◗❙ إعادة التفكير فى شرائح العملاء يزيد من الإيرادات
◗❙ التضخم ونفقات الاستدامة أبرز التحديات التى تواجه الأسواق
◗❙ضرورة تطوير استراتيجيات جديدة للعم
◗❙التغير السريع فى رغبات العملاء أبرز آثار «كورونا»
كشف الاتحاد المصرى للتأمين أن صناعة التأمين تواجه تحديات هائلة نتيجة لجائحة كورونا المستجد «كوفيد-19»، لافتًا إلى أن السؤال الكبير الذى يواجه الآن شركات التأمين هو: كيف يُمكننا تكييف استراتيجيات أعمالنا لاستيعاب طريقة جديدة للعمل؟ مشيرًا إلى أنه حان الوقت لتطوير استراتيجيات جديدة للعمل، وتحديد أولويات الاستثمارات، وإعادة التفكير فى شرائح العملاء لاستهداف وتطوير المنتجات والخدمات واستراتيجيات التسعير للقطاعات ذات الأولوية، مما يساعد على زيادة إيرادات شركات التأمين.
وأكد الاتحاد المصرى للتأمين أنه على شركات التأمين أن تسعى للاستثمار فى المستقبل – فى تطوير القدرات الرقمية، واجتذاب الكفاءات، والحفاظ على الموارد الاستراتيجية الأخرى اللازمة لتحقيق نجاحها على المدى الطويل، موضحًا أن تلك الشركات التى تستثمر الآن فى قدراتها وتقوى علاقاتها مع عملائها لديها القدرة على الخروج من الأزمة أمام منافسيها.
ولفت فى نشرته الإلكترونية إلى أن تسارع شركات التأمين نحو ضخ استثمارات إضافية فى التكنولوجيا الرقمية لاستهداف تحقيق نمو كبير وانتعاش اقتصادى خلال الأعوام القادمة، وذلك رغم استمرار المخاوف بشأن متغيرات كوفيد – 19.
واعتبر أنه مازالت هناك العديد من العقبات التى تحول دون تحقيق هذا الانتعاش، كاستمرار التضخم، وزيادة النفقات المتعلقة بالاستدامة، ومخاطر المناخ، والشمول المالى، وتطبيق المعايير المحاسبية، فضلاً عن التغير المستمر والسريع فى رغبات العملاء، كما لا يخفى التغير الشامل الذى طرأ على منظومة لوجستيات وخدمات التأمين بعد الجائحة، وسعى شركات التأمين إلى وضع استراتيجيات مرنة، وإعادة توظيف العمالة مرتفعة الكفاءة، وخاصة مَن يتمتعون بمهارات متقدمة فى التكنولوجيا، وتحليل البيانات.
وتعتمد الشركات على هذه التكنولوجيا لتحسين تجربة العملاء من خلال تبسيط الخطوات التى يمر بها العملاء، وتقديم خدمات مخصصة تلائم كل فئة منهم، كذلك لتعزيز الثقة مع العملاء تتخذ شركات التأمين خطوات لتحقيق المزيد من الشفافية فى كيفية قيامها بجمع واستخدام البيانات الشخصية للعملاء، بل يتعدى الأمر ذلك إلى البحث عن حلول شاملة لمشاكل المجتمع الأكثر أهمية، مثل التخفيف من الأثر المالى للأوبئة والكوارث الطبيعية على المجتمع.
ومع انتشار موجات التفاؤل على مستوى العالم بعد انحسار الجائحة، فيما يتعلق بتسارع معدلات النمو واستعادة نشاط الأعمال بشكل عام والعودة إلى العمل، وضعت الشركات خططًا لزيادة استثماراتها فى المنصات الرقمية، والتى حققت الغرض منها، وكان لها الفضل فى الحفاظ على عملاء الشركات طوال أزمة الجائحة.
واستعرض الاتحاد الدراسة التى أجراها مركز ديلويت للخدمات المالية دراسة استقصائية عالمية بين 424 من كبار المسئولين التنفيذيين فى صناعة التأمين فى مجالات التمويل والتكنولوجيا والتسويق وتنمية الكفاءات، إذ طُلب من المشاركين فى الاستطلاع مشاركة آرائهم حول كيفية تكيف مؤسساتهم مع التأثيرات المتنوعة للجائحة على القوى العاملة والعمليات والتكنولوجيا والمنتجات، واستراتيجيات التسويق وثقافة الشركة، كذلك تحديد أولويات استثماراتهم والتغيرات الهيكلية المتوقعة فى العام المقبل، والتى تمثل الانتقال من الانتعاش إلى النمو طويل الأجل.
