عصر‭ ‬‮«‬العبط‮»‬‭!‬

عصر‭ ‬‮«‬العبط‮»‬‭!‬
حازم شريف

حازم شريف

11:06 ص, الأحد, 13 فبراير 05

فجأة‭ ‬اندلعت‭ ‬الثورة‭ ‬في‭ ‬أحد‭ ‬أقاليم‭ ‬مصر‭ ‬المحروسة‭ ‬خلال‭ ‬الأيام‭ ‬الماضية، لا‭ ‬بسبب‭ ‬ارتفاع‭ ‬ما‭ ‬للأسعار‭- ‬وهو‭ ‬ما‭ ‬يكاد‭ ‬يحدث‭ ‬يومياً‭،- ‬ولا‭ ‬لانتشار‭ ‬الفقر‭ ‬والعوز،‭ ‬وهو‭ ‬ما‭ ‬لا‭ ‬يقدر‭ ‬أحد‭ ‬على‭ ‬انكاره‭ ‬رغم‭ ‬التصريحات‭ ‬الوردية‭ ‬لصحف‭ ‬الحكومة‭ ‬الرسمية،‭ ‬أو‭ ‬لعلة‭ ‬في‭ ‬حاكم‭ ‬أو‭ ‬لجور‭ ‬من‭ ‬محكوم،‭ ‬وهى‭ ‬الأمور‭ ‬التى‭ ‬جبل‭ ‬الناس‭ ‬عليها، ‬وإنما‭ ‬خرجت‭ ‬محافظة‭ ‬بورسعيد‭ ‬عن‭ ‬بكرة‭ ‬أبيها‭ ‬شعباً‭ ‬ومجلساً‭ ‬محليا‭ ‬ونوابا‭ ‬بمجلس‭ ‬الشعب‭ ‬ومحافظاً،‭ ‬كي‭ ‬تستنكر‭ ‬الإساءة‭ ‬البالغة، ‬التي‭ ‬وجهها‭ ‬لهم‭- ‬لا‭ ‬نعرف‭ ‬لمن‭ ‬على‭ ‬وجه‭ ‬التحديد-، ‬فيلم‭ ‬‮«‬أبوالعربي‮»‬‭- ‬أحد‭ ‬أفلام‭ ‬موجة‭ ‬‮«‬العبط‮»‬-،‭ ‬الذي‭ ‬اتضح‭ ‬من‭ ‬أحداث‭ ‬بورسعيد‭ ‬وغيرها‭ ‬من‭ ‬الأحداث،‭ ‬أن‭ ‬‮«‬العبط‮»‬‭ ‬ليس‭ ‬سائداً‭ ‬فقط‭ ‬على‭ ‬مستوى‭ ‬السينما،‭ ‬وإنما‭ ‬على‭ ‬كافة‭ ‬المستويات‭.‬

ولم‭ ‬تهدأ‭ ‬حدة‭ ‬الانتفاضة،‭ ‬قبل‭ ‬أن‭ ‬يتخذ‭ ‬المحافظ‭ ‬قراره‭ ‬التاريخي،‭ ‬بوقف‭ ‬عرض‭ ‬الفيلم‭ ‬في‭ ‬المحافظة،‭ ‬بعدما‭ ‬تبين‭ ‬له‭ ‬مدى‭ ‬إساءته‭ ‬لأحد‭ ‬مقدسات‭ ‬المدينة‭ ‬التاريخية،‭ ‬متمثلة‭ ‬فى‭ ‬شخصية‭ ‬أبوالعربي‭!‬.

ومن‭ ‬الغرائب‭ ‬التي‭ ‬سيذكرها‭ ‬التاريخ‭ ‬أيضاً‭ ‬للسيد‭ ‬المحافظ،‭ ‬أنه‭ ‬قبل‭ ‬هذه‭ ‬الهوجة‭ ‬بساعات،‭ ‬كان‭ ‬قد‭ ‬أقام‭ ‬احتفالاً‭ ‬كبيراً‭ ‬للفيلم‭ ‬والعاملين‭ ‬فيه،‭ ‬بالغ‭ ‬خلاله‭ ‬بالاحتفاء‭ ‬بهم‭ ‬وسط‭ ‬حشد‭ ‬كبير‭ ‬من‭ ‬أبناء‭ ‬المدينة،‭ ‬نقلت‭ ‬وقائعه‭ ‬الصحف،‭ ‬بل‭ ‬ونشرت‭ ‬بعضها‭ ‬صوراً‭ ‬لكرنفال‭ ‬السيد‭ ‬المحافظ،‭ ‬وهو‭ ‬يتوسط‭ ‬بطل‭ ‬الفيلم‭ ‬ومخرجه على مائدة وليمة أعدها خصيصا، تقديرا للدور الهام، الذي‭ ‬لعبه‭ ‬الفيلم‭ ‬وبطله‭ ‬فى‭ ‬تمجيد‭ ‬الشعب‭ ‬البورسعيدى‭ ‬الأصيل‭!‬.

