ظاهرة‭ ‬‮«‬ملوخية‮»‬‭ ‬ومترو‭ ‬الأنفاق

ظاهرة‭ ‬‮«‬ملوخية‮»‬‭ ‬ومترو‭ ‬الأنفاق
حازم شريف

حازم شريف

7:29 ص, الأحد, 25 أبريل 04

ِفى‭ ‬الأسواق‭ ‬العالمية،‭ ‬يسعى‭ ‬المحللون‭ ‬ببنوك‭ ‬الاستثمار‭ ‬دائماً،‭ ‬للبحث‭ ‬عن‭ ‬قصص‭ ‬جديدة‭ ‬تصلح‭ ‬للبيع‭ ‬للمستثمرين،‭ ‬البعض‭ ‬يشبههم‭ ‬بالباحثين‭ ‬عن‭ ‬اللؤلؤ‭ ‬والأحجار‭ ‬الكريمة،‭ ‬وسط‭ ‬بحار‭ ‬ومحيطات‭ ‬الأسهم‭ ‬وقطاعات‭ ‬الاقتصادين‭ ‬القديم‭ ‬والجديد‭ ‬المختلفة‭.‬
قد‭ ‬يكون‭ ‬الصيد‭ ‬مجرد‭ ‬جوهرة‭ ‬ثمينة،‭ ‬كسهم‭ ‬شركة‭ ‬صغيرة،‭ ‬يكشف‭ ‬أحدهم‭ ‬أنه‭ ‬يتم‭ ‬تداوله‭ ‬بقيمة‭ ‬منخفضة‭ ‬فى‭ ‬حين‭ ‬تنتظره‭ ‬فرص‭ ‬واعدة‭ ‬للنمو،‭ ‬فينبه‭ ‬عملاءه‭ ‬إليه،‭ ‬فيسير‭ ‬على‭ ‬دربهم‭ ‬الكثيرون،‭ ‬ليحصدوا‭ ‬أرباحاً‭ ‬وفيرة‭ ‬فى‭ ‬حالة‭ ‬صدق‭ ‬التوقعات،‭ ‬وقد‭ ‬تكون‭ ‬الغنيمة‭ ‬ماسة‭ ‬ثمينة،‭ ‬تتمثل‭ ‬فى‭ ‬قطاعا‭ ‬بأكمله،‭ ‬يرى‭ ‬المحترفون‭ ‬أنه‭ ‬سيقود‭ ‬الاقتصاد‭ ‬فى‭ ‬الفترة‭ ‬القادمة،‭ ‬فيجرون‭ ‬وراءهم‭ ‬الجميع‭.‬
وفى‭ ‬جميع‭ ‬الأحوال،‭ ‬قد‭ ‬يخسر‭ ‬البعض‭ ‬ويكسب‭ ‬البعض،‭ ‬إلا‭ ‬أن‭ ‬عملية‭ ‬تحديد‭ ‬الاتجاهات‭ ‬وقيادة‭ ‬السوق، تظل‭ ‬دور‭ ‬ومسئولية‭ ‬كوادر‭ ‬ومؤسسات‭ ‬محترفة‭.‬
أما‭ ‬فى‭ ‬البورصة‭ ‬المصرية‭.. ‬فتكفى‭ ‬نظرة‭ ‬قصيرة‭ ‬على‭ ‬ما‭ ‬دار‭ ‬بها‭ ‬خلال‭ ‬الأسبوعين‭ ‬الماضيين،‭ ‬لنعى‭ ‬جيدا‭ ‬من‭ ‬يقود‭ ‬السوق‭ ‬وكيف‭ ‬وبأية‭ ‬وسيلة.