وأظهرت الدراسة النظرة الإيجابية على مستوى الصناعة ككل، واتفق ذلك مع توقعات معهد سويس رى بزيادة الطلب على التأمين فى جميع أنحاء العالم، مع انتعاش الأقساط فى جميع فروع التأمين بنسبة %3.3 خلال عام 2021 و%3.9 فى عام 2022، مقارنة بانخفاض قدره %1.3 فى عام 2020.
كما أظهرت التوقعات تصدّر الصين معدلات النمو بمعدل %9 فى عام 2022، تليها الأسواق الناشئة (باستثناء الصين) بنسبة %4.9، بينما من المرجح أن تشهد الأسواق المتقدمة نموًا أكثر اعتدالًا بمتوسط %3، كما أنه من المتوقع أن تسجل شركات التأمين على الحياة العالمية – التى استفادت من زيادة وعى المستهلك بسبب كوفيد19- – معدلات نمو أعلى من المتوسط بنسبة %4.0 فى عام 2022.
ويتوقع أن يقفز النمو العالمى لأقساط تأمينات الممتلكات إلى %3.7 فى عام 2022، انتقالاً من %2.8 فى عام 2021، وذلك بسبب عودة المزيد من الأشخاص إلى أماكن عملهم.
ويدعم هذه التوقعات، وفق تقرير وكالة فيتش للتصنيف الائتمانى، ما حققته شركات إعادة التأمين خلال النصف الأول من عام 2021 من ارتفاع صافى أقساط إعادة التأمين المكتتبة للممتلكات والمسئوليات بنسبة %18.5، كما يشير ذات التقرير إلى تحسن الربحية أيضًا، إذ حققت هذه الشركات نسبة مركبة إجمالية قدرها %94.5، مما يشير إلى تحسّن بمقدار 11.4 نقطة عن النصف الأول من عام 2020 – والتى تضمنت خسائر مرتبطة بالجائحة بلغت قيمتها 6.1 مليار دولار أمريكى، ويُتوقع أن ترتفع الأسعار عند التجديدات.
وهناك عامل آخر يعطى مؤشرًا للنمو وهو الزيادة الكبيرة فى الأسعار التى فرضتها هيئة اللويدز، إذ بلغت %9.9 فى الربع الثانى من عام 2021.
وبالنسبة للولايات المتحدة بلغت الزيادات فى أقساط الممتلكات والمسئوليات %5.54 فى تأمينات الحريق، و%4.51 للسيارات و%4.59 لأرباب العمل، وارتفعت أسعار التأمين الإلكترونى بنسبة %25.5 فى الربع الثانى، ويرجع ذلك فى جزء كبير منه إلى هجمات القرصنة الإلكترونية، بالإضافة إلى زيادة التعرض للانتهاكات بعد السماح لملايين العاملين بالعمل عن بُعد.
وأشار الاتحاد إلى أنه بجانب إمكانية أن تؤدى سلالات كوفيد – 19 الجديدة إلى عرقلة آفاق الانتعاش الاقتصادى ونمو شركات التأمين فى كثير من الدول، من المرجح أن تواجه شركات التأمين العديد من التهديدات الأساسية خلال عام 2022، من أهم هذه التحديات:
أولًا- التضخم: فقد يشكل ارتفاع معدل التضخم مصحوبًا بثبات أسعار الفائدة عقبة رئيسية أمام تحسّن نتائج شركات التأمين، فضلًا عن الاضطرابات المستمرة فى سلسلة التوريد، إلى زيادة تكاليف المطالبات المتعلقة بخسائر الممتلكات الشخصية والتجارية، وتعد الزيادات المقابلة فى أسعار مواد البناء، واستئجار المركبات، وقطع غيار السيارات (بما فى ذلك الموصلات الجزئية ورقائق الكمبيوتر للسيارات الذكية) من بين النفقات التى تهدد بزيادة خسائر شركات التأمين بنهاية عام 2022، ومن المرجح أن يستمر هذا العامل وحده فى دفع أسعار تأمينات الممتلكات والمسئوليات إلى الزيادة.
