على ضوء قرارات البنوك المركزية .. «بنك أوف أمريكا»: نحن على حافة ركود عالمي

الخطر المتزايد هو أن المزيد من التشديد في السياسة النقدية

على ضوء قرارات البنوك المركزية .. «بنك أوف أمريكا»: نحن على حافة ركود عالمي
أيمن عزام

أيمن عزام

8:44 م, الأحد, 18 ديسمبر 22

قال إيثان هاريس رئيس أبحاث الاقتصاد العالمي في “بنك أوف أميركا”:”نحن على حافة ركود عالمي”، وذلك على ضوء قرارات البنوك المركزية التي صدرت الأسبوع الماضي.

 أشارت البنوك المركزية الكبرى الأسبوع الماضي إلى استعدادها لمواجهة ركود عالمي في عام 2023، فيما وعدت بزيادة تكاليف الاقتراض في معركتها المتواصلة ضد التضخم المرتفع.

بعد زيادة أسعار الفائدة بمقدار نصف نقطة مئوية، قال رؤساء الاحتياطي الفيدرالي، والبنك المركزي الأوروبي وبنك إنجلترا، إن من المرجح رفع أسعار الفائدة خلال 2023، حتى مع اعترافهم بوجود مؤشرات على ضعف اقتصاداتهم.

الخطر المتزايد هو أن المزيد من التشديد في السياسة النقدية، والذي يعتبر الأكبر من نوعه في أربعة عقود، من شأنه أن يقوّض الطلب والتوظيف، إلى درجة سيدفع معه الاقتصاد العالمي نحو الركود في العام المقبل، وذلك بعد فترة وجيزة من الانكماش الذي تسببت به جائحة كورونا.

تيسير منح الائتمان

أدى معدل تضخم الأسرع منذ الثمانينيات، إلى تغيير ما يسميه الاقتصاديون “وظيفة رد الفعل” للمسؤولين عن السياسة النقدية، بمن فيهم رئيس بنك الاحتياطي الفيدرالي جيروم باول. في العادة، يكون متوقعاً أن يلجأوا إلى تيسير منح الائتمان مع تراجع الاقتصادات، للحد من الأضرار التي تلحق بالأسر والشركات.

لكن مع نمو الأسعار أعلى بكثير من مستهدفاتهم البالغة 2%، يتحرك محافظو البنوك المركزية في الاتجاه المعاكس، حتى في مواجهة انكماش الاقتصادات.

ويصر محافظو البنوك المركزية على أن أسعار الفائدة ستبقى مرتفعة لفترة أطول للقضاء على التضخم – على الرغم من أن العديد من المستثمرين يراهنون على أن هذا الوضع لن يستمر مع تراجع الاقتصادات وارتفاع معدلات البطالة.

قال هاريس: “هناك شعور متزايد بين البنوك المركزية بأنها تفضل المخاطرة بعمل الكثير.. هي لا تريد خفض الفائدة لتعود وتجد نفسها لاحقاً مضطرة إلى رفعها الفائدة مرة أخرى”.

قرارات البنوك المركزية

يكمن الخطر في أن يرتكب محافظو البنوك المركزية الخطأ المعاكس للخطأ الذي وقعوا به خلال 2021.

في ذلك الوقت، قلل محافظو البنوك المركزية من مخاطر تصاعد ضغوط الأسعار في الاقتصادات التي كانت لا تزال تكافح بعد الوباء. سمح ذلك للتضخم بالخروج عن السيطرة، ما أدى إلى تغيير المسار السريع خلال 2022، برفع أسعار الفائدة بشكل كبير.

ربما تعلّموا من الخطأ. يتعهد المسؤولون عن البنوك المركزية حالياً بمواصلة معركتهم ضد التضخم، على الرغم من أن ضغوط الأسعار قد بدأت في التراجع، خصوصاً بالنسبة إلى السلع، مع تباطؤ الاقتصادات وانتهاء الاختناقات في سلاسل التوريد.

لا يزال مسؤولو البنوك المركزية قلقين بشكل خاص إزاء تصاعد توقعات الأسعار والضغوط المتزايدة التي أصبحت متأصلة في اقتصادات بلدانهم، كما حدث في السبعينيات من القرن الماضي.