عدة‭ ‬أسهم‭ ‬انتابتها‭ ‬فجأة‭ ‬حمى‭ ‬الصعود،‭ ‬دون‭ ‬أية‭ ‬مقدمات‭ ‬أو‭ ‬أسباب‭ ‬منطقية، ‬التبريرات‭ ‬ظهرت‭ ‬وتوالت‭ ‬بل‭ ‬وتشابهت‭ ‬فقط‭ ‬عقب‭ ‬تولد‭ ‬الشرارة‭ ‬الأولى‭ ‬للانطلاق‭.‬
معلومات،‭ ‬وأقول‭ ‬معلومات،‭ ‬لأنك‭ ‬لا‭ ‬تستطيع‭ ‬أن‭ ‬تقنع‭ ‬أحداً‭- ‬سوى‭ ‬نفسك‭ ‬بالطبع‭- ‬بانها‭ ‬مجرد‭ ‬شائعات،‭ ‬تتحدث‭ ‬فى‭ ‬أغلب‭ ‬الحالات‭ ‬عن‭ ‬عروض‭ ‬شراء‭ ‬لشركات‭ ‬بعينها‭.‬
وككرة‭ ‬الثلج،‭ ‬تتضخم‭ ‬الشائعة‭ ‬بمرور‭ ‬الوقت،‭ ‬حتى‭ ‬تصبح‭ ‬قصة‭ ‬كاملة‭ ‬الأركان‭ ‬متعددة‭ ‬التفاصيل، ‬فيصير‭ ‬للعرض‭ ‬الوهمى‭ ‬جهة‭ ‬تقدمت‭ ‬به،‭ ‬وسعر‭ ‬معين‭ ‬للاستحواذ‭ ‬على‭ ‬حصة‭ ‬محددة،‭ ‬وتفاصيل‭ ‬مفاوضات،‭ ‬بل‭ ‬وعراقيل‭ ‬يجتازها‭ ‬المفاوضون،‭ ‬وأخد‭ ‬ورد،‭ ‬و‭… ‬وبينما‭ ‬يتشكل‭ ‬جسد‭ ‬ورأس‭ ‬وأطراف‭ ‬الشائعة،‭ ‬يأخذ‭ ‬سعر‭ ‬السهم‭ ‬فى‭ ‬الارتفاع‭ ‬الجنوني، ‬وتعجز‭ ‬أى‭ ‬محاولة‭ ‬عاقلة‭ ‬لتفنيد‭ ‬الشائعة‭ ‬عن‭ ‬إقناع‭ ‬حشود‭ ‬المستثمرين‭ ‬الطامعة‭ ‬المتطلعة،‭ ‬لاستغلال‭ ‬الفرصة‭ ‬وتحقيق‭ ‬المكاسب‭.‬
وتتكرر‭ ‬المأساة،‭ ‬حفنة‭ ‬صغيرة‭ ‬من‭ ‬المغامرين،‭ ‬تنجح‭ ‬فى‭ ‬خلق‭ ‬شائعة‭ ‬وتحقيق‭ ‬مكاسب‭ ‬رأسمالية‭ ‬مرتفعة‭ ‬على‭ ‬حساب‭ ‬غالبية‭ ‬من‭ ‬المستثمرين‭ ‬الطيبين‭- ‬لن‭ ‬نقول‭ ‬السذج‭ ‬تأدباً‭- ‬ومع‭ ‬ذلك،‭ ‬ورغم‭ ‬التكرار‭ ‬الممل‭ ‬للمأساة،‭ ‬فإنها‭ ‬تعود‭ ‬لتنتج‭ ‬من‭ ‬جديد،‭ ‬فيحاول‭ ‬الجميع‭ ‬استغلالها،‭ ‬ويظن‭ ‬كل‭ ‬منهم‭ ‬انه‭ ‬أذكى‭ ‬من‭ ‬الاخرين‭.. ‬والأقدر‭ ‬على‭ ‬الفوز‭ ‬عندما‭ ‬تنزل‭ ‬كلمة‭ ‬النهاية‭ ‬مع‭ ‬تحول‭ ‬السعر‭ ‬إلى‭ ‬الهبوط‭ ‬السريع‭.‬
إن‭ ‬ما‭ ‬حدث‭ ‬خلال‭ ‬الأسبوعين‭ ‬الماضيين‭ ‬ليس‭ ‬جديداً،‭ ‬وإنما‭ ‬يمثل‭ ‬نمطاً‭ ‬يعاد‭ ‬إنتاجه‭ ‬بغزارة‭ ‬بالبورصة‭ ‬المصرية،‭ ‬منذ‭ ‬عودتها‭ ‬للنشاط‭ ‬فى‭ ‬أوائل‭ ‬التسعينيات،‭ ‬تختلف‭ ‬درجة‭ ‬تواتره‭ ‬باختلاف‭ ‬الظروف‭ ‬والسياق،‭ ‬فنلاحظ‭ ‬تصاعده‭ ‬مع‭ ‬ندرة‭ ‬البضاعة‭ ‬الجيدة‭ ‬والفرص‭ ‬الحقيقية‭ ‬للاستثمار،‭ ‬وتتراجع‭ ‬وتيرته‭ ‬ويكاد‭ ‬يتلاشى‭ ‬تقريباً‭ ‬مع‭ ‬وفرة‭ ‬ما‭ ‬يعتقد‭ ‬المستثمرون‭ ‬أنه‭ ‬أوراق‭ ‬مالية‭ ‬جديرة‭ ‬بالاهتمام،‭ ‬أو‭ ‬ظروف‭ ‬اقتصادية‭ ‬تشجع‭ ‬على‭ ‬الاستثمار‭.‬