ومع ذلك، ظلت أسعار الفائدة منخفضة نسبيًّا فى جميع أنحاء العالم، رغم اتجاه الأسعار وتكاليف العمالة نحو الارتفاع، إذ تتطلع الحكومات إلى تجنب تقليص حركة الانتعاش، وربما المخاطرة بالانزلاق إلى الركود، ومع ذلك يمكن أن يؤدى هذا إلى تخفيض عوائد الاستثمار للصناعة ككل، بينما يؤدى إلى إعاقة نمو وربحية منتجات تأمينات الحياة، والمعاشات التى تُعتبر حساسة تجاه أسعار الفائدة.
ثانيا- التكاليف الإدارية: من المتوقع أيضًا أن تستمر التكاليف الإدارية فى الارتفاع، نتيجة للاستعداد للامتثال للمعيار الدولى للإبلاغ المالى (IFRS 17)، لتحديد كيفية عرض عقود التأمين ضمن الأصول والخصوم فى الميزانيات العمومية للشركة، فقد يؤدى تطبيق هذا المعيار، والمقرر أن يدخل حيز التنفيذ فى يناير 2023، إلى تحميل شركات التأمين العالمية بتكلفة تتراوح بين 15 و20 مليار دولار أمريكى، وفقًا للاستقصاء الذى أجرته «ويليز تاورز واتسون».
كما أشار استطلاع رأى أجراه «مركز ديلويت للخدمات المالية» فى يونيو 2021 إلى أن %37 من الشركات على مستوى العالم استكملت استعداداتها لتبنى المعيار الدولى لإعداد التقارير المالية رقم 17، ومع ذلك، فإن ثلث الشركات التى أجرى عليها الاستطلاع ما زالت بعيدة إلى حد ما أو أنها بدأت للتو فى الاستعداد لإجراء الانتقال لتطبيق هذا المعيار.
وتعد الولايات المتحدة إحدى الدول القليلة التى قررت عدم تبنى المعيار الدولى لإعداد التقارير المالية 17، ونتيجة لذلك، اعتمدت العديد من شركات التأمين العالمية التنفيذ الموازى لمعيار «التحسينات المستهدفة طويلة الأجل (LDTI) بدلًا من «المعيار الدولى لإعداد التقارير المالية رقم 17»، والذى سيسرى أيضًا بتاريخ يناير 2023، واستمرت جهود تنفيذ معيار LDTI منذ أوائل عام 2019، إذ أفاد المشاركون فى الاستطلاع بأنهم مستعدون بنسبة %42 لتطبيق المعيار.
ثالثًا- المخاطر المناخية والاستدامة: من المرجح أن تستمر الخسائر المالية الناتجة عن مخاطر المناخ فى تقليص ربحية شركات التأمين، إذ قَدّر معهد سويس رى قيمة خسائر الكوارث الطبيعية للممتلكات المؤمن عليها عالميًّا بنحو 40 مليار دولار أمريكى حتى شهر يونيو 2021 – وهو ثانى أعلى رقم يتحقق فى نصف عام خلال عقد من الزمان، وأعلى بكثير من متوسط السنوات العشر السابقة البالغ 33 مليار دولار أمريكى.
وأضاف إعصار إيدا فى الولايات المتحدة وحده ما بين 31 مليار دولار أمريكى و44 مليار دولار أمريكى إلى الخسائر المؤمنة البرية والبحرية فى النصف الثانى من عام 2021، تكثّف العديد من شركات التأمين جهودها لتحديد المخاطر المناخية ومعالجتها فى كل من محافظ الاكتتاب والاستثمارات، مدفوعة جزئيًّا بتزايد الطلب من جانب أصحاب المصالح، واعتمدت اللجنة التنفيذية للرابطة الدولية لمراقبى التأمين IAIS ورقة عمل لمساعدة الجهات الرقابية على «تعزيز نهج متسق عالميًّا لمعالجة المخاطر المتعلقة بالمناخ»، وبالفعل أطلق عدد من الهيئات الرقابية مبادراتهم الخاصة بهذا الشأن، ومع ذلك يظل المناخ مجرد جزء واحد من اهتمامات الصناعة الأكثر شمولًا للتعامل مع مجموعة من المخاوف الملحة البيئية والاجتماعية والحوكمة (ESG).
