صالة‭ ‬ولاّ‭ ‬لوج؟‭!‬

صالة‭ ‬ولاّ‭ ‬لوج؟‭!‬
حازم شريف

حازم شريف

10:35 ص, الأحد, 12 يونيو 05

لم‭ ‬أصدق‭ ‬عيناي وأنا‭ ‬أطالع‭ ‬تصريحا‭ ‬للدكتور‭ ‬علي‭ ‬عبدالرحمن،‭ ‬رئيس‭ ‬جامعة‭ ‬القاهرة،‭ ‬نشرته‭ ‬جريدة‭ ‬المصري‭ ‬اليوم‭ ‬فى‭ ‬صدر‭ ‬صفحتها‭ ‬الأولى‭ ‬يوم‭ ‬الخميس‭ ‬الماضي،‭ ‬يؤكد‭ ‬فيه‭ ‬أن‭ ‬الجامعة،‭ ‬ستعمل‭ ‬على‭ ‬توفير‭ ‬أماكن‭ ‬مميزة‭ ‬للطلاب‭ ‬العرب،‭ ‬مقابل‭ ‬العائد‭ ‬الذى‭ ‬تحصل‭ ‬عليه‭ ‬من‭ ‬التحاقهم‭ ‬بها.

‬وأضاف‭ ‬مبررا‭: ‬أنه‭ ‬لا‭ ‬يمكن‭ ‬أن‭ ‬يجلس‭ ‬الطالب‭ ‬العربي،‭ ‬الذى‭ ‬يدفع‭ ‬ثلاثة‭ ‬آلاف‭ ‬جنيه‭ ‬استرليني‭ ‬في‭ ‬العام،‭ ‬مع‭ ‬الطالب‭ ‬المصري‭ ‬في‭ ‬قاعة‭ ‬واحدة‭.

‬ وكأي‭ ‬مصلح‭ ‬اجتماعى‭ ‬ثوري،‭ ‬يخشى‭ ‬على‭ ‬دعوته‭ ‬من‭ ‬ردة‭ ‬فعل‭ ‬الغوغاء‭ ‬من‭ ‬العامة،‭ ‬لم‭ ‬يفت‭ ‬الدكتور‭ ‬أن‭ ‬يعبر‭ ‬عن‭ ‬مخاوفه،‭ ‬من‭ ‬أن‭ ‬تواجه‭ ‬دعوته‭ ‬انتقادات‭ ‬من‭ ‬المجتمع‭ ‬المصرى،‭ ‬باعتبارها‭ ‬تمثل‭ ‬تفريقا‭ ‬بين‭ ‬الطالب‭ ‬المصري‭ ‬وزميله‭ ‬العربي‭.

‬ والحقيقة‭ ‬أنني‭ ‬أخالف‭ ‬الدكتور‭ ‬فيما‭ ‬ذهب‭ ‬إليه‭ ‬من‭ ‬أن‭ ‬دعوته‭ ‬تمثل‭ ‬تفريقا،‭ ‬بل‭ ‬إنها‭ ‬تمييزا‭ ‬واضحا،‭ ‬يكاد‭ ‬يشابه‭ ‬في‭ ‬جرمه،‭ ‬التمييز‭ ‬العنصري‭ ‬أو‭ ‬الجنسي‭ ‬أو‭ ‬العرقي،‭ ‬بل‭ ‬هو‭ ‬خليط‭ ‬من‭ ‬تلك‭ ‬الأنواع‭ ‬المتعددة‭ ‬السابقة،‭ ‬مضافا‭ ‬إليها‭ ‬التمييز‭ ‬الاجتماعي‭.

‬ وللدكتور‭ ‬أن‭ ‬يخاف‭ ‬بحق‭ ‬وأن‭ ‬يخشى،‭ ‬لا‭ ‬لأن‭ ‬ردود‭ ‬الفعل‭ ‬الغاضبة‭ ‬ستستنكر‭ ‬عليه‭ ‬من‭ ‬الناحية‭ ‬المبدئية‭ ‬ممارسته‭ ‬هذا‭ ‬التمييز،‭ ‬بل‭ ‬ليقيني‭ ‬أن‭ ‬أغلبها‭ ‬ستقرعه‭ ‬وتجلده،‭ ‬لعدم‭ ‬ممارسته‭ ‬التمييز‭ ‬العكسي‭ ‬تجاه‭ ‬الطلاب‭ ‬العرب،‭ ‬لصالح‭ ‬أقرانهم‭ ‬المصريين‭ ‬أولاد‭ ‬البلد!.