وما‭ ‬أحمد‭ ‬‮«‬ملوخية‮»‬‭ ‬ذلك‭ ‬الرجل‭ ‬الذى‭ ‬أقدم‭ ‬فى‭ ‬جرأة‭ ‬غريبة‭ ‬قبل‭ ‬عدة‭ ‬أشهر‭ ‬على‭ ‬تقديم‭ ‬عرض‭ ‬وهمى‭ ‬باسم‭ ‬شركة‭ ‬سعودية‭ ‬لشراء‭ ‬شركة‭ ‬مصر‭ ‬بنى‭ ‬سويف‭ ‬للأسمت،‭ ‬سوى‭ ‬مجرد‭ ‬نموذج‭ ‬صارخ‭ ‬لسلوك‭ ‬مستثمرين‭ ‬بل‭ ‬وسماسرة،‭ ‬اعتادوا‭ ‬أن‭ ‬يجنوا‭ ‬أرباحاً‭ ‬واسعة‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬مهارتهم‭ ‬فى‭ ‬ترويج‭ ‬الشائعات،‭ ‬لدرجة‭ ‬تدفع‭ ‬السوق‭ ‬بأكمله‭ ‬إلى‭ ‬مجاراتهم‭ ‬فى‭ ‬رفع‭ ‬سعر‭ ‬هذا‭ ‬السهم‭ ‬أو‭ ‬ذاك‭.‬
ولست‭ ‬من‭ ‬الساعين‭- ‬كالأغلبية‭- ‬إلى‭ ‬تبرئة‭ ‬ساحة‭ ‬الجميع،‭ ‬وحصر‭ ‬الذنب‭ ‬والمسئولية،‭ ‬فيما‭ ‬تقترفه‭ ‬حفنة‭ ‬مغرضة‭ ‬موتورة‭ ‬شريرة‭ ‬مأجورة‭ ‬إلى‭ ‬اخره‭ ‬من‭ ‬الصفات،‭ ‬ببساطة‭ ‬لأن‭ ‬مثل‭ ‬هذه‭ ‬المساعى‭ ‬الدبلوماسية،‭ ‬لا‭ ‬تصل‭ ‬بنا‭ ‬إلى‭ ‬توصيف‭ ‬حقيقى‭ ‬للمشكلة،‭ ‬ومن‭ ‬ثم‭ ‬تمنعنا‭ ‬من‭ ‬طرح‭ ‬حلول‭ ‬منطقية‭ ‬لظاهرة‭ ‬ملوخية‭ ‬وأعوانه،‭ ‬وهم‭ ‬كثيرون‭.‬
ولسوء‭ ‬الحظ،‭ ‬إن‭ ‬الاشكالية‭ ‬الحقيقية‭ ‬تتمثل‭ ‬فى‭ ‬أن‭ ‬الممارسات،‭ ‬التى‭ ‬شهدتها‭ ‬البورصة‭ ‬خلال‭ ‬السنوات‭ ‬الماضية،‭ ‬قد‭ ‬رسخت‭ ‬فى‭ ‬الأذهان‭ ‬منطق‭ ‬‮«‬ملوخية‮»‬‭- ‬إن‭ ‬جاز‭ ‬التعبير‭- ‬بل‭ ‬وجعلته‭ ‬بدرجاته‭ ‬المختلفة‭ ‬فى‭ ‬حكم‭ ‬العرف‭ ‬المشروع،‭ ‬لدى‭ ‬العديد‭ ‬من‭ ‬المتعاملين‭ ‬فى‭ ‬السوق‭.‬
