بعد أيام من اختتام الرئيس الأمريكي جو بايدن جولته الأولى في الشرق الأوسط بهدف حشد الدعم، شهدت المنطقة مجموعة من التطورات الإقليمية، ما أظهر سعي الدول الإقليمية الحثيث إلى الاستقلال الاستراتيجي وسأمها من التدخل الأمريكي.
وبعد زيارة بايدن، زار الرئيس التركي رجب طيب أردوغان إيران بصحبة الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، واختار رئيس دولة الإمارات العربية المتحدة الشيخ محمد بن زايد آل نهيان باريس، بدلا من واشنطن، كوجهة لزيارته الأولى إلى الخارج، بينما اتفقت طهران والرياض على عقد محادثات المصالحة العامة.
ويقول محللون إن وراء هذه التحركات المساعي المشتركة للتنمية والأمن من قبل الدول الإقليمية، حيث إنها تسعى لأن تستعيد بأيديها الاستقلال الاستراتيجي الذي طغى عليه النفوذ الأمريكي.
الإحجام عن الانحياز
مع استمرار تصاعد الأزمة الأوكرانية، رفضت معظم دول الشرق الأوسط الانضمام إلى “المعسكر المناهض لروسيا” بقيادة الولايات المتحدة، ما يظهر الانشقاق بينهما. فعلى سبيل المثال، في شهر فبراير، امتنعت الإمارات عن التصويت لصالح قرار دعمته الولايات المتحدة بشأن إدانة روسيا في مجلس الأمن الدولي.
وفيما يتعلق بقضية الطاقة، تحث الولايات المتحدة وبريطانيا الدول الغنية بالنفط في الشرق الأوسط إلى زيادة إنتاج النفط من أجل تقليل أسعار النفط وتخفيف أزمة الطاقة، لخلق مساحة سياسية لمزيد من الضغط على روسيا.
ولكن، لم تظهر السعودية ودول الخليج الأخرى اهتماما كبيرا بالتعاون مع الولايات المتحدة فيما يتعلق بشؤون النفط، حيث إن هذه الخطوة تقوض مصالحها الوطنية. وقالت الرياض مرارا أنه لن يتم زيادة إنتاج النفط في المملكة حتى يتم التوصل إلى اتفاق مع شركائها في “أوبك بلس” خلال الاجتماع القادم في أغسطس.
وقال فان هونغ دا، أستاذ في معهد دراسات الشرق الأوسط بجامعة شانغهاي للدراسات الدولية في الصين، إن دول الشرق الأوسط أظهرت “ثقة متزايدة في مواجهة قوى العالم”، مضيفا أن قوى الطاقة التقليدية في الشرق الأوسط “تتزايد سريعا” وأصبح صوتها مسموعا في الساحة الدولية.
رياح المصالحة
كانت جولة بايدن الأولى إلى الشرق الأوسط تهدف إلى حشد الدعم لمواجهة ما وصفه “بالتهديدات الإيرانية”، لكن على أحسن تقدير فإن الإنجاز الفعلي لم يتحقق على أكمل وجه. وبالرغم من تصعيد واشنطن للتهديد الإيراني، قال العراق مؤخرا إنه يعتزم استضافة اجتماع “عام” بين إيران والسعودية على مستوى وزراء الخارجية في إطار محادثات المصالحة المتتابعة بوساطة بغداد.
يعد هذا التطبيع المحتمل في العلاقات الإيرانية-السعودية جزءا من عملية مصالحة أوسع نطاقا في المنطقة، حيث تسعى دول، من بينها تركيا والسعودية والإمارات ومصر إلى تعديل سياساتها الخارجية ورأب الصدع في علاقاتها بعد أعوام من العداء.
منذ فترة طويلة، تحاول الولايات المتحدة أن تعزز نفوذها الإقليمي من خلال إثارة المواجهة بين الكتل، واستغلال العلاقات المتوترة بين الدول الإقليمية للتدخل، ولكن دول الشرق الأوسط أدركت على نطاق واسع أن هذا الأمر يتعارض مع مصالح المنطقة، وفقا لما قاله سياسيون ومحللون.
وقال وزير الخارجية الأردني أيمن الصفدي مؤخرا، إن “الحوار هو أفضل سياسة لمعالجة التوترات القائمة”، مضيفا أن “المنطقة تعاني من أزمات كافية ولا نريد المزيد من التوترات”.
وقال الأستاذ فان إنه بالتوازي مع الحد من التوترات، فإن التنمية “تزداد أهمية” على الأجندة الوطنية لدول الشرق الأوسط، وتعمل الدول الإقليمية على تعزيز التعاون مع بعضها البعض لتحقيق التنمية.
“يقظة الشرق الأوسط”
قال بايدن خلال حديثه في قمة مع زعماء عرب في إطار جولته الأخيرة، إن الولايات المتحدة “لن تبتعد” عن الشرق الأوسط وتترك ما يسمى “بالفراغ” لتملأه دول كبرى أخرى.
غير أن ، مثل هذه التصريحات لبايدن تعكس “مشكلات خطيرة مع التصور الحالي للشرق الأوسط في الولايات المتحدة،” و”تسعى دول الشرق الأوسط اليقظة دائما إلى التخلص عمدا من نفوذ قوى العالم على المنطقة أو الحد منه”.
وقال فان الأستاذ في معهد دراسات الشرق الأوسط بجامعة شانغهاي، إنه تتم إعادة تشكيل الشرق الأوسط، وتتسم هذه العملية بدور أكبر لدول المنطقة.
وفي الوقت نفسه، من أجل الحصول على الاستقلال الذاتي، سعت اقتصادات الشرق الأوسط الغنية بالنفط إلى تنويع اقتصاداتها والحد من اعتمادها على المواد الهيدروكربونية خلال السنوات القليلة الماضية، من أجل تعزيز قدراتها على تحمل المخاطر.
وكتب عديل مالك باحث اقتصادي في جامعة أوكسفورد، “القوى الأجنبية لها بصمة اقتصادية وسياسية وعسكرية عميقة في المنطقة. وتتمتع دول الشرق الأوسط المستقلة اقتصاديا بالقدرة على تحدي الأنماط الراسخة للهيمنة الخارجية وتقويض الإرث الممتد لسياسة فرق تسد”.
يشار إلى أن هذه المادة نقلا عن وكالة شينخوا الصينية بموجب اتفاق لتبادل المحتوى مع جريدة المال.