صديقي‭ ‬الليلى

صديقي‭ ‬الليلى
حازم شريف

حازم شريف

11:57 ص, الأحد, 28 مارس 04

تعودت‭ ‬أن‭ ‬تعيش‭ ‬كائنا‭ ‬ليليا،‬هكذا‭ ‬يصفنى‭ ‬ويصارحنى‭ ‬الأصدقاء‭ ‬والمقربون‭.. ‬وهم‭ ‬فى‭ ‬ذلك‭ ‬على‭ ‬حق، ‬ففى‭ ‬مدن‭ ‬يلفها‭ ‬الصخب‭ ‬ويعشش‭ ‬فيها‭ ‬الضجر،‭ ‬وتكاد‭ ‬تكون‭ ‬خصوصيتها‭ ‬الوحيدة،‭ ‬هى‭ ‬عدم‭ ‬احترامها‭ ‬للخصوصية،‭ ‬تصبح‭ ‬لحظات‭ ‬الليل‭ ‬ونسمات‭ ‬الفجر‭ ‬مهربا‭ ‬وحيدا‭ ‬للنفس،‭ ‬ومأوى‭ ‬دافئا‭ ‬لشطحات‭ ‬العقل‭.‬
اتهام‭ ‬لا‭ ‬أنكره،‭ ‬تماما‭ ‬كما‭ ‬لا‭ ‬يقوى‭ ‬على‭ ‬إنكاره‭ ‬هو‭.. ‬صديقى‭ ‬الليلى‭.‬
فى‭ ‬ساعة‭ ‬متأخرة‭ ‬انتهى‭ ‬من‭ ‬العمل،‭ ‬أو‭ ‬بعبارة‭ ‬أخرى‭ ‬ينتهى‭ ‬العمل‭ ‬منى‭.. ‬لا‭ ‬يهم،‭ ‬أفقد‭ ‬قدرتى‭ ‬على‭ ‬الاستمرار،‭ ‬أتخذ‭ ‬قرارا‭ ‬صعبا،‭ ‬بأن‭ ‬أرجئ‭ ‬باقى‭ ‬جدول‭ ‬الأعمال‭ ‬إلى‭ ‬الغد‭.‬
أرفع‭ ‬سماعة‭ ‬الهاتف،‭ ‬أبحث‭ ‬عنه،‭ ‬أجده‭ ‬دائما‭ ‬على‭ ‬الطرف‭ ‬الآخر،‭ ‬يلتقط‭ ‬مكالمتى‭ ‬بنبرة‭ ‬صوت‭ ‬ساخرة،‭ ‬أسأله‭: ‬ما‭ ‬الجديد؟‭ ‬يجيبنى‭ ‬ضاحكا‭: ‬لا‭ ‬شيء‭..‬‭ ‬وكأنه‭ ‬يطمئننى‭ ‬ويطمئن‭ ‬نفسه،‭ ‬بأن‭ ‬موعد‭ ‬سماع‭ ‬الأخبار‭ ‬الأسوأ‭ ‬لم‭ ‬يأت‭ ‬بعد‭!‬
ثم‭ ‬تأخد‭ ‬المكالمة‭ ‬منحاها‭ ‬المعتاد‭.. ‬نتبادل‭ ‬التفاصيل‭ ‬القاتمة،‭ ‬للحياة‭ ‬اليومية‭ ‬فى‭ ‬سعادة‭ ‬يلفها‭ ‬الشجن،‭ ‬أو‭ ‬شجن‭ ‬يغلفه‭ ‬سعادة‭ ‬مبالغ‭ ‬فيها‭ – ‬ربما‭ ‬كى‭ ‬نصدقها -‭-‬،‭ ‬نضع‭ ‬حلولا‭ ‬قلما‭ ‬ننفذها،‭ ‬نتشبث‭ ‬بآمال‭ ‬لا‭ ‬نصدقها‭ ‬قط،‭ ‬ورغم‭ ‬تكرار‭ ‬ذلك‭ – ‬أو‭ ‬ربما‭ ‬بسبب‭ ‬تكراره‭ – ‬فإننا‭ ‬لا‭ ‬نكف‭ ‬عن‭ ‬هستيريا‭ ‬الضحك‭!‬
يطرح‭ ‬حلمه‭ ‬الذى‭ ‬لم‭ ‬يتحقق‭ ‬وغالبا‭ ‬أنه‭ ‬لن‭ ‬يتحقق،‭ ‬وبالمثل‭ ‬أفعل‭.‬
