ما زال المشاة يرتدون الأقنعة الطبية في شوارع قوانغتشو، مايو الحالي، بينما شرعت الحياة في العودة إلى طبيعتها في هذه المدينة بجنوبي الصين مع تراجع الوباء في البلاد، حيث شعر توفيق القليسي، شاب يمني مقيم هنا، بالراحة مرة أخرى بعدما أحسّ مع أسرته بنبض الحياة يدب في المدينة.
ولم تكن قوانغتشو مدينة غريبة بالنسبة للقليسي، حيث تتبع والده التاجر إلى المدينة في عام 2008 وأقام فيها منذ ذلك، حينما كان يبلغ من العمر 18 عامًا. وفي الوقت الراهن اشترى القليسي شقة في المدينة المجاورة، وتزوج وأطلق أعماله الخاصة للتصدير والاستيراد… فقد وجد حياته هنا.
كأحد أوائل المتطوعين الأجانب في المدينة، شارك القليسي في عمل تطوعي منذ فبراير الماضي لمكافحة فيروس كورونا الجديد.
“ساعَدَني الصينيون بكل مودة وكرم، ما جعلني أشعر بأنني في بلدي وأنا أجنبيٌّ في الحقيقة. وقدموا أيدي الدعم لي، خاصة في الوقت الصعب بالنسبة لي”. قال ذلك القليسي، وأضاف أنه حان الوقت ليسدّ امتنانه مقابل ذلك.
وفي وقت مبكر بعد تفشّي الوباء، كان هناك نقص شديد في الأقنعة الطبية وغيرها من اللوازم الوقائية. فاشترى القليسي كمية كبيرة من الأقنعة الطبية من الخارج ووزعها مجانًا للمحتاجين في شوارع مدينة قوانغشتو.
وكمتطوع، انضم القليسي في الخطوط الأمامية للمعركة ضد الفيروس منذ بداية فبراير، حيث قام بأعمال قياس درجات الحرارة للمسافرين الواصلين إلى المدينة أو المغادرين لها، وترجمة الدليل المنشور بشأن مكافحة الوباء، وتوضيح الطلبات المحلية لمكافحة الوباء للأجانب المقيمين في المدينة، فضلًا عن تبرعه الطوعي بالدم… ذكر القليسي أنه يعمل كل ما بوسعه في المعركة قائلًا: “أينما تكن هناك حاجة إليَّ سأكون موجودًا”.
وسجلت قوانغتشو أول حالة إصابة وافدة من خارج الصين بـ”كوفيد-19″ يوم 15 مارس الماضي، ومن أجل السيطرة على تفشي الوباء، قامت المدينة بفحص الأشخاص القادمين من المناطق ذات المخاطر المرتفعة في المدينة منذ 5 أبريل، سواء للصينيين والأجانب.
وخضع القليسي مع أسرته لفحص الحمض النووي في وقت مبكر، ثم اضطلع للعمل الطوعي في المجمع القريب لمساعدة موظفي المجمع في التعامل مع الأجانب المقيمين لقياس درجة الحرارة عند مساكنهم وتفسير تعليمات السلطات المحلية لهم.
وقال القليسي إن هناك بعض الناس لم يفهموا أهمية الحجر الصحي في البيت وأصبحوا غاضبين أحيانًا “وبعد شرحي بصبر، تفهّموا قصد العمل وتعاملوا معنا”.
“الرؤية هي عين اليقين” هذا ما قاله القليسي دائمًا لأسرته وأصدقائه في اليمن، وأضاف أن “الشعب الصيني صديق جدًّا ويتعامل مع جميع الأجانب على حد سواء”، مشيرًا إلى أن بعض الشائعات على الإنترنت التي تقول إن الصين تتعامل مع الأجانب الأفارقة بعنف وتمييز “غير حقيقية وإنها ليست إلا أخبارًا مزيفة”.
وأشار القليسي إلى أن الحجر الصحي وفحص الحمض النووي إجراءان نافعان من أجل حماية أمن المدينة والشعب جميعًا، مؤكدًا أنه يتعامل مع عشرات الأجانب بشكل يومي في عمله الطوعي، حيث يقيس درجة الحرارة لهم في مكانهم ويسمع احتياجاتهم، مضيفًا أن ترتيب خضوع الأجانب للحجر الصحي كان جيدًا جدًّا، وتم سدّ معظم احتياجاتهم رغم أن المدينة كانت تمر بصعوبة كبيرة أيضًا.
وخفضت مقاطعة قوانغدونغ التي تعد قوانغتشو حاضرتها، مستوى الاستجابة لحالات الطوارئ بشأن “كوفيد- 19” من الدرجة الثانية إلى الدرجة الثالثة في يوم 9 مايو الحالي، تزامنًا مع ذلك، يتوقع أن يعاد فتح المكاتب والمتاحف والمسارح ودُور السينما مع تنفيذ الإجراءات الوقائية المطلوبة، بينما ستستأنف المؤتمرات والمعارض عملها في القريب.
وفي عيني القليسي، قد عادت الحيوية إلى مدينة قوانغتشو التي عاش فيها 12 سنة، إلى حد كبير، الأمر الذي لم يكن ليحدث لولا إجراءات الحكومة الصينية الفعالة والمسئولة لاحتواء الوباء- حسب رؤية القليسي.
“ارتداء الأقنعة، وتجنب الزيارة، وغسل اليد” قال القليسي إنها الخبرات التي اكتسبها في العمل التطوعي بالصين، وما يكرره دائمًا لأفراد عائلته وأصدقائه في اليمن ومنطقة الشرق الأوسط.
وتعوّد القليسي على متابعة تحديث بيانات الوباء، وذكر أنه تزامنًا مع استمرار تراجع عدد حالات الإصابة المؤكدة الموجودة في الصين، انتعشت حياته بشكل تدريجي مرة أخرى.
وقال: “الآن، أتوقع أن أعيد أعمالي لكسب الوقت الذي ضاع جراء الوباء”.