‬وسيخرج‭ ‬عليه‭ ‬كثيرون‭ ‬لا‭ ‬مراء – من‭ ‬بينهم‭ ‬عدد‭ ‬لا‭ ‬بأس‭ ‬به‭ ‬من‭ ‬كبار‭ ‬الكتاب‭ ‬في‭ ‬الصحف‭ ‬الحكومية‭ ‬والمعارضة‭،- ‬يسبونه‭ ‬بعد‭ ‬وصلة‭ ‬معتبرة‭ ‬في‭ ‬هجاء‭ ‬‮«‬الأخوة‮»‬‭ ‬العرب‭ ‬ولعن‭ ‬‮«‬أخشاشهم‮»‬،‭ ‬مع‭ ‬وضع‭ ‬بعض‭ ‬بهارات‭ ‬الردح‭ ‬السوقية‭ ‬المتداولة‭ ‬من‭ ‬قبيل‭ ‬العرب‭ ‬جرب،‭ ‬وماذا‭ ‬أخذنا‭ ‬من‭ ‬العرب،‭ ‬وماذا‭ ‬جلبوا‭ ‬لنا‭ ‬غير‭ ‬الفقر‭ ‬والمرض،‭ ‬بعدما‭ ‬باعوا‭ ‬القضية‭ ‬وتركونا‭ ‬لسنوات‭ ‬نحارب‭ ‬بالنيابة‭ ‬عنهم.

إلى‭ ‬آخره‭ ‬من‭ ‬تلك‭ ‬المفردات‭ ‬والعبارات‭، ‬التي‭ ‬اعتدنا‭ ‬أن‭ ‬نقذف‭ ‬بها‭ ‬‮«‬الأخوة‮»‬‭ ‬العرب‭- ‬لاحظ‭ ‬كلمة‭ ‬الأخوة- ‬في‭ ‬كل‭ ‬مناسبة‭ ‬وبدون‭ ‬مناسبة‭.‬

وليت‭ ‬التمييز‭ ‬والتمييز‭ ‬المضاد‭ ‬مقصورا‭ ‬في‭ ‬ثقافة‭ ‬مجتمعنا‭ ‬‮«‬الرائد‮»‬‭ ‬على‭ ‬الثنائية،‭ ‬نحن‭ ‬والعرب،‭ ‬إلا‭ ‬أنه‭ ‬ولسوء‭ ‬الحظ،‭ ‬يتمد‭ ‬ليشمل‭ ‬الثنائية‭ ‬الأوسع، ‬نحن‭ ‬والعالم!.

وأذكر أنه منذ عدة أشهر، أصطحبت أبني إلى القلعة،‭ ‬وفاتني‭ ‬أن‭ ‬أسأل‭ ‬قبلها‭ ‬عن‭ ‬مواعيد‭ ‬الزيارة‭ ‬الرسمية،‭ ‬وبينما‭ ‬الموظف‭ ‬المسئول‭ ‬يبلغنى‭ ‬بعدم‭ ‬إمكاني‭ ‬الدخول‭ ‬لانتهاء‭ ‬الوقت‭ ‬المحدد،‭ ‬إذا‭ ‬به‭ ‬يسمح‭ ‬لبعض‭ ‬السياح الأجانب بالمرور عبر البوابة.

في الوقت الذي ‭ ‬تصدى‭ ‬بجسده‭ ‬لي‭ ‬ولبعض‭ ‬المصريين‭ ‬من‭ ‬الزوار‭ ‬‮«‬اللوكال‮»‬،‭ ‬وعلى‭ ‬الفور‭ ‬نشبت‭ ‬مشاجرة،‭ ‬تدخل‭ ‬فيها‭ ‬أمة‭ ‬لا‭ ‬إله‭ ‬إلا‭ ‬الله،‭ ‬وانقسم‭ ‬الجميع‭ ‬من‭ ‬حولي‭ ‬إلى‭ ‬فريقين.