قال باول يوم الأربعاء: “كلما استمرت الموجة الحالية من التضخم المرتفع، زادت فرصة ترسُّخ توقعات ارتفاع التضخم”.

أعلنت الرئيسة كريستين لاغارد يوم الخميس أن البنك المركزي الأوروبي سيمضي قدماً في رفع أسعار الفائدة “لفترة طويلة”.

الاستثناء الوحيد هو بنك اليابان الذي من المتوقع أن يُبقي على سياسته النقدية شديدة التيسير، الأسبوع المقبل.

قلق بشأن سرعة انخفاض التضخم

مصدر قلق جديد على مستوى العالم هو أن السلطات تقلل من شأن السرعة التي يمكن أن ينخفض بها التضخم مع تباطؤ النمو وتلاشي مشكلة سلاسل التوريد الناجمة عن كوفيد-19.

يتمثل التهديد في أن موقف تلك السلطات الصارم يمكن أن يجعل الوضع المتردي بالفعل أكثر سوءاً، ويؤدي إلى تعميق فترات الانكماش التي يأمل محافظو البنوك المركزية أن تكون قصيرة وطفيفة.

كتب جو ليتل ، كبير الاستراتيجيين العالميين لدى “اتش اس بي سي آسيت مانجمنت”في تقرير: “إذا كان 2022 هو عام ارتفاع التضخم ورفع أسعار الفائدة وانخفاض مضاعفات سوق الأسهم، فإن 2023 سيكون عاماً يتعلق بدورة الاقتصاد الكلي.. من المحتمل أننا وصلنا إلى ذروة تشديد البنوك المركزية لسياساتها النقدية، حيث بدأت معدلات التضخم الرئيسية في التراجع”.

يرى مسؤولو بنك إنجلترا علانية، أن المملكة المتحدة في حالة ركود بالفعل. ويفترض المسؤولون في البنك المركزي الأوروبي أن منطقة اليورو قد دخلت في الركود خلال الربع الجاري. تضرر الاقتصاد في كل من المملكة المتحدة ومنطقة اليورو جراء ارتفاع تكاليف الطاقة نتيجة الغزو الروسي لأوكرانيا.

خطر الانكماش

الولايات المتحدة أقل تعرضاً لتداعيات الحرب، لكنها لا تزال تواجه خطر الانكماش مع ارتفاع معدلات التضخم وأسعار الفائدة التي تؤثر على الاقتصاد. وعلى الرغم من أن باول ابتعد عن القول إن الركود بات وشيكاً، إلا أن اثنين من زملائه أشارا في توقعات صادرة الأسبوع الماضي، إلى أن الناتج المحلي الإجمالي سينكمش خلال 2023.

في حين تستعد البنوك المركزية الثلاثة لمواصلة رفع أسعار الفائدة في عام 2023، فإنه من غير المرجح أن تظل زيادات معدلات الفائدة بنفس مقدار زيادة الأسبوع الماضي.

أبقى باول الباب مفتوحاً أمام بنك الاحتياطي الفيدرالي ليعود مرة أخرى لرفع معدل الفائدة بمقدار ربع نقطة في فبراير 2023، بينما أخبرت لاغارد الأسواق بأنها (أي الأسواق) تستخف بعزم البنك المركزي الأوروبي.

أشارت لاغارد إلى احتمال رفع الفائدة بمقدار نصف نقطة مرتين، كما أعلنت عن خطط للبدء في خفض مخزون السندات البالغة نحو 5 تريليونات يورو (5.3 تريليون دولار).

بنك إنجلترا ورفع الفائدة

في غضون ذلك، تتجه تخفيضات أسعار الفائدة لدى بنك إنجلترا إلى بؤرة الاهتمام. رغم أن الغالبية صوّتت خلال الأسبوع الماضي على رفع الفائدة بمقدار نصف نقطة إلى 3.5%، إلا أن اثنن من المسؤولين عارضا رفع الفائدة، وأشارا إلى أنه ينبغي تخفيف السياسة النقدية في وقت قريب.

