بثياب محلية بسيطة، تكافح الصومالية فرحية (30 عاما) لإطعام ابنها النحيف بعدما نزحت مثل نحو 150 ألفا استقروا بمخيم فى صحراء بيدوا، جنوب وسط بلادها إحدى دول «الكوميسا» الـ21 بشرق وجنوب إفريقيا، وذلك ضمن نحو مليون فروا من جفاف ناجم عن عدم هطول الأمطار لخمسة مواسم متتالية.
ولا تشير بساطة خيمة الصومالية «فرحية» وفق صورة للقاء مع المنظمة الدولية للهجرة فى 7 نوفمبر 2022 أنها ستلحق بركب «الرقمنة» أو التنمية على الفور، رغم حصد بلادها قبيل أشهر إعلانا من البنك الإفريقى للتنمية، عن منحة لها بقيمة 5.4 مليون دولار لدعم «الأمن الغذائي».
لكنّ «فرحية» وبلدها المهددتين وفق توقعات لمفوضية اللاجئين أواخر 2022 باحتمال مواجهة 7 ملايين صومالى أزمة غذائية فى 2023، لهما خيارات الاندماج مع خطط «التكامل الإقليمي» الذى تواصل «الكوميسا» تطبيقها والمهتمة بـ«الأمن الغذائي» باعتباره «ضرورة ملحة» وفق ما ذكره اجتماع وزارى لدولها الـ21 عقد أواخر العام الحالى برئاسة مصر رئيسة الدورة الحالية.
وبسباق هذا التكامل أمام تحديات عالمية كتطرف المناخ وتداعيات حرب روسيا وأوكرانيا المندلعة منذ فبراير2022، سيكون «الأمن الغذائي» «حصانا رابحا»، فى خطط «الكوميسا» باعتباره يمثل احتياجا مشتركا وأولوية، بحسب مصادر مصرية إفريقية دولية تحدثت إليها «المال».
ويضاف لهذا الملف الحرج، تقدم مبادرات منها «صنع فى الكوميسا» وملف «الرقمنة» «خطوات للأمام»، وفق المصادر ذاتها التى تمنى أحدها «ألا تصفق القاهرة وحدها وأن يكون هناك تعاونا أقوى بين دول التجمع ذات الثقل بإفريقيا».
الكوميسا و«خطة طموحة» للتكامل الإقليمى
وهذا الثقل تسعى «الكوميسا» منذ النشأة فى ديسمبر 1994، لترجمته خلال استراتيجية تلخصها عبارة «تحقيق الازدهار الاقتصادى من خلال التكامل الإقليمي»، عبر دولها الأعضاء الـ21: «مصر، وإريتريا، وإثيوبيا، وكينيا، ومدغشقر، وملاوي، وبوروندي، وجزر القمر، وجيبوتي، وموريشيوس، ورواندا، وسيشل، والسودان، وإسواتيني، وأوغندا، وزامبيا، وليبيا، والصومال، وزيمبابوي، والكونغو الديمقراطية وتونس»،
وسكان تلك الدول الذين يتجاوزون 583 مليونا ومواردها يمثلون «وضعا جيدا» للكوميسا فى طريق ذلك التكامل، وفق ما تذكره خطتها الاستراتيجية «2021: 2025»، التى حصلت على نصها «المال».
وهذا التكامل الذى تتمسك الخطة بتحقيقه رغم تحديات «التمويل وتضاؤل الموارد المالية»، ويعنى بـ«التعاون فى دمج الأسواق، وترابط البنيات التحتية، والإنتاج، والتمويل، والتنمية، والسماح بحرية تنقل الأفراد وتمكين المرأة والشباب».
وبعض محاولات العبور لهذا التكامل كانت ملموسة بنتائج استراتيجية الكوميسا (2016 : 2020)، عبر «تقدم ملحوظ فى تيسير التجارة وإضفاء الصبغة الرقمية، وتطوير مشروعات الصناعات الصغيرة والمتوسطة، وتعزيز قدرة الأعضاء فى مسائل متعلقة بالكهرباء والطاقة، وفرص الوصول للخدمات»، رغم ما لاقته من «عدم كفاية الموارد المحلية لتمويل برامج والتأخير فى تنفيذ قرارات، وانخفاض التوعية».
«طموح» فى استراتيجية الكوميسا 2021 : 2025
لذا الخطة الجديدة «2021: 2025» وفق نصها الذى حصلت عليه «المال»، يركز تكاملها الإقليمي على أهداف بينها: تعزيز تكامل الأسواق، وجذب الاستثمارات، وتقوية تطوير البنية التحتية، وتعزيز المساواة، والتصنيع.