يذكر‭ ‬امرأة‭ ‬أسطورية‭ ‬لطالما‭ ‬أحبها،‭ ‬رغم‭ ‬كونه‭ ‬لم‭ ‬يلتقيها‭ ‬بعد،‭ ‬يرسمها‭ ‬حبيبة‭ ‬أبدية‭ ‬أو‭ ‬مرحلية،‭ ‬وأرد‭ ‬إليه‭ ‬التحية‭ ‬بأفضل‭ ‬منها‭.‬
يلفظ‭ ‬امرأة‭ ‬حقيقية،‭ ‬يقضى‭ ‬معها‭ ‬حياة‭ ‬آخر‭ ‬ما‭ ‬يتمنى‭ ‬لها‭ ‬الخلود،‭ ‬فأسايره‭ ‬إلى‭ ‬أقصى‭ ‬مدى‭.‬
يتخيل‭ ‬سيناريو‭ ‬الفيلم‭ ‬الذى‭ ‬لم‭ ‬يكتبه،‭ ‬أسماء‭ ‬الأبطال‭ ‬الذين‭ ‬لم‭ ‬تكتمل‭ ‬شخوصهم‭ ‬فى‭ ‬ذهنه‭ ‬بعد،‭ ‬يحاول‭ ‬أن‭ ‬يستلهمهم‭ ‬ويلملم‭ ‬خيوطهم‭ ‬من‭ ‬زبائن‭ ‬المقهى‭ ‬الذى‭ ‬يجلس‭ ‬عليه،‭ ‬والحانوت‭ ‬المجاور،‭ ‬والمرأة‭ ‬العجوز‭ ‬القابعة‭ ‬على‭ ‬الرصيف‭ ‬المقابل،‭ ‬وتجارب‭ ‬الشباب،‭ ‬وذكريات‭ ‬الطفولة‭.. ‬ويكاد‭ ‬أن‭ ‬ينجح،‭ ‬لولا‭ ‬رغبة‭ ‬داخلية‭ ‬عارمة،‭ ‬تعوقه‭ ‬دائما‭ ‬عن‭ ‬استكمال‭ ‬رتوش‭ ‬الصورة،‭ ‬وكأنه‭ ‬ينبغى‭ ‬بقاء‭ ‬الوضع‭ ‬على‭ ‬ما‭ ‬هو‭ ‬عليه‭! ‬وكذلك‭ ‬أنا‭.‬
يتواصل‭ ‬الحديث،‭ ‬يتداعى‭ ‬الوقت،‭ ‬تزداد‭ ‬النسمات‭ ‬برودة،‭ ‬والحوار‭ ‬سخونة‭ ‬وسخرية‭.‬
يُشرَّح‭ ‬الكون‭ ‬والبشر‭.. ‬الساسة‭ ‬والرؤساء‭ ‬والأصدقاء‭ ‬والمرءوسين‭ ‬والأباطرة‭ ‬والهامشيين،‭ ‬الفن‭ ‬والدين‭ ‬والدجل،‭ ‬فأقتنص‭ ‬منه‭ ‬مشرطه‭ ‬الحاد‭.‬
يتسلل‭ ‬تدريجيا‭ ‬الضوء‭ ‬الخافت‭ ‬لأصداء‭ ‬الصباح‭ ‬الأولى‭.. ‬يجاهر‭ ‬بالتعبير‭ ‬عن‭ ‬إحباطه‭ ‬من‭ ‬عدم‭ ‬القدرة‭ ‬على‭ ‬أن‭ ‬يكون‭ ‬محبطاً‭! ‬أن‭ ‬يكون‭ ‬إنسانا‭ ‬عاديا،‭ ‬يمتلك‭ ‬حساسية‭ ‬الاستجابة‭ ‬الكاملة‭ ‬لمشاعر‭ ‬الحزن‭ ‬أو‭ ‬الفرح،‭ ‬لم‭ ‬يعد‭ ‬باستطاعته‭ – ‬أو‭ ‬استطاعتى‭ – ‬أن‭ ‬يكون‭ ‬حزينا‭ ‬أو‭ ‬سعيدا،‭ ‬فقط‭ ‬يمكننا‭ ‬أن‭ ‬نشعر‭ ‬بالشجن‭!‬