الحديث مبكر جدًا للحديث التحليلى أو النقدى عن بزوغ أو توجهات «إمارة أفغانستان الإسلامية» السنية، ودورها الجيوسياسى فى النظام العالمى الجديد ما بعد كورونا 2020! فتأثير موقع أفغانستان على السياسة الدولية، فى وجودها بين جيرانها (إيران الشيعية/باكستان الداعمة/الهند/الصين/روسيا وروافدها)، يجعلنا نستحضر عفو الخاطر، تأسيس دولة إسرائيل بين جيرانها العرب، بوعد! وما أثمره وجودها (المرتبط بالتعصب الدينى والسلاح)، باستفادة السياسة الأمريكية والبريطانية من توظيف موقعها الجيوسياسى طوال 73 سنة بالمنطقة، وفقًا لمنظور مستقبلى تحقق ويتحقق فى عقود، شبت فيها إسرائيل كدولة عن الطوق، وعادت باليهود لتحكم الكواليس الأمريكية، وتشارك بريطانيا لمصالحها الخاصة.
عفو الخاطر، استحضر وعد بلفور وزرع إنجلترا لإسرائيل بالمنطقة (وقبلها عُرفت بالعصابات الصهيونية)، كدولة دينية تدافع عن وجودها داخل فلسطين بهجرة اليهود والمستوطنات وقوة السلاح، وخارج فلسطين بحروب مع مصر وسوريا، واختراقات عربية متنوعة ومتعددة، ولا شك فى أن وعد بلفور استحدث وقتها قوة جيوسياسية طويلة الأجل، لمصلحة بريطانيا ووريثتها أمريكا، لقيادة وإدارة المنطقة بالأزمات عن بُعد.
عفو الخاطر تجدد مع اتفاق السلام بين طالبان وإدارة ترامب 2020 بسحب القوات الأمريكية من أفغانستان، وما أعلنه الرئيس الأمريكى بايدن بإتمام الانسحاب فى 11 سبتمبر 2021، ليتم تسليم أفغانستان لجماعة طالبان (تسليم أهالي) وإعلان «إمارة أفغانستان الإسلامية» السنية!
انسحبت أمريكا تاركة أسلحة وذخائر ومعدات تذّخر جيشًا كاملًا، وقع تحت يد طالبان، لتكون اول (إمارة إسلامية) مسلحة، يعتمد نظام حكمها فى تمويله على تصدير الهيروين والأفيون والحشيش، مع تجارة السلاح والتعدين.
الخاطر لم يهدأ، باستحضار فكرتى إسرائيل فى قلب العرب 1948، وطالبان فى قلب آسيا 2021! الأولى من بريطانيا والثانية من أمريكا! الأولى يقننها وعد بلفور بتجميع العصابات اليهودية فى وثيقة تأسيس إسرائيل بـ(إقامة دولة يهودية فى فلسطين) والثانية يقننها سلام ترامب وبايدن بتسليم منظمة إرهابية إسلامية لدولة كاملة لإقامة (إمارة إسلامية فى أفغانستان)! الأولى خلال 73 سنة فرض وجودها الجيوسياسي، خلق (قضية) وجود فلسطين داخل قلب كل عربي، خلقًا بكل رموزه وحروبه وتضحياته وثرواته وثقافته وفنونه، بما حملت معه السياسة العربية على كاهلها عقودًا من الوجع والنزيف المالى والمواقف السياسية، التى وظفتها واستفادت منها السياسة الأمريكية والإنجليزية بصور مختلفة.