لذا وجب على شركات التأمين أن تزيد من استثماراتها من أجل دفع الجهود البيئية والاجتماعية والمؤسسية فى استدامة المناخ، وتعزيز التنوع فى التوظيف والتطوير والقيادة وتعزيز الرفاه الاقتصادى للمجتمعات التى تخدمها، وذلك على الأرجح من خلال جعل المنتجات أكثر توفرًا وشمولية، بجانب تعزيز اتخاذ القرارات الأخلاقية، وتقليل مخاطر السلوك.
وفى الوقت نفسه، تقوم المزيد من شركات التأمين بتعيين كبار مسؤولى الاستدامة (CSOs) أو من فى حكمهم لجمع البيانات وإصدار التقارير عن جهود حوكمة الاستدامة الثلاثية ESG والنتائج المترتبة عليها، فضلًا عن المساعدة فى تنسيق استراتيجيات الاستدامة على مستوى المنظمة وتنفيذها.
رابعًا- عمليات الاندماج والاستحواذ فى سوق التأمين العالمى: استقر نشاط الاندماج والاستحواذ (M & A) فى مجال التأمين العالمى منذ النصف الأول من عام 2021، وتم الانتهاء من 197 صفقة تقريبًا، كان أكثر من نصف تلك الصفقات إقليمية، إذ سعت المزيد من شركات التأمين إلى النمو من خلال التوسع خارج أسواقها المحلية.
وأشارت أحدث توقعات الاندماج والاستحواذ الصادرة عن مركز ديلويت للخدمات المالية فى مجال التأمين إلى أن «الآثار المدمرة الناتجة عن كوفيد-19 كانت أقل تأثيرًا على نشاط التأمين مقارنة بقطاعات الخدمات المالية الأخرى»، وعلى العكس، فقد أدى الوباء إلى زيادة الوعى بالحاجة إلى مضاعفة بعض الأعمال والقدرات وإعادة تقييم المحافظ باعتبارها أساسية، وعلى العكس بالنسبة لإدارة رأس المال والعوائد.
وتلاحظ بعد الموجة الرابعة التى تسبب فيها المتحور دلتا، حدوث زيادة مستمرة فى نشاط صفقات الاندماج والاستحواذ فى معظم قطاعات التأمين.
كما تشير التوقعات بصفة عامة إلى أن عام 2022 سيشهد المزيد من استراتيجيات الاندماج والاستحواذ النشطة، مع توقع أكثر من ثلث المشاركين فى الاستطلاع أن يكون نشاط الاستحواذ المتزايد أمرًا مرجحًا للغاية، بهدف توسيع النطاق الجغرافى خارج موطن الشركة الفعلى، وإضافة قدرات تقنية جديدة.
خامسًا- اجتذاب الكفاءات المناسبة: ربما يكون اجتذاب الكفاءات المناسبة هو التحدى الأكبر الذى تواجهه شركات التأمين فى عام 2022، إذ يجب أن تتجاوز شركات التأمين الحدود الجغرافية والخلفية المهنية للاستفادة من مجموعة أوسع من الكفاءات، كما يجب عليها أيضًا الاتجاه نحو استبدال الوظائف الدائمة بوظائف مؤقتة ووظائف انتقالية وتعاقدية للوصول إلى الكفاءات ذات الخبرة والتجربة المتخصصة.
قد يتم سد جزء من فجوة الكفاءات من خلال إعادة التوظيف فى الإدارات التى تضررت فى عام 2020 نتيجة لتخفيض عدد الموظفين، إذ قامت شركات التأمين بتقليص نفقات التشغيل فى بعض المجالات استجابة للتداعيات الاقتصادية المبدئية للجائحة، وهناك خيار آخر يتمثل فى مطالبة الموظفين المتقاعدين بالعودة بدوام جزئى و/ أو البحث عن علاقات انتقالية مماثلة مع الموظفين الحاليين الذين اقترب موعد إحالتهم للتعاقد، لكن من المرجح أن يترك ذلك فجوة كبيرة، مما يجعل جذب الكفاءات والاحتفاظ بها أكبر تحدٍّ تشغيلى للصناعة فى عام 2022 وما بعده.
كما يجب على شركات التأمين اتباع نهج متنوع لجذب وتدريب والاحتفاظ بالعاملين المتمرسين فى مجال التكنولوجيا، وذلك من خلال:
أ. البحث عن الكفاءات ذات المهارات القابلة للتكيف عبر تحديد الوظائف التى يمكن فيها تدريب الكفاءات على القيام بالمهمة بدلًا من البحث عن مهارات فورية بنسبة %100، (على سبيل المثال عند البحث عمن يشغل وظيفة محلل بيانات، يجب البحث عن أولئك الذين لديهم خلفيات فى العلوم والتكنولوجيا والهندسة والرياضيات والذين يمكن أن يكتسبوا مهارة بسرعة بدلًا من قصر البحث على علماء البيانات الراسخين).
