قال خبراء مصريون إن مصر أمام “فرصة تاريخية” لحل مشكلة الزيادة السكانية التي تعاني منها منذ عقود، من خلال المشروع القومي لتنمية الأسرة المصرية، الذي أطلقته الحكومة أخيرا ووفرت له جميع عوامل النجاح.
وأطلقت الحكومة المصرية قبل أيام بحضور الرئيس عبدالفتاح السيسي المشروع القومي لتنمية الأسرة المصرية، الذي تضمن عدة محاور لإدارة الزيادة السكانية، التي اعتبرتها الحكومة “قضية أمن قومى”، بهدف خفض معدلات الإنجاب والارتقاء بالخصائص السكانية وجودة الحياة للمواطنين.
الزيادة السكانية في مصر
وبلغ عدد المصريين الذين يعيشون داخل البلاد في 22 فبراير الماضي 103 ملايين نسمة، وذلك بعد أن وصل عدد المواليد المسجل خلال عام 2021 لنحو 2.159 مليون مولود، ووفقا للجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء.
وأوضح الجهاز المركزي أن استمرار المستويات المرتفعة للإنجاب بواقع 2.9 طفل لكل سيدة سوف يؤدي إلى زيادة عدد سكان مصر إلى 124 مليون نسمة في عام 2032، مقابل 117 مليون نسمة إذا انخفضت مستويات الإنجاب إلى 1.6 طفل لكل سيدة.
وتحتل مصر، الترتيب الأول بين الدول العربية، والثالث بين الدول الأفريقية، والرابع عشر بين دول العالم من حيث عدد السكان.
وفي هذا الصدد، قال الخبير السكاني الدكتور عمرو حسن إن “إطلاق المشروع القومي لتنمية الأسرة المصرية فرصة تاريخية لغلق ملف الزيادة السكانية، الذي قامت مصر بفتحه منذ العام 1965 في عهد الرئيس الراحل جمال عبد الناصر، عندما تم إنشاء المجلس الأعلى لتنظيم الاسرة”.
وأضاف حسن، وهو مقرر المجلس القومي للسكان سابقا، لوكالة أنباء ((شينخوا)) “نحن الآن في العام 2022، أي أن هذا الملف مفتوح منذ 57 عاما، وهناك دول بدأت معنا وانتهت من هذا الملف منذ 15 عاما، ما يعني أن مصر متأخرة، لكن الدولة قادرة على النجاح في هذا الملف، في ظل توفر الإرادة السياسية القوية، وهذا ظاهر في تصريحات الرئيس عبد الفتاح السيسي”.
مشروع تنموي شامل
وتابع أن “المشروع القومي لتنمية الأسرة المصرية يتميز بأنه مشروع تنموي شامل وليس تنظيم أسرة وصحة فقط، ويضم خمسة محاور منها التمكين الاقتصادي للمرأة وتنفيذ مشاريع اقتصادية تعمل بها، كما أنه مشروع يستهدف الأسرة وليس الأفراد، عكس كل المشروعات السابقة التي كانت تستهدف المرأة فقط”.
ويتضمن المشروع عدة محاور، هي محور التمكين الاقتصادي، ومحور التدخل الخدمي، ومحور التدخل الثقافي والتوعوي والتعليمي، ومحور التحول الرقمي، إلى جانب محور التدخلات التشريعية.
وأردف الخبير المصري أن “المشروع يستخدم لأول مرة سلاح لم تستخدمه الدولة المصرية قبل ذلك وهو سلاح الحوافز الإيجابية، حيث ستحصل الأسر الملتزمة بالمشروع على حوافز ومكافآت مالية”.
ورأى أن “منح حوافز مالية للسيدات وتدريب مليوني سيدة على إدارة المشروعات وإتاحة وسائل الصحة الإنجابية بالمجان سوف يشجع المرأة على ضبط الإنجاب، لأن السيدات حينما يعملن سيكون دخلهن أفضل ولن يفكرن في إنجاب ثلاثة وأربعة أطفال”.
واستطرد “هناك أيضا محور جديد في المشروع القومي سيتم تنفيذه لأول مرة وهو محور التحول الرقمي، حيث ستكون هناك ميكنة للبيانات ومتابعة وتقييم للإجراءات وهو ما سيؤدي إلى التغلب على المشاكل السابقة، ويساعد على حوكمة ملف السكان وبالتالي تحقيق النجاح المطلوب”.