‬الأول‭ ‬يحاول‭ ‬أن‭ ‬يهدئ‭ ‬من‭ ‬روعي،‭ ‬وحجته‭ ‬أن‭ ‬من‭ ‬سمح‭ ‬الموظف‭ ‬بدخولهم‭ ‬سياح‭ ‬أجانب،‭ ‬يمثلون‭ ‬مصدر‭ ‬رزق‭ ‬لنا،‭ ‬ومن‭ ‬ثم‭ ‬فلا‭ ‬مانع‭ ‬من‭ ‬تمييزهم!، ‬أي‭ ‬أن‭ ‬هذا‭ ‬الفريق‭ ‬من‭ ‬أنصار‭ ‬الدكتور‭ ‬رئيس‭ ‬جامعة‭ ‬القاهرة‭.

‬ أما‭ ‬الفريق‭ ‬الثاني،‭ ‬فقد‭ ‬اشتد‭ ‬به‭ ‬الغضب،‭ ‬وظلوا‭ ‬يزايدون‭ ‬على‭ ‬الجميع،‭ ‬ويسبون‭ ‬الموظف‭ ‬الذي‭ ‬كان‭ ‬ينبغي‭ ‬عليه -‬من‭ ‬وجهة‭ ‬نظرهم‭ – ‬أن‭ ‬يميز‭ ‬المصريين‭ ‬على‭ ‬الأجانب‭ ‬‮«‬الكفرة‮»‬‭ – ‬ولا‭ ‬مؤاخذة‭ – ‬ولاد‭ ‬الكلب!، ‬وهؤلاء‭ ‬بالطبع‭ ‬يمثلون‭ ‬الأغلبية‭ ‬التي‭ ‬ستطالب‭ ‬بإعدام‭ ‬الدكتور!.

‬ وعبثا‭ ‬أن‭ ‬تحاول‭ ‬إقناع‭ ‬هذا‭ ‬الفريق‭ ‬أو‭ ‬ذاك،‭ ‬بما‭ ‬تعتقد‭ ‬أنه‭ ‬قد‭ ‬بات‭ ‬مسلمة‭ ‬بديهية،‭ ‬من‭ ‬أنه‭ ‬ليس‭ ‬من‭ ‬الفضيلة‭ ‬في‭ ‬شيء،‭ ‬أن‭ ‬تميز‭ ‬شخصا‭ ‬على‭ ‬الآخر،‭ ‬لاختلاف‭ ‬جنسه‭ ‬أو‭ ‬لونه‭ ‬أو‭ ‬جنسيته،‭ ‬خاصة‭ ‬إذا‭ ‬ما‭ ‬كان‭ ‬الأمر‭ ‬مرتبطا‭ ‬بتقديم‭ ‬خدمة،‭ ‬سواء‭ ‬كانت‭ ‬فى‭ ‬مزار‭ ‬سياحي،‭ ‬أو‭ ‬في‭ ‬الحرم‭ ‬الجامعي،‭ ‬وهي‭ ‬من‭ ‬وجهة‭ ‬نظرى‭ ‬البدعة‭ ‬التي تفرد‭ ‬بها‭ ‬الدكتور‭.

‬ فعلى‭ ‬حد‭ ‬علمي،‭ ‬لم‭ ‬يسبق‭ ‬لى‭ ‬أن‭ ‬سمعت‭ ‬عن‭ ‬جامعة‭ ‬محترمة،‭ ‬تميز‭ ‬في‭ ‬مصاريف‭ ‬الدراسة‭ ‬بها‭ ‬بين‭ ‬طالب‭ ‬والثانى‭ ‬بناء‭ ‬على‭ ‬جنسيته،‭ ‬وإنما‭ ‬تقوم‭ ‬هذه‭ ‬الجامعات،‭ ‬بإعطاء‭ ‬منح‭ ‬للمتفوقين،‭ ‬وأحيانا‭ ‬لبعض‭ ‬الطلاب‭ ‬غير‭ ‬القادرين،‭ ‬الذين‭ ‬ينتمون‭ ‬لدولة‭ ‬من‭ ‬العالم‭ ‬الثالث‭.‬

وحتى‭ ‬لو‭ ‬سلمنا‭ ‬بالتمييز،‭ ‬فيما‭ ‬يتعلق‭ ‬بالمصروفات‭ ‬في‭ ‬بلد‭ ‬مثل‭ ‬مصر،‭ ‬تعانى‭ ‬فيها‭ ‬الجامعات‭ ‬الحكومية‭ ‬تكدسا‭ ‬وفقرا‭ ‬في‭ ‬الامكانيات‭ ‬قد‭ ‬يجعلنا‭ ‬نبرر‭ ‬ذلك.

