على الرغم من الارتفاعات المتتالية لحجم أعمال شركات المقاولات العاملة فى السوق المحلية مستفيدة من الطفرة العمرانية المتنوعة التى أطلقتها الحكومة فى مختلف المدن سواء الجديدة أو التقليدية، فإن نتائج أعمال شركات المقاولات ما زالت لا تعكس بقوة الزيادات فى قيمة الأعمال تحت التنفيذ.
«المال» تواصلت مع مسئولى وخبراء شركات مقاولات لتناول أسباب تلك الظاهرة، لتوقع مستقبل القطاع، ومدى قدرة الشركات على الوفاء بالتزاماتها التعاقدية سواء مع مطورى القطاع الخاص أو الحكومة، علاوة على إستراتيجيتها القادمة للتحكم فى زيادات التكاليف.
ورصدت «المال» أبرز شركات المقاولات العاملة فى السوق المحلية ومنها المقيدة بالبورصة، فى نتائج أعمالها للنصف الأول من العام الجارى، والتى شهدت انخفاضًا فى الأرباح أو التحول للخسائر، ولكنها تشابهت فى الارتفاع المطرد فى التكاليف، لتتلامس من أرقام الإيرادات، لتسجل فى النهاية صافى ربح ذو قيم متضائلة تماما، أو تحقق خسارة من الأساس.
وبالنظر إلى مؤشرات الأداء الرئيسى للاقتصاد العالمى والمحلي، نجد أن هناك حالة تأثر لجميع القطاعات، نتيجة بعض المتغيرات الاقتصادية على غرار ارتفاع أسعار مواد البناء، والموجة التضخمية، والحرب الروسية الأوكرانية، بجانب مجموعة السياسات التقشفية المتبعة من قبل البنوك المركزية.
خبراء : فترة انتقالية نتجت عن تحديات عالمية والأهم حجم المحفظة تحت التنفيذ
واتفق الخبراء على أن تراجع معدلات الصرف للشركات على المشروعات، بجانب ارتفاع تكلفة المشروعات المتعاقد عليها سابقا بشكل غير متوقع، يمثلان السبب الرئيسى فى تحقيق تلك الأرقام المتدنية، وتراجع الهوامش الربحية.
ففى البداية أوضحت القوائم المالية لشركة أوراسكوم للإنشاءات أن هناك ارتفاعا فى التكاليف، لتسجل 1.7 مليار دولار خلال النصف الأول من 2022 مقارنة مع تكاليف وصلت لنحو 1.5 مليار دولار خلال الفترة المقارنة من 2021.
وبحسب القوائم، تراجع صافى الربح المجمع إلى 40.5 مليون دولار خلال النصف الثاني، مقارنة مع 53.4 مليون خلال الفترة المقارنة من 2021، لتسجل نسبة انخفاضها نحو %24.2.
وارتفعت إيراداتها إلى 1.9 مليار دولار مقارنة مع نحو 1.6 مليار لتسجل نسبة نمو قدرها %13.6، وبالانتقال لشريحة أخرى من الكيانات الأقل حجمًا، ووفقاً لآخر إفصاحاتها للبورصة فخلال أول تسعة أشهر من العام الجاري، حققت المجموعة المتكاملة للأعمال الهندسية ربحا بلغ 1.2 مليون جنيه مقابل 1.4 مليون جنيه خلال الفترة نفسها من 2021.
وتراجع حجم أعمال المجموعة المتكاملة، خلال أول تسعة أشهر من العام، من 14.7 مليون جنيه إلى 2.5 مليون.
وهناك مجموعة أخرى من الشركات صافى ربح مرتفع مقارنة بالفترة نفسها من العام الماضي، وبنسب نمو صغيرة لحد ما، منها شركة الصعيد العامة للمقاولات والتى سجلت أعلى نسبة نمو فى صافى أرباحها النصفية بنحو 81.8 مليون جنيه مقارنة مع 73.7 مليون خلال الفترة المقابلة من العام المنقضي، ليزداد بنسبة %10.
وارتفعت إيرادات النشاط خلال النصف الأول لتبلغ 1.040 مليار جنيه مقارنة مع نحو 718.1 مليون خلال النصف الأول من العام المنصرم بزيادرة قدرها %45 .
أما التكاليف، فوصلت إلى 915.8 مليون جنيه مقابل 613.1 مليون خلال الفترة المقارنة للعام السابق لترتفع بنسبة %49.