توقعات بنجاح البرنامج
وتوقع حسن “نجاح المشروع في تحقيق أهدافه بسبب توفر عوامل النجاح وهي، أولا: الإرادة السياسية، وثانيا: إطار مؤسسي يدير ملف السكان، وثالثا: وجود استراتيجية وخطة واضحة، ورابعا: التمويل”.
وقال : “نحن ننظر إلى السكان في مصر باعتبارهم أحد عناصر القوة الشاملة للدولة لكن هذا المبدأ ليس مطلقا بل مشروط بألا تتعدى معدلات الزيادة السكانية قدرة الدولة على توفير الخدمات الأساسية بالجودة المناسبة، وألا تؤثر معدلات الزيادة السكانية على متوسط نصيب الفرد من الموارد الطبيعية لاسيما المياه والطاقة والأرض الزراعية، وأن تتناسب مع قدرة الاقتصاد الوطني على تحقيق مستوى مرتفع من التنمية البشرية وخفض معدلات البطالة”.
وأضاف الخبير السكاني أنه “لكى نرتقى بنوعية حياة المواطن المصري لابد من خفض معدلات الزيادة السكانية لإحداث التوازن المفقود بين معدلات النمو الاقتصادي ومعدلات النمو السكاني”.
وحذر من أن “استمرار النمو السكاني على مستوياته الحالية سيؤدى إلى تراجع العائد من جهود التنمية، وسيقل نصيب الفرد من الإنفاق على الصحة والتعليم والإسكان والنقل، وكذلك نصيبه من الأرض الزراعية والمياه والطاقة، كما ستصعب عملية الحد من البطالة والأمية والاكتفاء الغذائي، ومن ثم فإن استمرار معدلات الإنجاب المرتفعة لن يؤثر مستقبلا فحسب على نوعية الحياة وإنما سيشكل أيضاً تهديدا للأمن القومي المصري”.
إما تنظيم الإنجاب أو زيادة الفقر
وواصل “نحن الآن أمام خيارين إما تنظيم الإنجاب أو زيادة الفقر، ومصر لديها فائضا ضخما من السكان يزيد عن إمكانياتها الراهنة، لأن المجتمع المصري يتناسل بصورة مذهلة تحرمه من أن يتمتع بمستوى معيشة المجتمعات العصرية”.
وختم أن “مصر الآن أمام فرصة ذهبية لمواجهة حاسمة لمشكلة الزيادة السكانية، حيث تتوافر إرادة سياسية لحل هذه المشكلة المزمنة، خاصة أن الرئيس السيسي ألقى الضوء مرارا وتكرارا على ضرورة حل هذه المشكلة، وعنده طموح كبير وهدف واضح وهو خفض معدل الزيادة السنوية إلى 400 ألف نسمة، وهو حلم كبير لو تحقق سيساهم في حل الكثير من مشاكل مصر”.
وشاطره الخبير الاقتصادي الدكتور وليد جاب الله بقوله إن إطلاق المشروع القومي لتنمية الأسرة المصرية مهم جدا في هذا التوقيت لمواجهة ارتفاع التعداد السكاني الذي يلتهم النمو الاقتصادي.
ورأى جاب الله، وهو عضو الجمعية المصرية للاقتصاد السياسي، لـ((شينخوا))، أن “هذا المشروع يأتي في إطار جهود الدولة للارتقاء بحياة المواطنين وتحسين مستوى معيشتهم من خلال تدشين المشروعات الصغيرة ومتناهية الصغر، وهو مشروع متكامل يسهم في الحد من الزيادة السكانية ورفع الوعي لدى المواطنين بخطورتها”.
وأضاف أن “المشروع يهتم بتمكين المرأة اقتصاديا لتحصل على كافة حقوقها وتشارك في النشاط الاقتصادي بشكل إيجابي، مما يسهم في زيادة معدل النمو الاقتصادي، ويقدم فرص تدريب لنحو مليوني سيدة فضلا عن برنامج الحوافز المالية وهو ما يشجع المرأة على ضبط الإنجاب”.
وأردف “اعتقد أن ما يميز هذا المشروع هو الإرادة السياسية القوية وسعي الدولة لنجاح هذا المشروع الذي لا يرتبط فقط بالزيادة السكانية وإنما يهتم بتنمية الأسرة المصرية وليس الأفراد، واتوقع أن ينجح في تحقيق أهدافه”.
يشار إلى أن هذه المادة نقلا عن وكالة شينخوا الصينية بموجب اتفاق لتبادل المحتوى مع جريدة المال.