طالت سجالات صراع الوجود بين القوميتين العربية والصهيونية- لقرون عديدة- قبل محاولات إحياء مقتضيات النفوذ الصهيونى للأخيرة، بالتزامن مع قدوم الحملة الفرنسية للمنطقة نهاية القرن الثامن عشر، وليظل الأمر عالقاً إلى ثلاثينيات القرن 19، حين أعاد القائد «إبراهيم باشا» فتح القنصليات الأجنبية فى القدس، لتتولى كل من فرنسا وروسيا وغيرهما حماية شئون رعايا كنائسهم، فيما تولت بريطانيا رعاية شئون اليهود والدروز، ولتفصح بلسان وزير خارجيتها «بالمرستون» عن سياستها بألا تكون «فلسطين» من بعد فى أياد غير صديقة لها، وحيث توالت موجات الهجرة اليهودية الأولى (الييشوف) مطلع ثمانينيات القرن 19 – بالتزامن مع الاحتلال البريطانى لمصر، وقبل نحو أربعة عقود من إعلان «وعد بلفور» 1917.. الذى نقل السجال العربى- الصهيونى إلى مرحلة جديدة.. تباينت سبلها بين التعايش الحذر، إلى الصدام المسلح بينهما منذ نهاية الأربعينيات، قبل البدء فى منتصف السبعينيات بتجريب عملية التسوية السياسية التى أفضت إلى معاهدة سلام بين مصر وإسرائيل 1979، وليس آخراً بمؤتمر مدريد الدولى للسلام 1991 الذى أفضى بالتوصية إلى «ثنائية المسارات وتعددها» فى منتصف التسعينيات عبر توقيع اتفاقات «أوسلو» و«وادى عربة» بين إسرائيل وكل من الأردن والسلطة الفلسطينية، ما أدى إلى تحفيز تحديات اليمين «التوراتي» (اغتيال رئيس الحكومة «رابين» 1995) لإغلاق مساعى التسوية التى قد تهدد من وجهة نظر اليمين المتطرف.. خطوات بناء الدولة الصهيونية الكبرى، إلا من نقاط وتفاهمات أميركية خلال العقدين التاليين، لم تحظ بالقبول العربى أو الصهيونى بشأن التسوية النهائية بينهما، إلى أن أعلنت واشنطن عما يسمى «صفقة القرن» فى العام 2017، إذ لا تزال تتعثر عن الاقتراب من شقيها السياسى والاقتصادى.
إلى ذلك، وطوال تلك الحقبة الزمنية.. كان من الشائع إدانة الجانب العربى بإهدار الفرص (الضائعة) للسلام، الأمر الذى وظفته إسرائيل – كسبا للوقت- على طريق تحقيق الغايات العليا للمشروع الصهيونى «غير الواقعي»، فيما تتابعت التنازلات العربية، ومن ثم الفلسطينيون- أصحاب الأرض الأصليون- منذ نوفمبر 1988، إلى أن وصلت تنازلاتهم للحدود الدنيا التى ليس بعدها سوى الاندثار، ذلك فيما تواصل إسرائيل مراوغاتها هروباً من مستحقات السلام، فى تبادل ليس غير متوافق مع العرب فى إضاعة فرص الحل النهائى، من أهم دلالاته اضطراب وانقسام الموقف داخل إسرائيل عبر إجراءات انتخابات تشريعية مبكرة- لمرتين- فى العام 2019.. لم يسفرا إلا عن فراغ سياسى حكومى حتى سبتمبر، من غير المستبعد إزاء احتمال تواصله، إجراء انتخابات ثالثة للكنيست فى فبراير 2020، ذلك حال استمرار العجز عن تشكيل حكومة عبرانية لا تزال مفزوعة من حواجز السلام الزجاجية.
(يتبع)