تعودت أن تعيش كائنا ليليا،هكذا يصفنى ويصارحنى الأصدقاء والمقربون.. وهم فى ذلك على حق، ففى مدن يلفها الصخب ويعشش فيها الضجر، وتكاد تكون خصوصيتها الوحيدة، هى عدم احترامها للخصوصية، تصبح لحظات الليل ونسمات الفجر مهربا وحيدا للنفس، ومأوى دافئا لشطحات العقل.
اتهام لا أنكره، تماما كما لا يقوى على إنكاره هو.. صديقى الليلى.
فى ساعة متأخرة انتهى من العمل، أو بعبارة أخرى ينتهى العمل منى.. لا يهم، أفقد قدرتى على الاستمرار، أتخذ قرارا صعبا، بأن أرجئ باقى جدول الأعمال إلى الغد.
أرفع سماعة الهاتف، أبحث عنه، أجده دائما على الطرف الآخر، يلتقط مكالمتى بنبرة صوت ساخرة، أسأله: ما الجديد؟ يجيبنى ضاحكا: لا شيء.. وكأنه يطمئننى ويطمئن نفسه، بأن موعد سماع الأخبار الأسوأ لم يأت بعد!
ثم تأخد المكالمة منحاها المعتاد.. نتبادل التفاصيل القاتمة، للحياة اليومية فى سعادة يلفها الشجن، أو شجن يغلفه سعادة مبالغ فيها – ربما كى نصدقها --، نضع حلولا قلما ننفذها، نتشبث بآمال لا نصدقها قط، ورغم تكرار ذلك – أو ربما بسبب تكراره – فإننا لا نكف عن هستيريا الضحك!
يطرح حلمه الذى لم يتحقق وغالبا أنه لن يتحقق، وبالمثل أفعل.
يذكر امرأة أسطورية لطالما أحبها، رغم كونه لم يلتقيها بعد، يرسمها حبيبة أبدية أو مرحلية، وأرد إليه التحية بأفضل منها.
يلفظ امرأة حقيقية، يقضى معها حياة آخر ما يتمنى لها الخلود، فأسايره إلى أقصى مدى.
يتخيل سيناريو الفيلم الذى لم يكتبه، أسماء الأبطال الذين لم تكتمل شخوصهم فى ذهنه بعد، يحاول أن يستلهمهم ويلملم خيوطهم من زبائن المقهى الذى يجلس عليه، والحانوت المجاور، والمرأة العجوز القابعة على الرصيف المقابل، وتجارب الشباب، وذكريات الطفولة.. ويكاد أن ينجح، لولا رغبة داخلية عارمة، تعوقه دائما عن استكمال رتوش الصورة، وكأنه ينبغى بقاء الوضع على ما هو عليه! وكذلك أنا.
يتواصل الحديث، يتداعى الوقت، تزداد النسمات برودة، والحوار سخونة وسخرية.
يُشرَّح الكون والبشر.. الساسة والرؤساء والأصدقاء والمرءوسين والأباطرة والهامشيين، الفن والدين والدجل، فأقتنص منه مشرطه الحاد.
يتسلل تدريجيا الضوء الخافت لأصداء الصباح الأولى.. يجاهر بالتعبير عن إحباطه من عدم القدرة على أن يكون محبطاً! أن يكون إنسانا عاديا، يمتلك حساسية الاستجابة الكاملة لمشاعر الحزن أو الفرح، لم يعد باستطاعته – أو استطاعتى – أن يكون حزينا أو سعيدا، فقط يمكننا أن نشعر بالشجن!
حازم شريف
11:57 ص, الأحد, 28 مارس 04
حازم شريف
11:57 ص, الأحد, 28 مارس 04
End of current post