وبعض تلك الأهداف، كانت حاضرة فى كلمة الرئيس المصري، عبد الفتاح السيسى خلال تسلم رئاسة مصر الدورة الحالية لدول التجمع فى نوفمبر 2021، عبر التكامل الصناعي، من خلال مبادرة «صنع فى الكوميسا»، ومشاريع التكامل الصحى والتجاري، وقطاعات البنية التحتية، لاسيما بالنقل والطاقة والاتصالات وتكنولوجيا المعلومات وتحفيز مؤسسات التمويل نحو الفرص الاستثمارية بالإقليم.
وترجم بعض من ذلك مع إعلان وزارة التجارة والصناعة المصرية، فى أبريل 2022، باعتماد دول التجمع لمبادرة «صنع فى الكوميسا» للتنفيذ، وهى مبادرة تتضمن 7 محور أساسية أبرزها «تكامل سلاسل القيمة الإقليمية، وإدراج الشمول المالي، وتنمية التجارة البينية الأفريقية، وزيادة الاستثمار الصناعي، التحول الرقمي».
معدلات تتأثر بتحديات
وبلغة الأرقام، «فالعام الماضي، سجل إجمالى التبادل التجارى بين مصر ودول الكوميسا 4.2 مليار دولار وبين دول التجمع 13 مليار دولار”، وفق حديث وزير التجارة المصري، أحمد سمير، باجتماع وزارى لدول التجمع بزامبيا مطلع ديسمبر 2022.
ورأى سمير، أن تلك الأرقام «تأثرت» بفعل تحديات كورونا والأزمة الروسية الأوكرانية لكن يتمسك بوجود فرص لتعزيز التكامل، داعيا لمشاركة مصر فى تطبيق مبادرة «صنع فى الكوميسا» وإزالة القيود الجمركية وتنمية الاستثمارات فى قطاعات الاتصالات والنقل والطاقة والمواصلات.
وحديث سمير عن تأثر الأرقام بالجائحة، متفق مع ما تشير إليه إحصائيات الكوميسا فى 2021، من أن «إجمالى قيمة صادراتها البينية تدنت بنسبة %11 وذلك من 10.9 بليون دولار فى 2019، إلى 9.7 بليون دولار فى 2020، وانخفض إجمالى صادراتها إلى العالم بنسبة 27% من 123.4 بليون دولار فى 2019، إلى 90.3 بليون دولار فى 2020».
دول «الكوميسا» الأخرى حريصة بقوة على التكامل الإقليمي، فالرئيس البوروندى «إيفاريست ندايشيمي»، جدد فى مايو 2022، دعمه لأجندة التكامل، ومواصلة تعميق التجارة بين الدول الأعضاء.
زامبيا أيضا، وفق تصريحات وزيرها المعنى بحقيبة التجارة، جيبوكا مولينجا، شددت باجتماع للكوميسا فى 30 نوفمبر 2022على أهمية الاهتمام بالأمن الغذائى والتعاون لمواجهة التحديات وعدم التخلف عن التحول الرقمي، مشيدة بالمبادرات التى تمت فى هذا السياق.
«رجال الأعمال المصريين الأفارقة»: التكامل الإقليمي ضرورة ملحة
فى استشراف لتلك الخطط والرؤى، قال د.يسرى الشرقاوي، رئيس جمعية «رجال الأعمال المصريين الأفارقة» فى حديث لـ«المال» إنه «متفق مع التكامل الإقليمي للكوميسا وعملية تكامل الأمن الغذائى والتكامل الصحى وتكامل المواد الخام”.
وأضاف: «مبادرة صنع فى الكوميسا مطلوبة ولابد من التعاون الكامل والجاد لإنجاحها مثلها مثل صنع فى إفريقيا، فأنا أحلم بسيارة مصنعة إفريقيا بالكامل، والإطارات قادمة من جنوب إفريقيا، والصاج من زامبيا ووسط إفريقيا، والمهندسون من مصر والتسويق والتجميع فى المغرب».
ويرى الشرقاوى أن التكامل الإقليمي، للكوميسا بات «ضرورة حتمية وليس خيارا» ويحتاج لاستغلال التحول الرقمى الحالى بإفريقيا ومزيد من تعلم آليات التواصل عبر اللغتين الإنجليزية والفرنسية، فى ظل «تحديات حديثة كالجائحة وحرب أوكرانيا، وتغيرات المناخ وأخرى تقليدية كتكلفة النقل والاستثمار فى البنية التحتية والأمن والسلم».
وحث الشرقاوي، على «المزيد من الإصلاحات الداخلية والبنية التحتية والعمالة المدربة وتوحيد المعايير الجمركية وتأشيرات الدخول، والإعلام القادر على إعادة التعريف بمنتجات إفريقيا وتوفير البنية التحتية المصرفية ودعم المشروعات الصغيرة والمتوسطة وتوسيع الشراكات مع الحكومات لتحقيق نتائج».