وجاءت شركة الجيزة العامة للمقاولات فى الوصافة، حيث حققت نسبة نمو فى صافى أرباحها النصفية تقدر بنحو %10 ليرتفع صافى الربح من 32.3 مليون جنيه إلى 38.6 مليون .
وكذلك ارتفعت الإيرادات لتصل إلى 711.1 مليون جنيه مقارنة بنحو630.4 مليون بنسبة ارتفاع قدرها %12 وخلافا لصعود أسعار مواد البناء، لم تسجل التكاليف ارتفاعا بشكل جسيم، حيث قفزت من 579.2 مليون جنيه إلى 616.8 مليون بنسبة زيادة تصل لنحو %6.4.
وكشفت القوائم المالية لشركة الفنار للمقاولات العمومية والإنشاءات، عن التسعة أشهر الأولى من العام الجاري، ارتفاع أرباحها بنسبة %547.2 ، بعدما حققت ربحا بلغ 13.01 مليون جنيه مقارنة مع 2.01 مليون خلال الفترة المماثلة من العام الماضي.
وارتفعت إيرادات الشركة إلى 65.57 مليون جنيه، مقابل 27.3 مليون خلال الفترة نفسها من 2021.
«اتحاد التشييد» يواصل جهوده فى طلب تيسيرات ودعم بهدف المساندة
وتعليقا على أداء الشركات، قال شمس الدين يوسف عضو اتحاد مقاولى التشييد والبناء، ورئيس مجلس إدارة شركة الشمس للمقاولات، إن الأزمة الحقيقية التى تواجه قطاع المقاولات تكمن فى تغيرات الأسعار لعناصر التكلفة، والتى ظهرت بشكل واضح مع فيروس كورونا وأزمة سلاسل التوريد ختاما بالحرب الروسية الأوكرانية وعدم توفر المادة الخام.
وتابع – فى تصريحات لـ«المال» – إن ارتفاع أسعار الخامات وزيادة تكاليف الإنتاج أثر سلبا على الهوامش الربحية لدى شركات المقاولات، إذ تراجعت بشكل كبير.
وبخصوص تراجع الإيرادات خلال النصف الأول من 2022 فسر «شمس الدين» انخفاض الإيرادات بأنه جاء نتيجة لتراجع معدلات الصرف للشركات على المشروعات، بجانب تضاؤل حجم أعمالها خلال الفترة المعنية.
وأوضح أن الخسائر المسجلة سببها بالأساس ارتفاع تكاليف المشروعات المتعاقد عليها سابقا خلال عامى 2020 و2012 إذ تجاوزت تكلفة تنفيذها حجم استثماراتها المتفق عليها آنذلك، نتيجة للتغيرات السعربة المفاجئة، والتضخم العالمى وزيادة أسعار مواد البناء بشكل مبالغ فيه.
وأضاف أن تساوى حصيلة الإيرادات مع التكاليف ليس بالمؤشر السئ، وإنما إيجابي، إذ يؤكد قدرة المقاولين على تجاوز الأزمة خلال الفترة المعنية، حتى ولو لم تحقق أرباحا.
وأفاد «شمس الدين» بأنه إذا استطاعت شركات المقاولات الحفاظ على مركزها المالي، حتى فى حالة تكبدها للخسارة، ستكون بمثابة النجاة لها خلال تلك الفترة.
وتابع إن هناك تخوفا من تعثر بعض الشركات، وإفلاس أخرى مما يؤدى إلى تخارج الكثير من قطاع المقاولات.
فى السياق ذاته، قال رامى العليمى استشارى مبيعات الحديد والصلب، إن هناك نقصا للسيولة فى سوق المقاولات نتيجة لعدم وجود صرف مستخلصات للشركات.
وأوضح أن تراجع قيم الصرف أدى إلى عدم الالتزام بالجدول الزمنى للمشروعات، وبالتالى تأخر معدلات التنفيذ والإنجاز، وهو بدوره ما يضع الشركات فى مأزق إذ تفرض عليها غرامات تأخير، وبالتالى لا تلتزم الجهة الأخرى بالسداد.
وأكد أن هناك حالة ركود عامة فى المبيعات، لاسيما بالقطاع التجاري، مما سبب تراجعا فى التدفقات النقدية لدى الشركات، ومن ثم التأثير على معدلات الإنفاق لتنفيذ المشروعات.
وبدراسة الوضع الحالى لشركات المقاولات العاملة بالسوق المحلية، تعانى تلك الشركات من عوئق تنفيذية تتمثل فى نقص مادة «البيتومين» والمستخدمة بكثافة فى مشروعات الطرق، إذ تقلصت كمياتها فى الفترة الأخيرة نتيجة لوجود أزمة فى الاستيراد.
