللجوء إلى التفكير فى التوجه لمعالجات أخرى غير دبلوماسية لأزمة السد.. قد يكون الاحتكام للسلاح إحداها، خاصة فى ضوء ما جرى مؤخرًا من مناورات عسكرية غير مسبوقة فى قاعدة «رأس بانباس» بين كل من البحرية المصرية والإسبانية على سبيل المثال، حيث الموقف أصبح فى حالة اشتعال بالمعنى الحرفى للكلمة، خاصة مع رفض إثيوبيا الوساطات الإقليمية والدولية، كما لاتجاهها بقرار أحادى من جانب واحد نحو الملء الثانى لخزان السد (يصل من 5 إلى 17 مليار متر مكعب)، ما يضع جميع الأطراف المعنية فى يوليو المقبل أمام أمر واقع يستحيل تغييره، حتى ولو بالقوة، إذ إن الكل خاسر آنئذ، الأمر الذى تحذر منه مصر بشكل رسمى.. إزاء أخطر وأصعب أزمة أفريقية فى السنوات العشر الماضية، حيث يعنى بقاء السد أن تظل مصر رهينة مائية لإثيوبيا، ومن وراءها، ما بين الإغداق أو الإغراق أو التصحر، خاصة مع ما يتواتر من أنباء على جانب آخر عن عيوب هندسية للسد، ولأرضيته، تجعل منه قنبلة موقوتة حال انهياره المحتمل لو صدقت هذه الأقاويل عنه، وكلها مخاطر ماثلة أو محتملة تضع مركز وهيبة مصر الإقليمية محل اختبار فى مواجهة طفيليات تاريخية وجغرافية مستجدّة على المنطقة، إذ ما لم تنجزه السياسة لا مفر من تحقيقه من خلال الحرب، ولو المحدودة، ثم تستكمل بالمفاوضات – دبلوماسية الحرب – (معركة أكتوبر نموذجًا)، حيث تستعد مصر لها من خلال أسطولها الجنوبى (طائرات الرافال- حاملات الطائرات الهيلوكوبتر- الصواريخ (سكالب) المضادة للتحصينات.. إلخ)، إلا أن الصدام العسكرى يبقى مؤجلًا إلى ما سوف تسفر عنه «قمة خاصة مرتقبة» بوساطة سعودية لإنهاء ملف سد النهضة بما يضمن حقوق الأطراف الثلاثة المعنية بأزمته، وفى إطار الحفاظ على الأمن القومى لتجمع دول البحر الأحمر، وإلى ما سوف يسفر عنه من ناحية أخرى مقترح السودان عن «رباعية دولية» لمفاوضات «سد النهضة» من الأمم المتحدة والاتحاد الأوروبى والولايات المتحدة إلى جانب الدول المعنية الثلاث، للوصول إلى آلية مشتركة بشأنه قبل قيام أديس أبابا بتنفيذ الملء الثانى للسد، ذلك فيما تسعى مصر جاهدة من جانب آخر لتعظيم احتياطياتها المائية من خلال تحلية مياه البحر، ومعالجات مياه الصرف (6 ملايين متر مكعب يوميًّا) على الساحل الشمالى، ومنها إلى غرب الدلتا لتكوين مجمعات زراعية وسكانية جديدة، ناهيك عن استخدامات ترشيد المياه، وذلك تحسبًا لفشل المساعى الدبلوماسية أو لوقوف المجتمع الدولى بوجه الصدام العسكري، خاصة مع إلغاء أميركا قرار «ترامب» بوقف المساعدات إلى إثيوبيا نظرًا لعدم الالتزام بتعهداتها بشأن سد النهضة، ما يدفع بالمزيد من الغموض إزاء مواجهة التحديات الإثيوبية ومن وراءها.
شريف عطية
7:11 ص, الأحد, 21 فبراير 21
End of current post