‭ ‬إلا‭ ‬أنه‭ ‬سيكون‭ ‬من‭ ‬العجيب‭ ‬والمؤسف،‭ ‬أن‭ ‬يخرج‭ ‬علينا‭ ‬البعض‭ ‬بدعوة‭ ‬فحواها،‭ ‬التمييز‭ ‬في‭ ‬مستوى‭ ‬الخدمة‭ ‬المقدمة،‭ ‬وهو‭ ‬التمييز‭ ‬الذى‭ ‬لم‭ ‬يفصح‭ ‬الدكتور‭ ‬بوضوح‭ ‬عن‭ ‬طبيعته‭.‬

هل‭ ‬يقصد‭ ‬مثلا،‭ ‬أن‭ ‬يتم‭ ‬فصل‭ ‬الطلاب‭ ‬العرب‭ ‬في‭ ‬فصول‭ ‬دراسية‭ ‬فايف‭ ‬ستارز‭ ‬داخل‭ ‬الحرم‭ ‬الجامعي،‭ ‬أو‭ ‬خارجه‭ ‬في‭ ‬أحد‭ ‬الفنادق،‭ ‬يحظر‭ ‬على‭ ‬الطلاب‭ ‬المصريين‭ ‬‮«‬السكّة‮»‬‭ ‬دخولها؟.

هل‭ ‬سيستجلب‭ ‬أفضل‭ ‬الأساتذة‭ ‬وأعظمهم‭ ‬للتدريس‭ ‬لهم‭ ‬دون‭ ‬أقرانهم‭ ‬في‭ ‬نفس‭ ‬الجامعة؟!.

‬ هل‭ ‬سيخصص‭ ‬مطاعم‭ ‬وكافتيريات‭ ‬فاخرة‭ ‬لهم‭ ‬تقدم‭ ‬المشروبات‭ ‬والوجبات‭ ‬بالأسعار‭ ‬السياحية؟.

أم‭ ‬تراه‭ ‬سيبني‭ ‬لهم‭ ‬مدرجا‭ ‬علويا‭ ‬فاخرا،‭ ‬داخل‭ ‬كل‭ ‬مدرج‭ ‬من‭ ‬مدرجات‭ ‬الجامعة،‭ ‬على‭ ‬أن‭ ‬يتم‭ ‬الولوج‭ ‬إليه‭ ‬من‭ ‬مدخل‭ ‬مختلف؟.

وحسبي‭ ‬أنه‭ ‬لو‭ ‬نفذ‭ ‬هذا‭ ‬الاقتراح‭ ‬الأخير،‭ ‬فإنه‭ ‬ستكون‭ ‬فرصة‭ ‬ذهبية،‭ ‬لتشغيل‭ ‬العشرات‭ ‬من‭ ‬موظفي‭ ‬الجامعة،‭ ‬القابعين‭ ‬على‭ ‬مكاتبهم‭ ‬بلا‭ ‬عمل، ‬إذا‭ ‬سيتطلب‭ ‬الأمر‭ ‬تخصيص‭ ‬واحد‭ ‬منهم‭ ‬على‭ ‬الأقل،‭ ‬للوقوف‭ ‬على‭ ‬باب‭ ‬كل‭ ‬مدرج،‭ ‬للتأكد‭ ‬من‭ ‬هوية‭ ‬الطلاب،‭ ‬وتوجيه‭ ‬كل‭ ‬منهم‭ ‬إلى‭ ‬مكانه‭ ‬الصحيح‭ ‬عبر‭ ‬طرح‭ ‬السؤال‭ ‬الشهير: ‬صالة‭ ‬ولاّ‭ ‬لوج؟‭!‬.