وكما‭ ‬نعلم،‭ ‬فإن‭ ‬دور‭ ‬الأجهزة‭ ‬الرقابية‭ ‬فى‭ ‬هذه‭ ‬الحالة،‭ ‬التى‭ ‬يصل‭ ‬فيها‭ ‬احترام‭ ‬القوانين‭ ‬والنظم‭ ‬والتشريعات‭ ‬إلى‭ ‬حده‭ ‬الأدنى‭- ‬بالمناسبة‭ ‬هى‭ ‬حالة‭ ‬لا‭ ‬تقتصر‭ ‬فى‭ ‬واقعنا‭ ‬على‭ ‬البورصة‭- ‬يكاد‭ ‬يكون‭ ‬محدودا،‭ ‬لا‭ ‬لتقصير‭ ‬منها‭ ‬وهو‭ ‬أمر‭ ‬جائز،‭ ‬وانما‭ ‬لأسباب‭ ‬تتعلق‭ ‬بسيادة‭ ‬نمط‭ ‬ثقافى‭ ‬معرفى‭ ‬معادى‭ ‬للحدود،‭ ‬التى‭ ‬تضعها‭ ‬تلك‭ ‬القوانين،‭ ‬ويكاد‭ ‬يعتبرها‭ ‬قيدا‭ ‬غير‭ ‬مبرر‭ ‬ولا‭ ‬‮«‬مشروع‮»‬‭ ‬عبر‭ ‬إطلاق‭ ‬شائعات‭ ‬كاذبة،‭ ‬يعتبرها‭ ‬أصحابها‭ ‬‮«‬شطارة‮»،‬‭ ‬لا‭ ‬يقوى‭ ‬عليها‭ ‬سوى‭ ‬أمثالهم‭ ‬من‭ ‬ذوى‭ ‬المهارات‭ ‬الخاصة‭ ‬والذكاء‭ ‬الحاد‭!‬
إلا‭ ‬أن‭ ‬التوصيف‭ ‬السابق‭ ‬يدفع‭ ‬بنا‭- ‬رغما‭ ‬عن‭ ‬نوايانا‭ ‬الطيبة‭ ‬وإرادتنا‭- ‬إلى‭ ‬نقطة‭ ‬اللاحل،‭ ‬إذ‭ ‬أن‭ ‬الثقافة‭ ‬السائدة‭ ‬بين‭ ‬المتعاملين‭ ‬فى‭ ‬البورصة،‭ ‬هى‭ ‬فى‭ ‬نهاية‭ ‬الأمر،‭ ‬امتداد‭ ‬لتلك‭ ‬السائدة‭ ‬فى‭ ‬المجتمع،‭ ‬وهى‭ ‬ثقافة‭ ‬قد‭ ‬يحتاج‭ ‬تغييرها‭ ‬والتأثير‭ ‬والتبديل‭ ‬والتعديل‭ ‬فيها‭ ‬إلى‭ ‬أكثر‭ ‬من‭ ‬جيل‭.‬
إلا‭ ‬أننا‭ ‬وربما‭ ‬من‭ ‬أجل‭ ‬ذر‭ ‬بعض‭ ‬الرماد‭ ‬فى‭ ‬العيون،‭ ‬وحتى‭ ‬لا‭ ‬يتهمنا بالعجز‭ ‬أحد،‭ ‬ممن‭ ‬دأبوا‭ ‬على‭ ‬طرح‭ ‬الحلول‭ ‬لكافة‭ ‬المشكلات‭ ‬ليل‭ ‬نهار،‭ ‬دون‭ ‬أن‭ ‬يتغير‭ ‬شيء‭ ‬إلى‭ ‬الأفضل‭ ‬فى‭ ‬الواقع‭.. ‬فإننا‭ ‬نطرح‭ ‬بعض‭ ‬الحلول‭ ‬متوسطة‭ ‬المدي،‭ ‬يمكن‭ ‬أن‭ ‬يكتب‭ ‬لها‭ ‬بعض‭ ‬النجاح‭ ‬قياسا‭ ‬على‭ ‬تجارب‭ ‬مشابهة‭ ‬فى‭ ‬نفس‭ ‬المجتمع،‭ ‬كالتجربة‭ ‬الناجحة‭ ‬لإدارة‭ ‬مترو‭ ‬الأنفاق‭ ‬فى‭ ‬تغيير‭ ‬سلوك‭ ‬المواطنين‭ ‬كلياً‭ ‬تحت‭ ‬الأرض‭ ‬وليس‭ ‬فوقها‭.‬
وهذا‭ ‬لن‭ ‬يتأتى‭ ‬فى‭ ‬البورصة‭ ‬سوى‭ ‬بأداتين‭ ‬رئيسيتين،‭ ‬أولاهما‭ ‬حملات‭ ‬التوعية،‭ ‬وهى‭ ‬مسئولية‭ ‬جميع‭ ‬العناصر‭ ‬المشكلة‭ ‬لنظام‭ ‬سوق‭ ‬رأس‭ ‬المال،‭ ‬وتتمثل‭ ‬فى‭ ‬جمعيات‭ ‬العاملين‭ ‬فى‭ ‬الأوراق‭ ‬المالية‭ ‬والجهات‭ ‬التنظيمية‭ ‬والرقابية،‭ ‬وثانيتهما‭ ‬تطبيقاً‭ ‬أشد‭ ‬صرامة‭ ‬للقوانين‭ ‬ومواثيق‭ ‬الشرف‭ ‬المهنية،‭ ‬بما‭ ‬يضمن‭ ‬ارتداع‭ ‬البعض،‭ ‬على‭ ‬وعسى‭ ‬أن‭ ‬تتحول‭ ‬البورصة‭ ‬إلى‭ ‬مترو‭ ‬آخر‭ ‬للأنفاق‭!‬