إن اعتراف مستشار الأمن القومي الأمريكي السابق جون بولتون مؤخرا بأنه ساعد في تدبير انقلابات في بلدان أخرى يعد مثالا نموذجيا على فكر الهيمنة وسياسات القوة لدى أمريكا، اللذان يتسببان في تقويض السلام والاستقرار على الصعيد العالمي.
جون بولتون ساعد على تدبير انقلابات
فقد كتب الصحفي والمؤلف الأمريكي جوناثان إم. كاتز في رسالة إخبارية يقول “لقد رعت الولايات المتحدة بالفعل وشاركت في الكثير من الانقلابات وعمليات الإطاحة بحكومات أجنبية، يعود تاريخها إلى مطلع القرن الـ20”.
وأضاف كاتز أن “بولتون شارك شخصيا في العديد من الجهود الأخيرة– في نيكاراغوا والعراق وهايتي وغيرها”، مشيرا إلى أن “المسؤولين، بشكل عام، لا يعترفون بهذا النوع من الأشياء أمام الكاميرا”.
جاء اعتراف بولتون في مقابلة مع جيك تابر الأسبوع الماضي على شبكة ((سي إن إن)) حول التحقيق الذي أجرته لجنة مختارة من مجلس النواب الأمريكي في أعمال الشغب التي وقعت في الكابيتول في 6 يناير 2021، حيث قال إنه لا يتفق مع الفرضية القائلة بأن الرئيس المنتهية ولايته آنذاك دونالد ترامب حاول القيام بانقلاب.
“بصفتي شخصا ساعد في التخطيط لانقلاب، ليس هنا ولكن، كما تعلم، في أماكن أخرى، يتطلب الأمر الكثير من العمل، وهذا ليس ما فعله”، هكذا قال الدبلوماسي السابق المنتمي للمحافظين الجدد الذي رفض الخوض في التفاصيل لكنه أشار إلى جهود الحكومة الأمريكية لدعم المعارضة في فنزويلا في عام 2019.
وفي مقابلة أخرى أجراها معه موقع ((نيوزماكس)) في وقت لاحق، ضاعف بولتون من تعليقاته، قائلا “هذا شيء صدم بعض رقاقات الثلج على اليسار. ولكن عندما تركز على المصالح الفضلى للولايات المتحدة، فإنك تفعل ما هو ضروري لحماية تلك المصالح”.
– هوس الولايات المتحدة بـ”تغيير النظام”
لقد أصبح “تغيير النظام” جزءا لا يتجزأ من السياسة الخارجية الأمريكية منذ أكثر من 100 عام، هكذا كتب المراسل السابق لصحيفة ((نيويورك تايمز)) ستيفن كينزر في كتابه “الإطاحة: القرن الأمريكي في تغيير الأنظمة من هاواي إلى العراق”.
بدءا من الإطاحة بالنظام الملكي في هاواي في عام 1893 ومرورا بالحرب الإسبانية الأمريكية والحرب الباردة ووصولا إلى عصرنا الحالي، لم تتردد الولايات المتحدة في الإطاحة بالحكومات التي وقفت في طريق أهدافها السياسية والاقتصادية، وفقا لملخص كتاب كينزر.
وأفادت تقارير على نطاق واسع بأن ترامب أثار مرارا إمكانية غزو فنزويلا في محادثات مع كبار المساعدين بالبيت الأبيض في عام 2017. وفي حديثه إلى ((نيوزماكس))، وصف بولتون محاولة الإطاحة بالرئيس الفنزويلي نيكولاس مادورو بأنها “مثال جيد” على انقلاب.
وفي الأسبوع الماضي، صوتت الجمعية الوطنية الفنزويلية بالإجماع على إدانة تصريحات بولتون. وقال النائب الفنزويلي بيدرو إنفانتي “هذا الاعتراف دليل إضافي في قائمة طويلة من الأعمال والهجمات المباشرة من قبل الإمبريالية الأمريكية ضد الشعوب الحرة في العالم”.