ولسنا‭ ‬في‭ ‬حاجة‭ ‬إلى‭ ‬بذل‭ ‬كثير‭ ‬من‭ ‬الجهد،‭ ‬في‭ ‬التعرف‭ ‬على‭ ‬أسباب‭ ‬تبدل‭ ‬الموقف،‭ ‬من‭ ‬الاحتفاء‭ ‬إلى‭ ‬الغضب،‭ ‬أو‭ ‬بمعنى‭ ‬أدق‭ ‬تصنع‭ ‬الغضب،‭ ‬ومن‭ ‬التكريم‭ ‬إلى‭ ‬التجريم‭. ‬إذ‭ ‬لابد‭ ‬أنها‭ ‬نفس‭ ‬الحكاية‭ ‬المتكررة‭ ‬القديمة،‭ ‬شخص‭ ‬ما‭ ‬يظهر،‭ ‬يطلق‭ ‬إشاعة‭ ‬أو‭ ‬رأياً‭ ‬ديماجوجياً‭ ‬أهوج،‭ ‬يزايد‭ ‬عليه‭ ‬الباقون‭ ‬واحداً‭ ‬تلو‭ ‬الآخر،‭ ‬سواء‭ ‬كانوا‭ ‬مسئولين‭ ‬أو‭ ‬غير‭ ‬مسئولين،‭ ‬من‭ ‬السلطة‭ ‬أو‭ ‬من‭ ‬المعارضة،‭ ‬من‭ ‬الصفوة‭ ‬أو‭ ‬من‭ ‬الرعاع،‭ ‬لتبدأ‭ ‬موجة‭ ‬الإقصاء‭ ‬أو‭ ‬التكفير‭ ‬أو‭ ‬التأثيم‭.‬

يفرغ‭ ‬الجميع‭ ‬شحنة‭ ‬الغضب،‭ ‬وسط‭ ‬ردود‭ ‬أفعال‭ ‬لا‭ ‬إرادية‭ ‬هستيريا،‭ ‬تتحرك‭ ‬الدولة‭ ‬أو‭ ‬من‭ ‬يمثلها‭ ‬في‭ ‬صرامة،‭ ‬وتتخذ‭ ‬قراراً‭ ‬حاسماً‭ ‬باتا‭ ‬بالمصادرة‭ ‬أو‭ ‬المنع،‭ ‬ظاهره‭ ‬الحفاظ‭ ‬على‭ ‬القيم‭ ‬والأخلاق‭ ‬والمبادئ،‭ ‬وباطنه‭ ‬الحفاظ‭ ‬على‭ ‬الأمن‭ ‬العام‭.‬\

تختلف‭ ‬الواقعة‭ ‬وتتكرر‭ ‬الحدوتة‭ ‬بكافة‭ ‬تفاصيلها،‭ ‬من‭ ‬رواية‭ ‬وليمة‭ ‬لأعشاب‭ ‬البحر،‭ ‬إلى‭ ‬رواية‭ ‬وفاء‭ ‬قسطنطين،‭ ‬وليس‭ ‬انتهاءً‭ ‬بموقعة‭ ‬أبوالعربى،‭ ‬ولا‭ ‬مانع‭ ‬من‭ ‬أن‭ ‬يتخلل‭ ‬ذلك‭ ‬بعض‭ ‬التنويعات‭ ‬على‭ ‬نفس‭ ‬المقام،‭ ‬كما‭ ‬حدث‭ ‬مع‭ ‬فيلمي ‬الأفوكاتو‭ ‬وبحب‭ ‬السيما‭.‬

والأمر‭ ‬المثير‭ ‬للغيظ،‭ ‬أن‭ ‬الدولة‭ ‬التى‭ ‬تجاري‭ ‬كل‭ ‬هذا‭ ‬العبط‭ ‬في‭ ‬مواقع‭ ‬فاصلة،‭ ‬يجدر‭ ‬بها‭ ‬فيها‭ ‬أن‭ ‬تظهر‭ ‬صلادتها‭ ‬وإرادتها‭ ‬ورغبتها‭ ‬في‭ ‬الإصلاح،‭ ‬والحفاظ‭ ‬على‭ ‬حق‭ ‬التعبير‭ ‬وإبداء‭ ‬الرأى‭ ‬الذي‭ ‬يكفله‭ ‬الدستور،‭ ‬هي‭ ‬نفسها‭ ‬التي‭ ‬تكشر‭ ‬عن‭ ‬أنيابها‭ ‬بلا‭ ‬داع‭ ‬في‭ ‬كثير‭ ‬من‭ ‬الأحيان،‭ ‬في‭ ‬مواجهة‭ ‬فرداً‭ ‬هنا‭ ‬أو‭ ‬هناك،‭ ‬تجاوز‭ ‬فى‭ ‬سقف‭ ‬طموحاته،‭ ‬أو‭ ‬هيئ‭ ‬لها‭ ‬أنه‭ ‬قد‭ ‬تجاوز،‭ ‬فتصادر‭ ‬عليه‭ ‬أو‭ ‬تصادره‭ ‬هو‭ ‬بأكمله،‭ ‬فتصنع‭ ‬منه‭ ‬بطلاً‭ ‬أو‭ ‬منافساً‭ ‬لها‭ ‬من‭ ‬ورق‭ ‬إن‭ ‬لم‭ ‬يكن‭ ‬من‭ ‬السراب.

‬ إنه‭ ‬حقاً‭ ‬عصر‭ ‬لعبط،‭ ‬أعتقد‭ ‬أننا‭ ‬لا‭ ‬نمتلك‭ ‬رفاهية‭ ‬الانيساق‭ ‬له‭ ‬وترسيخه،‭ ‬وإلا‭ ‬أصابنا‭ ‬الهطل،‭ ‬وهو‭ ‬حالة‭ ‬أخطر،‭ ‬تضعنا‭ ‬على‭ ‬أعتاب‭ ‬الجنون‭ ‬أو‭ ‬التخلف،‭ ‬وكلاهما‭ ‬يؤدى‭ ‬للاندثار،‭ ‬حتى‭ ‬ولو‭ ‬بقينا‭ ‬هائمين‭ ‬على‭ ‬وجه‭ ‬هذه‭ ‬الحياة‭.‬