ب. تحسين مهارات الموظفين الحاليين إذ لا يحتاج كل الموظفين أن يتميزوا بمهارة فنية فائقة فى بداية عملهم، بل يمكن أن يساعد تدريبهم على التكيف مع التقنيات الناشئة على تسريع وتيرة الابتكار لديهم، فيمكن لعمليات التشغيل الآلى Automation أن تحرر الموظفين من العمليات اليدوية والإدارية الروتينية، وتسمح بتحويل القوى العاملة إلى مهام أكثر تحديًا تثرى الوظائف والمهن.
سادسًا- إعادة تنظيم بيئة العمل بعد الجائحة: بالرغم من أن التوقعات كانت ترجح أن العاملين العائدين إلى أماكن عملهم بعد الجائحة لن يمارسوا عملهم بنفس الطريقة التى كانوا يتبعونها قبل الجائحة، فإنه من المرجح أن يعود جميع الموظفين إلى العمل من مكاتبهم كما كانوا من قبل.
ويجب على شركات التأمين أن تسعى جاهدة لتوفير مكان عمل مجهّز رقميًّا يمكنه استيعاب أولئك العاملين بموقع العمل وغيرهم من العاملين عن بُعد، مما يوفر بيئة رقمية مشتركة يتم تمكينها من خلال التعاون الافتراضى وأدوات الاتصال.
ولكن بخلاف البنية التحتية الرقمية، يجب اعتماد نهج جديد للكفاءات أيضًا، لذلك يجب على شركات التأمين البدء فى دراسة كيفية تغير مهام وأنشطة وأوضاع كل موظف واحتياجاته الفعلية، بالإضافة إلى تقييم آثار النظام المختلط (الذى يجمع بين العمل بالمكتب والعمل عن بُعد) على ثقافة الشركة وسياسات الموارد البشرية، وبغض النظر عن النتيجة النهائية، من غير المحتمل أن يكون هناك نهج موحد يُناسب الجميع، لذا يجب أن تكون التجربة والخطأ هى القاعدة إذ تختبر شركات التأمين خططًا مختلفة وتحكم على تأثيرها على الإنتاجية والتعاون والابتكار، ورضا القوى العاملة بشكل عام بمرور الوقت، وإجراء التعديلات اللازمة عليها كلما تطلَّب الأمر ذلك.
كما يجب أن تتاح للعاملين فى مجال التأمين بشكل عام فرص أكبر لتغيير الوظائف والعمل بعيدًا عن مواقع عملهم، وتزويدهم بالخيارات والإمكانيات فيما يرجح أن يظل سوق العمل تنافسيًّا للغاية على المدى الطويل.
لذلك، يجب على شركات التأمين تقديم عروض ذات قيمة واضحة للموظفين لتبرير أى استراتيجية للعودة إلى العمل بالمكتب، مدعومة بمزايا مقنعة، ومسار نمو وظيفى واضح لتعزيز الاحتفاظ بالموظفين.
وتتمثل إحدى طرق تحقيق ذلك فى تقليل التركيز على فرق العمل أو الأدوار الوظيفية (التعويضات والاكتتاب وما إلى ذلك) التى ينبغى أن تعود إلى العمل من المكتب، والتفكير أكثر من منظور الأفراد العاملين، فعلى سبيل المثال ربما يحتاج الموظفون الجدد إلى مزيد من الوقت للعمل فى المكاتب إذ يُوجّهون فى البداية للتعاون والتواصل الاجتماعى مع الزملاء والمديرين، كذلك الاندماج فى ثقافة الشركة، ومن ناحية أخرى، ربما يفضل الموظفون القدامى الحصول على بعض المرونة بالسماح لهم بالعمل من المنزل فى معظم الأيام، واختيار الحضور إلى المكتب لبضعة أيام كل شهر للتعلم من خلال تبادل الأفكار مع زملائهم ورؤسائهم المباشرين.
