يحتضن حوض نهر الحاصباني والهضاب المحيطة به عند الطرف الغربي لبلدة حاصبيا شرق جنوب لبنان ثروة ضخمة من الحمر (butum) المنسية والمدفونة تحت الأرض، والتي يمكن أن تؤمن حال استخراجها دخلًا يسهم في تحسين الوضع الاقتصادي المنهار في لبنان.
والحمّر كما أشارت العديد من الدراسات والمراجع العلمية يتكون في باطن الأرض على عمق يتراوح بين 60 إلى ألفين متر من بقايا بترولية خسرت بعض مكوناتها على مر الزمان، فتحولت من مادة سائلة لزجة إلى مادة صلبة ناعمة الملمس بلون أسود قاتم.
ثروة ضخمة بجنوب لبنان
بدوره، قال وزير البيئة في حكومة تصريف الأعمال اللبنانية ناصر ياسين لوكالة أنباء «شينخوا» إنه أجرى اتصالات مكثفة لجمع معلومات موثقة حول مناجم الحمر مع كل الجهات الرسمية المعنية في حاصبيا بجنوب لبنان وبينها قائم مقام المنطقة ورئيس البلدية والتنظيم المدني للوقوف على كافة الحيثيات المتوفرة حول هذه المناجم.
وأضاف “عملت في اعقاب ذلك على تشكيل لجنة تضم اخصائيين وخبراء جيولوجيين وبيئيين وفنيين مهمتها إعداد تقرير ميداني علمي شامل ومفصل مبني على وقائع حسية ملموسة حول هذه المناجم والجهات التي اكتشفت الحمر والشركات التي نفذت أعمال الحفر والتنقيب والتشغيل والتصدير والبلدان التي استوردت”.
وأوضح أن تقرير اللجنة سيتضمن المعدات والتجهيزات الضرورية وكلفة اعادة التنقيب والتشغيل بشكل عام وأسعار الحمر العالمية ومقارنتها بكلفة استخراجه والجدوى الاقتصادية المتوقعة.
مصدر للعملة الصعبة
وأضاف “مع إنجاز هذا الملف سأعرضه على مجلس الوزراء لمناقشته واتخاذ القرار المناسب بشأنه، على أمل أن تكون هذه المناجم مدخلًا مهمًا لدعم الاقتصاد اللبناني وتعزيز العملة الوطنية”.
من جانبه، أكد الخبير الجيولوجي الدكتور كمال خير لوكالة أنباء شينخوا أن الأطراف الغربية لبلدة حاصبيا هي موطن الحمر الوحيد في لبنان.
إجازة التنقيب عن النفط والمعادن
وقال إن اكتشاف الحمر في حاصبيا بكميات تجارية كبيرة قد حصل خلال فترة الانتداب الفرنسي للبنان حيث أصدر المفوض السامي الفرنسي العام 1926 تشريعا اجاز فيه التنقيب عن النفط والمعادن واستخراجها واستثمارها في لبنان.
وفي اعقاب ذلك تولت عدة شركات اجنبية مستعينة بخبراء جيولوجيين اعمال الحفر والتنقيب في مناطق عدة بشرق وجنوب لبنان، وشملت الأعمال محيط عشرات القرى بشرق وجنوب البلاد ومنها حاصبيا.
وقد تم اكتشاف مناجم الحمر في مناطق جبل الضهر ووادي الحاصباني غربي بلدة حاصبيا وفي بقعة بطول حوالي 8 كيلو مترات وعرض 4 كيلومترات، وقدرت كميات الحمر المتواجدة في باطنها بحوالي 8 ملايين طن.
من جهته، أشار الخبير الاقتصادي ناجي غبريل لـ(شينخوا) إلى أن لبنان هو البلد الأول في الشرق الأوسط بإنتاج افضل انواع الحمر المعروفة في العالم وأعلاها جودة.
استخراج الحمر
وأوضح بعض كبار السن في بلدة حاصبيا لـ(شينخوا) أن اهالي البلدة تعرفوا على الحمر ايام الحكم العثماني وقبل اكتشافه بهذه الكميات الضخمة بحيث كان المزارعون ورعاة الماشية يجدون الكثير من حجارته السوداء في الحقول وفي السواقي ومجرى نهر الحاصباني.
وقال إن جده والمدعو نسيب غبريل كان قد استحصل وخلال مناقصة اجريت العام 1933 على رخصة استثمار للحمر لمدة 25 سنة وكان ينتج حوالي ألفين طن سنويا عبر التعاقد مع شركات اجنبية ويبيع الطن بسعر يتراوح بين ألف وألف و500 ليرة لبنانية.
