رأى خبراء ليبيون أن نجاح اتفاق وقف إطلاق النار الدائم الذي وقعه الجمعة بجنيف ممثلون عسكريون عن الفرقاء الليبيين، مرهون بإنهاء كافة التدخلات الأجنبية في البلاد، وجدية المتداخلة في تبني الحوار كسبيل وحيد لحل أزمة تورطت فيها دول إقليمية وأجنبية.
إنهاء التدخلات الأجنبية
وأعلنت بعثة الأمم المتحدة للدعم في ليبيا الجمعة في بيان عن توقيع وفدي اللجنة العسكرية الليبية المشتركة (5+5) على اتفاق دائم لوقف إطلاق النار في ليبيا بجنيف، وهو ما قوبل بترحيب إقليمي ودولي.
وقال أستاذ العلاقات الدولية بالجامعات الليبية خالد المنتصر، لوكالة أنباء ((شينخوا)) اليوم (السبت) إن “اتفاق وقف إطلاق النار الدائم في هذه المرحلة الحساسة أمر إيجابي جدا بعدما كانت الأزمة الليبية تتجه نحو مزيد من التصعيد العسكري خلال الفترة المقبلة”.
وأضاف المنتصر “لقد دعمت شكلا جميع دول الجوار والدول الإقليمية والأجنبية المتداخلة في الأزمة الليبية وقف إطلاق النار، لكن الأهم باعتقادي هو دعم الاتفاق مضمونا، وعدم محاولة إظهار دول بعينها دعمه أمام العالم، وفي نفس الوقت لا تتوقف عن تزويد أطراف الصراع في ليبيا بالسلاح والمرتزقة”.
وأشار إلى أن هذا الأمر (تزويد أطراف الصراع في ليبيا بالسلاح) “حدث طيلة فترات الهدنة والوقف المؤقت للعمليات العسكرية خلال العام الماضي والجاري، وينبغي الحرص على عدم إعادة الكرة مجددا حتى لا يصبح اتفاق جنيف حبرا على ورق كسابقه من اتفاقات”.
خروج المرتزقة
وتوافق وفدا اللجنة العسكرية الليبية المشتركة في اتفاق الجمعة بجنيف على إخلاء جميع خطوط التماس من الوحدات العسكرية والمجموعات المسلحة، بالتزامن مع خروج جميع المرتزقة والمقاتلين الأجانب من الأراضي الليبية في مدة أقصاها ثلاثة أشهر.
كما يتضمن البدء بشكل فوري في عملية حصر وتصنيف المجموعات المسلحة ووضع آلية وشروط لإعادة دمج أفرادها بشكل فردي في مؤسسات الدولة.
واتفق الجانبان أيضا على اتخاذ التدابير العاجلة لتبادل المحتجزين بسبب العمليات العسكرية أو القبض على الهوية بين الطرفين.
ولا يسري وقف إطلاق النار على المجموعات المصنفة دوليا “إرهابية”، بحسب الاتفاق.
ورأى المحلل السياسي الليبي خالد الترهوني، أن حالة من الشك والحذر مازالت حاضرة لدى طرفي النزاع في ليبيا رغم إعلان اتفاق وقف إطلاق النار.
وأوضح الترهوني ل((شينخوا)) إنه “عقب إعلان الاتفاق بساعات قليلة، رحب فائز السراج بالاتفاق ووصفه بأنه يحقن دماء الليبيين، لكن تعليقه شابه الحذر ولم يتحدث عن الاتفاق وفرص نجاحه بل طالب بضمانات دولية لمنع تكرار الحرب، وفي الطرف المقابل لم يصدر المشير حفتر أي تعليق، ما يوضح حالة الشك والحذر السائدة وعدم الثقة بين طرفي النزاع”.
استمرار انعدام الثقة
ووصف رئيس حكومة الوفاق الوطني المعترف بها من المجتمع الدولي فائز السراج، اتفاق وقف إطلاق النار، بأنه “يحقن الدماء ويرفع المعاناة عن المواطنين ويمهد لنجاح طريق المسارات الأخرى الاقتصادية والسياسية”.