وكتبت ليندسي أورورك، الأستاذ المساعد في كلية بوسطن، في كتابها “تغيير النظام سرا: الحرب الباردة الأمريكية السرية”، تقول إن الولايات المتحدة انخرطت في 64 محاولة سرية وست محاولات علنية لتغيير النظام بين عامي 1947 و1989.
– هوس دون رادع رغم انتهاء الحرب الباردة
إن تصرفات أمريكا الرامية إلى تغيير الأنظمة ما زالت دون رادع حتى بعد انتهاء الحرب الباردة. فعلى مدى العقود القليلة الماضية، عززت الحكومة الأمريكية الاضطرابات السياسية في أمريكا اللاتينية، ولعبت دورا في “الربيع العربي”، وحرضت على “الثورات الملونة” في أوروبا وآسيا.
وفي أمريكا اللاتينية، تواصل الولايات المتحدة التدخل في الشؤون الداخلية لبلدان المنطقة بموجب “مبدأ مونرو”.
وكتب السناتور الأمريكي بيرني ساندرز في مقال نُشر في وقت سابق من هذا العام يقول إنه من النفاق أن “تصر الولايات المتحدة على عدم قبول مبدأ ‘مناطق النفوذ'”.
واستنكر ساندرز قائلا “على مدى السنوات الـ200 الماضية، عملت بلادنا بموجب مبدأ مونرو، وتبنت فرضية أن الولايات المتحدة، باعتبارها القوة المهيمنة في نصف الكرة الغربي، لها الحق في التدخل ضد أي بلد قد يهدد ما يقال إنها مصالحنا”، مضيفا “وبموجب هذه العقيدة، قمنا بتقويض والإطاحة بما لا يقل عن 12 حكومة”.
– أعمال دنيئة في الشرق الأوسط والتخطيط حول الصراع الروسي الأوكراني
كما تدخلت واشنطن بلا مبرر في شؤون الشرق الأوسط، وشنت حروبا، وفرضت عقوبات أحادية الجانب في المنطقة، ما أدى إلى مقتل عدد كبير من المدنيين ونزوح لاجئين.
أما بالنسبة للصراع الروسي الأوكراني، فقد كانت الولايات المتحدة هي التي أحدثت موجات من خلال قيادة خمس جولات من توسع الناتو شرقا والتخطيط لـ”ثورات ملونة” في محيط روسيا.
وقد ذكر ألفريد دي زياس، أستاذ القانون الدولي بكلية جنيف للدبلوماسية وخبير الأمم المتحدة المستقل السابق المعني بتعزيز نظام دولي ديمقراطي ومنصف، أن الولايات المتحدة مولت منظمات غير حكومية “تهدف في الأساس إلى زعزعة استقرار الدول”.
وقال دي زياس “لكن بصفتي أمريكيا، يجب أن أقول إنني أشعر بالمسؤولية بشكل غير مباشر عما تفعله حكومتي. وأشعر بتعاطف هائل وشفقة كبيرة تجاه الشعب الأوكراني الذي اُستخدم في هذه اللعبة الجيوسياسية”.
تقلد بولتون (73 عاما) منصب وكيل وزارة الخارجية لشؤون الحد من التسلح والأمن الدولي قبل أن يصبح سفيرا للولايات المتحدة لدى الأمم المتحدة عام 2005 في عهد الرئيس جورج دبليو. بوش. وكان مؤيدا رئيسيا لغزو العراق عام 2003.
وقال إيفو موراليس، الرئيس السابق لبوليفيا، في تغريدة على تويتر إن تصريحات بولتون أظهرت أن الولايات المتحدة كانت “ألد عدو للديمقراطية والحياة”.
ودعت ماريا زاخاروفا، المتحدثة باسم وزارة الخارجية الروسية، إلى إجراء تحقيق دولي في هذه التصريحات.
يشار إلى أن هذه المادة نقلا عن وكالة شينخوا الصينية بموجب اتفاق لتبادل المحتوى مع جريدة المال.