لم أصدق عيناي وأنا أطالع تصريحا للدكتور علي عبدالرحمن، رئيس جامعة القاهرة، نشرته جريدة المصري اليوم فى صدر صفحتها الأولى يوم الخميس الماضي، يؤكد فيه أن الجامعة، ستعمل على توفير أماكن مميزة للطلاب العرب، مقابل العائد الذى تحصل عليه من التحاقهم بها.
وأضاف مبررا: أنه لا يمكن أن يجلس الطالب العربي، الذى يدفع ثلاثة آلاف جنيه استرليني في العام، مع الطالب المصري في قاعة واحدة.
وكأي مصلح اجتماعى ثوري، يخشى على دعوته من ردة فعل الغوغاء من العامة، لم يفت الدكتور أن يعبر عن مخاوفه، من أن تواجه دعوته انتقادات من المجتمع المصرى، باعتبارها تمثل تفريقا بين الطالب المصري وزميله العربي.
والحقيقة أنني أخالف الدكتور فيما ذهب إليه من أن دعوته تمثل تفريقا، بل إنها تمييزا واضحا، يكاد يشابه في جرمه، التمييز العنصري أو الجنسي أو العرقي، بل هو خليط من تلك الأنواع المتعددة السابقة، مضافا إليها التمييز الاجتماعي.
وللدكتور أن يخاف بحق وأن يخشى، لا لأن ردود الفعل الغاضبة ستستنكر عليه من الناحية المبدئية ممارسته هذا التمييز، بل ليقيني أن أغلبها ستقرعه وتجلده، لعدم ممارسته التمييز العكسي تجاه الطلاب العرب، لصالح أقرانهم المصريين أولاد البلد!.
وسيخرج عليه كثيرون لا مراء – من بينهم عدد لا بأس به من كبار الكتاب في الصحف الحكومية والمعارضة،- يسبونه بعد وصلة معتبرة في هجاء «الأخوة» العرب ولعن «أخشاشهم»، مع وضع بعض بهارات الردح السوقية المتداولة من قبيل العرب جرب، وماذا أخذنا من العرب، وماذا جلبوا لنا غير الفقر والمرض، بعدما باعوا القضية وتركونا لسنوات نحارب بالنيابة عنهم.
إلى آخره من تلك المفردات والعبارات، التي اعتدنا أن نقذف بها «الأخوة» العرب- لاحظ كلمة الأخوة- في كل مناسبة وبدون مناسبة.
وليت التمييز والتمييز المضاد مقصورا في ثقافة مجتمعنا «الرائد» على الثنائية، نحن والعرب، إلا أنه ولسوء الحظ، يتمد ليشمل الثنائية الأوسع، نحن والعالم!.
وأذكر أنه منذ عدة أشهر، أصطحبت أبني إلى القلعة، وفاتني أن أسأل قبلها عن مواعيد الزيارة الرسمية، وبينما الموظف المسئول يبلغنى بعدم إمكاني الدخول لانتهاء الوقت المحدد، إذا به يسمح لبعض السياح الأجانب بالمرور عبر البوابة.
في الوقت الذي تصدى بجسده لي ولبعض المصريين من الزوار «اللوكال»، وعلى الفور نشبت مشاجرة، تدخل فيها أمة لا إله إلا الله، وانقسم الجميع من حولي إلى فريقين.
الأول يحاول أن يهدئ من روعي، وحجته أن من سمح الموظف بدخولهم سياح أجانب، يمثلون مصدر رزق لنا، ومن ثم فلا مانع من تمييزهم!، أي أن هذا الفريق من أنصار الدكتور رئيس جامعة القاهرة.
أما الفريق الثاني، فقد اشتد به الغضب، وظلوا يزايدون على الجميع، ويسبون الموظف الذي كان ينبغي عليه -من وجهة نظرهم – أن يميز المصريين على الأجانب «الكفرة» – ولا مؤاخذة – ولاد الكلب!، وهؤلاء بالطبع يمثلون الأغلبية التي ستطالب بإعدام الدكتور!.
وعبثا أن تحاول إقناع هذا الفريق أو ذاك، بما تعتقد أنه قد بات مسلمة بديهية، من أنه ليس من الفضيلة في شيء، أن تميز شخصا على الآخر، لاختلاف جنسه أو لونه أو جنسيته، خاصة إذا ما كان الأمر مرتبطا بتقديم خدمة، سواء كانت فى مزار سياحي، أو في الحرم الجامعي، وهي من وجهة نظرى البدعة التي تفرد بها الدكتور.
فعلى حد علمي، لم يسبق لى أن سمعت عن جامعة محترمة، تميز في مصاريف الدراسة بها بين طالب والثانى بناء على جنسيته، وإنما تقوم هذه الجامعات، بإعطاء منح للمتفوقين، وأحيانا لبعض الطلاب غير القادرين، الذين ينتمون لدولة من العالم الثالث.
وحتى لو سلمنا بالتمييز، فيما يتعلق بالمصروفات في بلد مثل مصر، تعانى فيها الجامعات الحكومية تكدسا وفقرا في الامكانيات قد يجعلنا نبرر ذلك.
إلا أنه سيكون من العجيب والمؤسف، أن يخرج علينا البعض بدعوة فحواها، التمييز في مستوى الخدمة المقدمة، وهو التمييز الذى لم يفصح الدكتور بوضوح عن طبيعته.
هل يقصد مثلا، أن يتم فصل الطلاب العرب في فصول دراسية فايف ستارز داخل الحرم الجامعي، أو خارجه في أحد الفنادق، يحظر على الطلاب المصريين «السكّة» دخولها؟.
هل سيستجلب أفضل الأساتذة وأعظمهم للتدريس لهم دون أقرانهم في نفس الجامعة؟!.
هل سيخصص مطاعم وكافتيريات فاخرة لهم تقدم المشروبات والوجبات بالأسعار السياحية؟.
أم تراه سيبني لهم مدرجا علويا فاخرا، داخل كل مدرج من مدرجات الجامعة، على أن يتم الولوج إليه من مدخل مختلف؟.
وحسبي أنه لو نفذ هذا الاقتراح الأخير، فإنه ستكون فرصة ذهبية، لتشغيل العشرات من موظفي الجامعة، القابعين على مكاتبهم بلا عمل، إذا سيتطلب الأمر تخصيص واحد منهم على الأقل، للوقوف على باب كل مدرج، للتأكد من هوية الطلاب، وتوجيه كل منهم إلى مكانه الصحيح عبر طرح السؤال الشهير: صالة ولاّ لوج؟!.