لكنه طالب بضمانات دولية تبعد شبح الحرب مجددا، مؤكدا على أن “لا تساهل مع من ارتكب جرائم في حق الليبيين، ومن خلف عند انسحابه ألغاما ومقابر جماعية”، في إشارة لقوات المشير خليفة حفتر.
ولم تصدر قوات حفتر أي تعليق رسمي حول الاتفاق.
وكانت قوات “الجيش الوطني” بقيادة المشير حفتر، قد شنت في أبريل 2019 هجوما عسكريا للسيطرة على طرابلس مقر حكومة الوفاق الوطني، قبل أن يدخل وقف لإطلاق النار حيز التنفيذ في 12 يناير الماضي بدعوة روسية تركية لوقف القتال.
لكن طرفي النزاع تبادلا على الدوام اتهامات بخرق الهدنة قبل أن تتمكن قوات موالية لحكومة الوفاق الوطني من تحقيق تقدم في معارك ضد قوات حفتر، في مواقع قرب العاصمة الليبية وفي مدن بغرب ليبيا ودفعها إلى الانسحاب صوب مدينة سرت الواقعة على بعد (450 كلم) شرق طرابلس في يونيو الماضي.
وبحسب تقارير، تحظى قوات حكومة الوفاق بدعم تركي، مقابل دعم روسي إماراتي مصري لقوات حفتر، لكن هذه الدول تنفي أي تدخلات عسكرية رسمية في الشأن الليبي.
ولذلك رأى المحلل العسكري الليبي خليفة التليسي، أن اتفاق وقف إطلاق النار كان بحاجة لحزم أممي أكبر عبر التلويح بعقوبات لكل الدول التي تحاول عرقلة تطبيقه وخرق بنوده ردا على التدخلات الأجنبية.
ضرورة توافق الأطراف الدولية
وقال التليسي ل((شينخوا)) إنه “يعتبر إعلان الاتفاق بهذه الصورة قاصرا لأن الجميع يعلم حجم التأثير السلبي للدول الأجنبية في ليبيا، وأن الأطراف على الأرض لا تملك أي أدوات لتطبيق أي اتفاق دون توافق الأطراف الدولية”.
وتابع “أعتقد أن مجلس الأمن كان بحاجة لتحديد عقوبات بحق أي دولة أو كيان يهدد اتفاق وقف إطلاق النار في ليبيا، حتى يكون الاتفاق محصنا من الدول الأجنبية، التي قد تفكر في تجاوزه ومحاولة تحقيق مكاسب عسكرية على الأرض”.
وختم المحلل العسكري، قائلا إنه في كل الأحوال قامت لجنة (5+5) بعمل كبير طيلة الأشهر الماضية، ونجحت على الأقل في جمع ممثلي النزاع العسكريين على طاولة واحدة، وهو أمر لم يكن ممكنا العام الماضي، بل ربما كان مستحيلا، على حد وصفه.
وشكل عمل اللجنة العسكرية أحد المسارات الثلاثة ، التي تعمل عليها الأمم المتحدة إلى جانب المسارين الاقتصادي والسياسي، استنادا إلى قرار مجلس الأمن (2510) للعام 2020، الداعي إلى التوصل إلى اتفاق لوقف دائم لإطلاق النار.
وتتشكل اللجنة العسكرية المشتركة، التي الاتفاق عليها في مؤتمر برلين حول ليبيا في يناير الماضي، من خمسة عسكريين من قوات المشير حفتر وخمسة من قوات حكومة الوفاق للاتفاق على تثبيت وقف إطلاق النار في عموم ليبيا.
وتعاني ليبيا من فوضى أمنية وصراع على السلطة منذ الإطاحة بنظام معمر القذافي في العام 2011، ويدور الصراع في الوقت الحالي بين حكومة في طرابلس تحظى بدعم المجتمع الدولي، وأخرى في الشرق غير معترف بها يدعمها مجلس النواب وقوات “الجيش الوطني” بقيادة حفتر.
يشار إلى أن هذه المقالة نقلا عن وكالة شينخوا بموجب اتفاق لتبادل المحتوى مع جريدة المال.