ومع ذلك، أيًّا كان النموذج الذى تتبناه شركة التأمين، يجب عليها تقديم أسباب واضحة تبرر الغرض من الحضور إلى المكتب، حتى لو كان ذلك بدوام جزئى فقط، كما يجب أن توضح المزايا التى ستعود على الموظفين وعلى الشركة.
سابعًا- التحول التكنولوجى: يجب على شركات التأمين تقييم وصقل وتوسيع نطاق التعديلات التكنولوجية التى تم تنفيذها على عجل أثناء الجائحة، لدعم بيئة العمل الافتراضية، وتلبية احتياجات العملاء، وفى الوقت نفسه يجب أن تبقى هذه التحديثات على رأس جدول أعمال مديرى تكنولوجيا المعلومات، بعد أن ولىَ عهد التطبيقات القديمة، وتتطلع الشركات إلى دمج حلول البيانات والتكنولوجيا الجديدة بسرعة لتعزيز الكفاءات من خلال استخدام المنصات الافتراضية.
كما يجب استخدام الذكاء الاصطناعى والتحليلات والمواقع الافتراضية لإعادة تصور سلسلة قيمة التأمين، مع تشديد أمن المعلومات، إذ أصبح الذكاء الاصطناعى بارعًا فى أداء المهام التى كان يصعب على أجهزة الكمبيوتر تنفيذها فى الماضى، بما فى ذلك التعرف على الصور، وتحديد الكلمات المنطوقة، واستخدام البيانات غير المنظمة، وفى الوقت نفسه، يشعر المتخصصون فى التأمين براحة أكبر مع التوصيات الواردة من أنظمة الذكاء الاصطناعى، ويعتمدون عليها فى اتخاذ قرارات الاكتتاب والتسعير والتسويق والمطالبات.
وإلى جانب البيانات البديلة والتحليلات المتقدمة، يجب أن يكون للذكاء الاصطناعى تأثير كبير عبر سلسلة قيمة التأمين بأكملها – إذا تم التوسع فى استخدامه، وتم تدريب المستخدمين له بشكل صحيح.
وتعمل العديد من شركات التأمين بالفعل على زيادة الاستثمار فى الذكاء الاصطناعى أو روبوتات الدردشة لتسهيل الاتصالات بين مجموعة متنوعة من أصحاب المصلحة، وتقليل أوقات الانتظار، ففى الاكتتاب، يمكن لحلول الذكاء الاصطناعى استخدام التحليلات السلوكية، والتعلم الآلى للمساعدة فى تحديد التحريف أو الاحتيال مع تحسين السرعة والدقة، ويمكن استخدامه أيضًا فى معالجة المطالبات لتحديد الأنماط المشبوهة التى تتجاوز الإشارات التقليدية، ووضع الأعلام الحمراء حول الطلبات الاحتيالية المحتملة.
على سبيل المثال، تستخدم شركةMitsui Sumitomo للتأمين «نظام دعم الوكيل» المدعوم بالذكاء الاصطناعى لتحديد احتياجات العملاء المحتملة بشكل أفضل من خلال تحليل البيانات الداخلية والخارجية، مما عمل على زيادة إنتاجية الوكيل بين %20 و%130، مقارنة بنموذج المبيعات التقليدى.
وبالمثل، يمكن أن يكون للذكاء الاصطناعى دور فعال فى تمكين شركات التأمين من اعتماد نماذج أعمال جديدة، والاستفادة من فرص السوق، فعلى سبيل المثال، باستخدام الاكتتاب الآلى المدعوم من الذكاء الاصطناعى، يمكن لشركات التأمين العمل جنبًا إلى جنب مع تجار التجزئة عبر الإنترنت لتوفير تغطية التأمين اللازمة فى الوقت الفعلى عندما يشترى المتسوقون سلعًا استهلاكية.
وتعتبر إحدى المشكلات المحتملة التى يجب على شركات التأمين الانتباه إليها هى الأسئلة التى أثارتها الجهات الرقابية ومجموعات المستهلكين حول دقة وعدالة الأنظمة التى يحركها الذكاء الاصطناعى، إذ أشارت التوقعات الخاصة بمؤسسة ديلويت للخدمات المالية إلى أن %24 فقط من المستجيبين يتدربون حاليًّا على برامج الذكاء الاصطناعى والتعلم الآلى لتحديد التحيزات الحسبية لتلك البرامج، ضرورة أن تتخذ شركات التأمين تدابير استباقية لضمان أن يكون صنع القرار الآلى عادلًا بالنسبة لحملة وثائق التأمين وأصحاب المصلحة، وألا يؤدى إلى مزيد من المخاطر المتعلقة بسمعة الشركة.
