من بعد سنوات على استنفاد معظم الجهود السياسية والقانونية والفنية، لمعالجة الأخطار المترتبة على دولتى المصب- مصر والسودان- جراء المضى فى بناء «سد النهضة» على مجرى نهر النيل من جانب دولة المنبع- إثيوبيا- التى تعزم بقرار أحادى بدء إجراءات الملء الثانى لخزاناته فى يوليو المقبل، ليرتفع منسوبها من 5 إلى 18 مليار متر مكعب من المياه، تضع دولتا المصب أمام أمر واقع لا يمكن تغييره، ولو بالقوة، إما بإغراقهما أو قبولهما التصحّر، حتى تكاد منطقة شرق أفريقيا أن تتحول إلى مسرح عمليات مفتوح لصدام عسكرى وشيك، تبدو مقدماته حاليًّا مع اشتعال المواجهات الحدودية بين السودان وإثيوبيا.. التى تتعنت فى قبول الوساطة الدولية بينهما، ذلك فى معرض الضغط على السودان لإثنائه عن اتخاذ موقف داعم لمصر فى مسألة سد النهضة، الذى تعتبره أديس أبابا لا يمثل أى خطر على السودان إلا أن يكون موقفها منه فى خدمة مصر.. التى تعتبر بدورها فى مرمى النيران (الغربية) منذ القرون الوسطي، بغرض تصحيرها، لولا أن جرى صرف النظر عن هذا المخطط وقتئذ.. حين تحولت طرق التجارة العالمية عن مصر من بعد اكتشاف البوصلة البحرية 1492 ولغير صالح دول الستار الإسلامى من طنجة إلى عمان، إلا أن دفعت الهجمة الصهيونية إبان القرن العشرين.. بـ»ظمأ إسرائيل» (موضوع مقالى فى مجلة المصور أغسطس 1987) إلى المناورة حول المياه فى دولة أعالى نهر النيل- إثيوبيا- ما لم يلفت نظر المسئولين آنئذ- ولربع قرن تالٍ- نحو جدية توابعه إلا بعد أن سبق السيف العزل فى 2011، الأمر الذى كان لافتًا معه مؤخرًا اختيار الدبلوماسية الإثيوبية إسرائيل لكى تستفز من خلالها مصر عن طريق سفيرها هناك.. بالقول إن على المصريين الاستعداد لجفاف بحيرة ناصر، ذلك بالتوازى مع اتجاه الإدارة الأميركية الجديدة إلى إحالة موضوع «سد النهضة» إلى الأطراف المعنية بالقضية، لتسويتها، ما يجعل الوقت فى غير صالح مصر التى تبدو على لسان وزير خارجيتها.. بأنها لن تقبل بسياسة فرض الأمر الواقع، حيث للقضية معالجات أخرى حال وصول المفاوضات بشأنها إلى طريق مسدود، ما يعنى أن المواجهة الكبرى أصبحت حتى يوليو المقبل مسألة وقت.. قبل مرحلة الحسم بالسلاح فى ضوء فشل الوساطة الأفريقية والدولية، إذ بات «السد» بمثابة قنبلة موقوتة؛ ليس فى يد الإثيوبيين فحسب ضد مصر، بل أيضًا بيد كل من لا يريد الخير لها من زمن القرون الوسطي.. بضرب السد، وإغراقها، ربما لن تكون تركيا بعيدة عن هذا الاحتمال وهى التى لها نفوذ لقواعدها فى مالى وتشاد والنيجر وجيبوتى والصومال، خاصة بعد أن فشلت تدخلاتها فى ليبيا بفضل استخدام مصر للحكمة والشجاعة معًا، سواء باعتبار منطقة سرت- الجفرة خطًّا أحمر، أو بإعادة فتح سفارتها قبل أيام فى طرابلس بالموازاة مع تلاحم مؤسسات الترويكا الليبية- التنفيذية والرئاسية والبرلمانية، ما يدعم التوجه الثلاثى للعواصم الذهبية فى القاهرة وطرابلس والخرطوم نحو مواجهة التحديات الإثيوبية ومن وراءها.
(يتبع)