فهل درس إسرائيل السبعينى فى خاصرة العرب، يقول إن التاريخ سيعيد نفسه فى منطقة أخرى، سترسم أحداث باقى القرن؟ تعانى أمريكا وإنجلترا من شركة هواوى والتجارة الصينية وطريق الحرير الجديد لغزوها للأسواق العالمية والأوروبية خصوصًا، كذلك فالدب الروسى غير مريح لهما أيضًا، فهل يكون بتسليم أفغانستان لحركة طالبان، استحداث لنموذج إسرائيل الآسيوية مع اختلاف فى التطبيق، ووحدة فى الجوهر؟
تهدف طالبان إلى فرض تفسيرها للشريعة الإسلامية على البلاد، وإزالة أى تأثير أجنبي، ولها مواقف معروفة من المرأة والثقافة والفن والتعليم والآثار، كما أن قسوة جبلتهم ومعاملتهم كمنظمة إرهابية وتداولهم ثقافة السلاح والتغيير بالقوة، جعلهم مادة خصبة جدًا لرؤية أمريكا وإنجلترا، لنخز التنين الصينى والدب الروسي! لا ولن تصمد طالبان الرسمية أمام القوتين، ولكنها ستكون شوكة مدعومة بمقبض خبير! فهل ستشهد الـ80 سنة القادمة إعادة صياغة لتركيبات جيوسياسية فى وسط آسيا تحت اسم (الإسلام)، وهو منها براء؟
المشكلة الأكبر، أن «إمارة أفغانستان الإسلامية» قد تكون أول دولة إرهابية فعلًا، ممول مؤسسيها ونظامها الحاكم من المخدرات! وبالتالى لو تدّول الإرهاب، فسيمكن تبييضه سياسيًا وتغيير سمته، مع بقاء جوهره! الأكثر من ذلك أنها ستكون جنة الإرهاب فى الأرض، ومركزًا دوليًا لتجمعهم وتدريبهم وتصديرهم بصفة رسمية حكومية! لا أعرض هنا أو أناقش واقعًا حتميًا، ولكن صورة افتراضية من خلال استقراء التاريخ! التاريخ لا يُعيد نفسه، وإلا كانت مهزلة، ولكن منظومة الإفساد الدولى لا تقتصر على الاستحداث، ودومًا تلجأ لإنتاج هجين أو مطور، تختفى هويته أو تعز عن الملاحظة.
الجدير بالتفكر أن كلتا الدولتين، مصنوعة بوعد واتفاق، وآثار الأولى تخطت حدودها لتشمل العالم، والثانية حديثة الولادة لن تعيد اختراع العجلة!
كمعنى وهوية وواقع، فطالبان كفيروس كورونا المستجد (المُصنع معمليًا أيضًا)، والذى نجح فى إبادة ملايين وتغيير نظم وسياسات ومناهج وطرق حياة، واستحداث ثروات وفناء أخرى إلخ! فإذا كان كورونا موجود بمعامل مدينة ووهان الصينية، وتم تطويره وحور نفسه لينقلب لسلاح إبادة، فجماعة طالبان عُرفت كمنظمة إرهابية، واستجدت الآن كإمارة إسلامية، قد تطمح لمد جذورها، أو نشر رسالتها، أو نخز جيرانها، أو الاستفادة منهم إلخ، الفكرة ان نتائج قمة السبعة الكبار بقيادة أمريكا وإنجلترا، أعلنت موقفها بعقوبات للصين وتحذيرات لروسيا، كتمهيد لاستحداث بديل لطريق الحرير، وهل أفضل من الفوضى الخلاقة بربيع آسيوي، تخطى الحراك الشعبى لتسليم دولة بالكامل؟
إذا كان كورونا المستجد استهدف البشر، ونجح فى خلق إعادة ترسيم للعلاقات الدولية بصورة معينة، فطالبان المستجدة مهيأة ومُصممة لاستهداف الدول! وبعد دخولها النادى الدولي، لن تقف مكتوفة الأيدي، أو منبوذة، أو مستهجنة، وستجد من يدعمها ويعلن استعداده لمقابلة أميرها مثل تركيا! الرهان لن يكون فى مصلحة الشخصية الأفغانية مهما عظمت، أمام الشخصية اليهودية، فالأخيرة أحفاد السامرى ملوك الإعلام والتجارة والطب والفن والثقافة والمال، المنسوجون فى الوعى الجمعى العالمي، فى حين ارتبطت طالبان بعداء ولفظ ورفض كل ما أبدعوا فيه.. بمسمى الإسلام!
وهنا عبقرية دعم طالبان باتفاق القرن 21، لاستنفار الشيوعية الصينية والشيعة الإيرانية وهندوس الهند ومنهجيات روسيا.. ضد الإسلام السني! ليزيد تقارب الجيران مع الشوكة الصديقة أمام المدد الجديد!
#طالبان_المستجدة_كورونا_الدول، والتاريخ يكرر نفسه!
* محامى وكاتب مصرى
bakriway@gmail.com