ومستشرفا المستقبل، قال رئيس جمعية «رجال الأعمال المصريين الأفارقة»: «بين دول الكوميسا التى عادة ما تعرف بسياسية النيران والأمر الواقع والعمل تحت ضغط، ستكون الأولوية للأمن الغذائى على مائدة التنفيذ والمفاوضات والحصان الرابح فى هذا التكامل باعتباره ضرورة ملحة واحتياجا مشتركا».
وأضاف أن «مصرتقوم بدور كبير فى رئاسة الكوميسا، ولا تألوا جهدا ولن تتخلى عن إفريقيا والرئيس عبد الفتاح السيسى أنجز ما لم يكن متوقعا لريادة إفريقيا ولكنها لن تستطيع أن تصفق وحدها ولابد مزيد من التعاون من باقى دول التجمع الـ 21».
مسؤولة بالبنك الدولي: مستقبل التكامل الإقليمي «واعد»
بدورها، قالت د. بثينة القرمازي، مدير التكامل الإقليمي لإفريقيا والشرق الأوسط بالبنك الدولي، لـ«المال»، أن «الكوميسا حليف تستهدف التكامل الإقليمي الاقتصادى بين أعضائها، وتسعى لتمتعهم بمستوى معيشى جيد بطريقة تدريجية ومستدامة».
وأضافت القرمازي، أن «سياسيات واستراتيجات الكوميسا تسهل ذلك (..) وتكاملها الإقليمي عملية تراكمية وليس حدثا ويحتاج توافقا فى الآراء وتنسيق جهود وسيستغرق وقتا لكنها حاليا تحرز تقدما ثابتا وهاما نحو ذلك».
وأكدت المسؤولة الدولية أن ذلك «سيتطلب أيضا تنسيق الجهود والاستفادة من الموارد والعمالة والتوازن بين العرض والطلب على المستوى الإقليمي، وقيام الأسواق على أسس بينها تحسين البنية التحتية والتجارة والسياسات والإجراءات الإقليمية الشاملة واعتماد المنصات الرقمية».
وأوضحت أن مبادرة «صنع فى الكوميسا»، «هدف طموح فى متناول الدول الأعضاء ويتوافق مع الهدف الأسمى المتمثل فى صنع فى إفريقيا ويمكن أن تحقيقه مع مشروعات تسعى الكوميسا لتنفيذها بمساعدة شركائها الإقليميين فى التنمية».
وتستشرف المسؤولة الدولية المستقبل، قائلة: «من خلال رؤية قيادة الكوميسا والدول الأعضاء فيها، فإن مستقبل التكامل الإقليمي لها ليس مشرقًا فحسب بل واعدًا وبات ممكنها من خلال مبادراتها، وهى أكبر منظمة اقتصادية إقليمية واتفاقية تجارية فى إفريقيا، وتؤثر بشكل رئيسى على 21 دولة ».
ويساند البنك الدولي، «الكوميسا»، وفق بثينة القرمازي، عبر تطوير روابط الطاقة وتسهيل التجارة وتمويل البنية التحتية فى ثلاثة مشاريع استثمارية ملموسة»، بإجمالى دعم يقدر حاليا بـ 440 مليون دولار ، مع العديد من العمليات الأخرى قيد الإعداد، بما فى ذلك المشاريع المستقبلية حول التنمية الرقمية.
تحديات فى باطنها فرص
بدوره، قال السفير نادر فتح العليم، كبير السياسيين بالوفد الدائم للاتحاد الإفريقى لدى الجامعة العربية، لـ«المال» إن «دول الكوميسا تحتاج فى ظل التحديات لهذا التكامل الإقليمي بشكل كبير».
وأكد العليم وهو سودانى بارز طرح اسمه ببورصة رئاسة وزراء السودان مؤخرا، أن بلاده «من الدول الزراعية الكبرى ويمكن أن توفر الغذاء بشكل كبير للقارة فى ظل تداعيات حرب روسيا وأوكرانيا، فضلا على أن موقعها الجيو سياسى يمكن أن يكون رابطا جيدا بين دول الكوميسا ويصبح له دورا فاعلا فيما يخص التجارة البينية بينهم».
مسؤول بالاتحاد الإفريقي: الرقمنة تتقدم وقادرة على دعم الكوميسا
ولفت إلى أن «مبادرة صنع فى الكوميسا اعتمدت على تطوير الواقع بشكل أكبر ويمكن أن تكون خطة قوية لدول التجمع، والمشاريع الرقمية أحرزت تقدما ويمكن أن توصل الكوميسا لمصاف مرتفعة فى التكامل الإقليمي مع مشاريع البنية التحتية وغيرها».
واستدرك «لكن قضايا الأمن الغذائى ستكون أولوية وستخطو معها الرقمنة والتكامل الصناعى خطوات للأمام، بما يصب فى خلق سوق مشتركة قوية داخل القارة»، متوقعا أن تكون التحديات «سببا لتسريع التكامل داخل الكوميسا».