كشف محضر الاجتماع أن اثنين من المسؤولين يعتقدان أن رفع الفائدة لدى بنك إنجلترا إلى 3% ” هو أكثر من كاف لإعادة التضخم إلى المعدل المستهدف، قبل أن ينخفض إلى ما دون المستهدف على المدى المتوسط”.

تبقى سوق العمل هي النقطة الرئيسية التي تركّز عليها جميع البنوك المركزية الثلاثة. فمعدل البطالة في الاقتصادات المتقدمة الرئيسية البالغ 4.4% في الربع الثالث، هو الأدنى منذ أوائل الثمانينيات، وفقاً لمنظمة التعاون الاقتصادي والتنمية. وهذا يؤدي إلى رفع الأجور وزيادة الضغط على الشركات لرفع الأسعار.

كذلك، تحتاج البنوك المركزية لأن تكون أسواق مالية إلى جانبها. إذا خفضت البنوك المركزية أسعار الفائدة، سيؤدي ذلك إلى تخفيف بعض تكاليف الاقتراض المرتفعة.

كتب جورج سارافيلوس، الرئيس العالمي لأبحاث الصرف الأجنبي لدى مصرف “دويتشه بنك” في تقرير يوم الجمعة: “تبدو الرسالة العامة لعام 2023 واضحة: سوف تتراجع البنوك المركزية عن الأصول عالية المخاطر إلى أن تبدأ سوق العمل في التحوّل”. وأضاف: “قدّم أكبر بنكين مركزيين في العالم – الاحتياطي الفيدرالي والبنك المركزي الأوروبي – رسالة واضحة: يجب أن تظل الظروف المالية مشددة”.

تختلف طبيعة التضخم التي يواجهها كل بنك مركزي.

سوق العمل هي الأهم

في الولايات المتحدة، وفق ما قاله ويليام دادلي، رئيس بنك الاحتياطي الفيدرالي السابق في نيويورك، والذي أصبح الآن مستشارا بارزاً في “بلومبرغ إيكونوميكس”، لـ”تلفزيون بلومبرغ”، “الأمر كله يتعلق بسوق العمل”.

أما في منطقة اليورو، فيأتي جزء كبير من تحفيز التضخم من اضطرابات إمدادات الطاقة، مع زيادة الطلب المكبوت في أعقاب الوباء. كما يزيد انخفاض قيمة اليورو من زخم ارتفاع الأسعار.

على الرغم من وضع الحكومات حدوداً قصوى للأسعار من شأنها تخفيف الأعباء على النسبة للشركات والأسر، إلا إن توقعات التضخم في المستقبل آخذة في الارتفاع. يتوقع البنك المركزي الأوروبي أن تنمو الأجور بمعدلات أعلى بكثير من المتوسطات التاريخية على مدى الأعوام الثلاثة المقبلة.

صدمة الطاقة الأوروبية

يبدو أن المملكة المتحدة لديها أسوأ ما لدى الجانبين: صدمة أسعار الطاقة الأوروبية، وأسواق العمل الضيقة على نسق الولايات المتحدة. ارتفعت أسعار البيع بالجملة للغاز الطبيعي سبعة أضعاف منذ منتصف عام 2021 ، ووصل التوظيف إلى 200 ألف دون مستويات ما قبل الوباء. تقاعد العمال مبكرا أو تركوا العمل بسبب اعتلال صحتهم.

مع استمرار وفرة الوظائف الشاغرة، يؤدي نقص العمالة إلى ارتفاع الأجور. تزداد رواتب القطاع الخاص العادية الآن بنسبة 6.9%، وهي الأسرع منذ بداية القرن الجاري باستثناء فترة الوباء.

قال دادلي: “يبدو لي أن بنك إنجلترا يعاني من أكبر مشكلة تضخم”.

مع ذلك، يعتقد دادلي أن البنك المركزي الأوروبي لديه أصعب مهمة بسبب تعرض المنطقة لإمدادات الطاقة الروسية وتقلبات الطقس شتاءً.

قال: “إنهم قلقون بشأن التضخم.. ومن ناحية أخرى، إنهم قلقون بشأن صدمة أسعار الطاقة وما يمكن أن يفعله ذلك للنمو الاقتصادي. لذا، لم أكن لأتمنى يوماً أن أجد نفسي مكانهم، في مثل هذا الموقف الصعب”.