وبناء عليه، فى شهر أغسطس الماضي، طالب الاتحاد المصرى مقاولى التشييد والبناء لوزارة البترول لحل أزمة نقص وتوريد «البيتومين» والتى تسببت فى عدم قدرة شركات المقاولات على الوفاء بالتزاماتها فى المشروعات السكنية، وفقا لمصادر مطلعة فى تصريحاتها لـ«المال».
وأكدت المصادر أن نسبة كبيرة من ملاك الكمبوندات السكنية فى المدن الجديدة قررت الاستغاء عن «البيتومين» واستبدالها بـ«الإنترلوك» وبعض المنتجات الأسمنتية فى رصف الطرق.
بينما ينتظر الاتحاد المصرى لمقاولى التشييد والبناء قانون التعويضات برئاسة المهندس محمد سامى سعد لصرف تعويضات للمقاولين نتيجة للفجوات السعرية الناتجة عن أى ظروف اقتصادية كانت تعويما، أو غيره.
ويسعى الاتحاد لتعديل قانون التعويضات بإدراج الأعمال ذات المدة التنفيذية البالغة 6 أشهر ضمن المشروعات القابلة للتعويض، نتيجة معاناة شركات المقاولات التى تنفذ مشروعات «حياة كريمة» من قصر مدة التنفيذ فى ظل تلك الأعباء السعرية المتزايدة.
وعلى صعيد متصل، تقدم الاتحاد بمذكرة لكل من وزارة الإسكان ورئاسة مجلس الوزراء، تتكون من 4 مطالب رئيسية، منها ضرورة مد فترة تنفيذ المشروعات القائمة بنحو 3 أشهر إضافية، وذلك للأعمال المدنية، وفترة شهرين خاصة بأعمال الإلكتروميكانيكال، حتى يتسنى للشركات تفادى تبعات تحرير سعر صرف العملة المحلية.
وينص البند الثانى على مطالبة البنوك بعدم تسييل خطابات الضمان التى حان موعد استحقاقها، مع إعطاء المقاولين مدة مقبولة لحين هدوء الأوضاع، واتضاح الرؤية، خاصة مع رفع سعر الفائدة بنسبة %2 فى اجتماع المركزى الأخير.
وأوضحت المصادر أن الاتحاد سيطالب أيضًا بصرف دفعة عاجلة من مستحقات المقاولين لدى جهات الإسناد، مع عدم تحديد قيمة معينة لها، لمجابهة التغيرات السعرية الفجائية
وأوضحت أن المذكرة تتضمن أيضا مطالبة وزارة الإسكان بتفعيل قانون الأفضلية للمنتج المحلى، لتقليل الضغوط على الدولار.
وقال جون سعد خبير الاستثمار العقارى إن السوق المحلية تشهد طفرة عمرانية تتسم بالتنوع فى حجم الأعمال سواء بالمشروعات الخدمية أو البنية التحتية وصولاً للسكنية، وهو ما يجبر شركات المقاولات على استغلال هذا الزخم باقتناص كم كبير من الأعمال وتنفيذها على فترات مستقبلية.
وتابع إن التغيرات الفجائية سواء المحلية أو العالمية أثرت بشكل كبير على جميع العاملين فى مجال المقاولات والعقارات بعد عدم توافر عناصر وخامات تستخدم فى البناء أو ارتفاع سعرها بشكل كبير حال توافرها، وهو ما يؤدى لارتفاع التكاليف بشكل لا يمكن التحكم فيه على المدى القصير بما يؤدى فى النهاية لوقف العمل لحين استقرار السوق.
ورأى أن المعيار الأهم لتوقع مستقبل عمل الشركات هو حجم الأعمال تحت التنفيذ ومدى تناسبه مع الملاءة المالية المتاحة سواء النقدية أو بالحصول على تسهيلات ائتمانية، معتبرا أن المرحلة الحالية تعتبر انتقالية وسوف ينتج عنها «فلترة» عدة كيانات سواء بالاستمرار فى المجال وإضافة مزيد من الأعمال النوعية أو التصفية.
وضرب «سعد» مثالاً بتحول دور شركات المقاولات فى تعاقداتها مع بعض المطورين لتصبح ممولا فى بعض المشروعات، عبر توليها مهام الإنشاء وتحملها التكاليف لحين سداد المطور الأموال فى المستقبل، وهو أمر بات يتزايد حدوثه فى السوق المحلية.