عن المواجهة الأمريكية الإيرانية

عن المواجهة الأمريكية الإيرانية
توفيق اكليمندوس

توفيق اكليمندوس

7:33 ص, الأحد, 23 يونيو 19

اترك مؤقتا الأنظمة الأيديولوجية للخوض فى المواجهة الأمريكية الإيرانية. كانت إدارة الرئيس السابق أوباما قد وصلت إلى قناعة مفادها أنه من المستحيل منع إيران من الحصول على قنبلة نووية، وأن الخيار العسكرى ضد المنشآت غير ممكن أو غير فعال، والدليل على ذلك عدم لجوء إسرائيل إليه رغم عدم تهاونها فيما يتعلق بأمنها، وأن أقصى ما يمكن عمله هو تأجيل لحظة حصول طهران على القنبلة، لبحث الترتيبات الأمنية اللازمة لمواجهة هذا الواقع.

ولم يكن من الممكن البوح بهذا التشخيص أمام الرأى العام الأمريكى والخليجى، ولذلك فضلت الإدارة تبنى رواية مفادها أن التهدئة مع إيران ستمكن المعتدلين فى طهران، وستثبت أن السلوك الرشيد تتم مكافأته، وهراء من هذا الطراز.

ولا نريد الخوض فى تفاصيل المفاوضات التى جرت، نكتفى بالقول أن المصادر الأوروبية التى شاركت فيها قالت إن المفاوض الأمريكى كان على عجالة من أمره ومال إلى الإكثار من التنازلات غير الضرورية، وأن الأدوار تبدلت، فالمتشددون أوروبيون والمعتدلون أمريكيون، والأوروبيون فرملوا اتجاه الأمريكيين إلى تقديم تنازلات عديدة، وتوصلت الأطراف إلى اتفاق مرضٍ للجميع – فيما عدا دول المنطقة.

وكما كان متوقعا لم يسفر الاتفاق عن أى اعتدال إيرانى وبالعكس تمددت طهران.
وأتذكر حوارا ملتهبا دار سنة 2016 بين وزير غربى وسفير بلده فى القاهرة حول موازين القوة فى المنطقة، رأى الوزير (وهو مثقف وله حس سياسى ولكنه ليس من المتخصصين فى شؤون المنطقة) أن إيران انتصرت وأن واشنطن لا تمانع لأن إيران ملتزمة ببنود الاتفاق ولأنها (واشنطن) مستاءة من الدول السنية. بينما رأى السفير إن الموضوع لم ينته، فالهلال الشيعى محاصر، بين تركيا وإسرائيل والمملكة السعودية، وقال السفير إن هذا سيدفع المتضررين من التمدد الإيرانى إلى التنسيق فيما بينهم وربما أكثر، وأذكر أيضا حوارا مع خبير مقرب جدا من قمة الحكم فى دولة غربية رأى أيامها أن الظروف مهيأة لاتفاق بين الثلاثة الكبار فى المشرق العربى، فإسرائيل قتلت الحلم الفلسطينى وتخلصت من خطر الجيوش العربية وإيران أوجدت الهلال الشيعى ولها طريق مباشر إلى البحر المتوسط وتحتاج فترة تهدئة طويلة نسبيا (10 سنوات على الأقل) لهضم مكتسباتها وإصلاح اقتصادها، وإن على تركيا فهم فشل مشروعها العثمانى الاخوانى والاكتفاء بوأد المشروع الكردى.

كان منطق محاورى قويا ولكننى لم أقتنع تماما، لسوء ظنى بالأنظمة المؤدلجة، فتركيا عدوانية سواء كانت الظروف مواتية أم لا، ولمعرفتى بالمقاربة الإسرائيلية، فلا يمكن لإسرائيل قبول وجود عدو كفء على حدودها، عدو يرى ضرورة إزالتها ولو بعد حين.

وذهب أوباما وجاء ترامب، رأى الرئيس الجديد أن مقاربة سلفه كارثية، أوباما مكن الشيعة وهى أقلية، وعادى حلفاء واشنطن التقليديين، إسرائيل والدول السنية المعتدلة، ويا ليته نجح فى تحقيق الاستقرار، شارك ترامب أوباما الرأى فيما يتعلق بضرورة التركيز على الصين، وفيما يخص ضرورة إعادة ترتيب منطقة الشرق الأوسط ترتيبا يمكن الولايات المتحدة من انسحاب جزئى للتركيز على الشرق الأقصى وعلى التنين الصاعد.

ولكنه، خلافا لأوباما، رأى أن هذا يقتضى كبح جماح إيران، وإلزامها بالتراجع، وحرمانها من الصواريخ الباليستية ومن إمكانية الحصول على القنبلة النووية. ورأى أيضا أن تحقيق الاستقرار يقتضى تسوية القضية الفلسطينية لصالح إسرائيل، وقدر فيما يبدو أنه لن يمول الفلسطينيين لو لم يعترفوا بالهزيمة.
ولهذا أوقع عقوبات على طهران وعلى السلطة الفلسطينية.

ومن ناحيته قرر رئيس الوزراء الإسرائيلى ألا يصبر كثيرا، واستغل استفزازات طهران ودمر جزءا كبيرا من منشئاتها فى سوريا، وأجبرها على الابتعاد عن حدودها.
يتبع

  • أستاذ العلاقات الدولية بالجامعة الفرنسية