وذكر التسعيني محمد ابو دهن ، وهو العامل الوحيد المتبقي على قيد الحياة والذي عمل لفترة في مناجم الحمر في وادي الحاصباني أن استخراج الحمر كان انطلق بطرق بدائية من خلال استعمال المعول والرفش والأزميل والسلال وكانت الكمية المستخرجة قليلة.
وأوضح أنه مع دخول إحدى الشركات الاجنبية تطورت اعمال التنقيب وزاد الانتاج بعدما بات يتم بمعدات متطورة مثل الجرافات لشق الطرقات وآلات لحفر الانفاق اضافة لمصاعد كهربائية لرفع الحمر وعربات بسكك حديدية للنقل عبر الانفاق من باطن الارض إلى الخارج.
وأشار إلى أن الأشغال كانت تجري خلال فصلي الصيف والخريف اي لفترة حوالي 6 اشهر كل عام لتتوقف خلال فصل الشتاء.
وذكر أن الحمر يتواجد على شكل طبقات في باطن الارض وبسماكة تتراوح بين متر مترين ونصف.
وقال إن العمال كانوا يصلون إلى الحمر عبر خنادق و سراديب لا يتجاوز قطرها متر ونصف بعد ان يتم تأمين تهويتها بواسطة فتحات تربط بين الانفاق وسطح الأرض.
بقايا الحمر تتحول إلى أسمدة كيماوية
وأشار إلى ان النتائج المخبرية التي كانت تجريها الشركات المنقبة دلت على أن الحمر الحاصباني يحتوي على 97 % من الحمر الصافي وهي أعلى نسبة عالمية، وان بقايا الحمر بعد معالجتها تتحول إلى أسمدة كيماوية.
ولفت إلى ان كميات الحمر المستخرجة كانت تنقل بواسطة شاحنات إلى مرفأ بيروت لتصدر إلى العديد من الدول الأوروبية خاصة فرنسا وهولندا.
وأشار إلى أن حوالي 800 عامل من كافة قرى المنطقة اضافة لعمال وخبراء اجانب امضوا حوال 40 عاما في الحفر والتنقيب والنقل وان 4 عمال من ابناء بلدة حاصبيا كانوا لقوا حتفهم داخل احد المناجم العام 1954 بسبب انهيار أحدها على عمق حوالي 100 متر.
ويدخل الحمر في العديد من الصناعات الثقيلة والخفيفة على حد سواء ومنها صناعة الدهانات والصباغ وطلاء البواخر كما يدخل في صناعة الأدوية والمبيدات الحشرية الزراعية ويستعمل ايضا كمادة عازلة.
وأوضح رئيس بلدية حاصبيا لبيب الحمرا لـ(شينخوا) أن اعمال التنقيب عن الحمر توقفت في مطلع السبعينيات جراء تعرض مناطق جنوبية عدة ومنها منطقة المناجم في حوض الحاصباني لقصف مدفعي وغارات جوية اسرائيلية أدت إلى تدمير كافة معدات التنقيب وبعض المناجم.
وناشد السلطات ايلاء الثروة البترولية من الحمر كل اهتمام وعناية من خلال العودة إلى استخراجه لما في ذلك من دخل للبلاد وفرص عمل للمئات من ابناء المنطقة.
من جهته، أوضح ل((شينخوا)) قائمقام حاصبيا رواد سلوم وبعد جولة قام بها في منطقة المناجم أن هناك اكثر من 20 كيلو مترا من الأنفاق مرتبطة ببعضها البعض ومربوطة بحوالي 35 فوهة.
ثروة طبيعية ضخمة
وأشار إلى أن كل الأنفاق مدعمة بالباطون المسلح وتحوي سلالم حديدية ومنافذ للتهوية والكثير منها يحوي مجاري مائية، مؤكدا أنه أبلغ وزارة الداخلية باهمية هذه المنطقة التي تحوي ثروة طبيعية ضخمة يمكن استثمارها من الدولة.
ويعاني لبنان من أزمة اقتصادية ومعيشية ومالية حادة صنفها البنك الدولي على أنها واحدة من أسوأ ثلاث أزمات في العالم منذ أواسط القرن 19، وتجسدت في انهيار سعر صرف عملته الوطنية مقابل الدولار وارتفاع معدل الفقر والبطالة والتضخم ونقص الوقود والأدوية وحليب الأطفال.
يشار إلى أن هذه المادة نقلا عن وكالة شينخوا الصينية بموجب اتفاق لتبادل المحتوى مع جريدة المال.