ثامنًا- الأمن الإلكترونى: مع تزايد هجمات برامج الفدية، أصبح الأمن الإلكترونى يحتل مركز الصدارة، إذ زادت الهجمات الإلكترونية العالمية فى جميع الصناعات بنسبة %29 فى النصف الأول من عام 2021 مقارنة بالفترة نفسها من عام 2020، وكان هذا الاتجاه مدفوعًا إلى حدٍّ كبير بتزايد هجمات برامج الفدية بنسبة %93، إذ واصل المتسللون استغلال التحول نحو العمل عن بُعد نتيجة للجائحة.
ولم يستهدف المهاجمون الحصول على فدية من خلال الوصول للبيانات الحساسة التى تنتجها المنظمات فحسب، بل قاموا بتعقب سلاسل التوريد وروابط الشبكات مع الشركاء، مما جعل الهجمات أكثر ضررًا.
ويعد فرض متطلبات التحقق على أى شخص يسعى للوصول إلى البيانات أو الأنظمة، بغض النظر عن كونه داخليًّا أو خارجيًّا، ممارسة رائدة يُمكن أن تساعد شركات التأمين على حماية أصول الشركة فى ظل هذه الظروف.
كما يجب على شركات التأمين أيضًا تطوير استراتيجيات إدارة المخاطر التى تتعرض لها الجهات الخارجية التى تتعامل معها لضمان عدم تأثر الموردين وشبكات البائعين، حتى لو تم اختراق أنظمة شركات التأمين.
وتنظر شركات التأمين أيضًا فى العديد من الإجراءات الإضافية لكشف تهديدات برامج الفدية، ومنعها والتعافى منها بشكل أكثر فعالية، هناك خيار آخر لشركات التأمين وهو اعتماد استراتيجية لتخزين البيانات عن طريق توفير نسخ احتياطية لعملياتها الهامة التى يتم فصلها عن الشبكة المعرضة للاختراق.
لذا يجب أن تعمل فرق أمن المعلومات باستمرار على تطوير ضوابط صارمة وتقنيات حماية لممارسة سيطرة أكبر على أجهزة المستخدم النهائى، كذا الاهتمام بأنشطة التدريب والتوعية، التى تركز بشكل خاص على المبادئ التوجيهية ومعايير العمل عن بُعد، وخاصة مع احتمال بقاء الكثير خارج إطار العمل التقليدى بمقرّ العمل.
كما يجب على شركات التأمين النظر فى تخصيص المزيد من الموارد لتلبية المتطلبات التنظيمية الإضافية التى يتم تنفيذها أو النظر فيها من قبل العديد من هيئات الرقابة فى جميع أنحاء العالم.
وفى حين أن التحول الرقمى هو أحد أهم أولويات شركة التأمين إلا أن عليها أيضًا ألا تهمل قيمة اللمسة البشرية، نظرًا لتعقيدات المنتج التأمينى، والعمليات المتضمنة طوال دورة حياة التأمين.
يجب أن يؤدى تعزيز الثقة إلى زيادة الربحية نظرًا لأن التأمين يتعلق فى النهاية بمسألة الثقة -ثقة المستهلك فى أن الأقساط التى دفعها ستعود له فى النهاية على هيئة تعويض إذا تعرض لخسارة- فإن الحفاظ على هذا السند وتعزيزه يجب أن يحظى بأولوية مستمرة من قبل شركات التأمين.
وأشار تقرير ديلويت الأخير إلى الصلة بين الثقة والازدهار الاقتصادى فى عبارة فارقة «عبر الاقتصاد الكلى.. نبنى الثقة ونحافظ عليها من خلال العمل بكفاءة وعزم».
وأكد التقرير أن الثقة تميز شركات التأمين وترتقى بها، وتربطها بـ«الصالح العام»، لذا يجب على شركة التأمين أن تحرص على وضع الثقة فى طليعة تخطيطها واستراتيجيتها وهدفها، وذلك لكى تكتسب ثقة عملائها«، يمكن لشركات التأمين الاستفادة من مبادرات بناء الثقة على المدى القصير والطويل، سواء كان التعامل مع العملاء أو الجهات الرقابية أو المستثمرين أو الموظفين.