كشف تحقيق أجرته وكالة “رويترز” أن شركاء الرئيس الأميركي دونالد ترامب في مشروعه الجديد للعملات الرقمية تخلوا عن مشروعهم السابق الذي تعرض لقرصنة، تاركين عملاءهم يتكبدون خسائر بملايين الدولارات، في الوقت الذي جنوا فيه أرباحًا لا تقل عن 65 مليون دولار من شراكتهم الجديدة مع عائلة ترامب.
في مايو من العام الماضي، استثمر جوناثان لوبيز، وهو مستثمر يبلغ من العمر 31 عامًا من ميامي، نحو مليون دولار في منصة “دو فاينانس” (Dough Finance)، وهي شركة ناشئة في مجال العملات الرقمية كانت تتيح للمستخدمين تنفيذ عمليات مالية عالية المخاطر باستخدام أصولهم كضمان.
استخدم لوبيز خاصية “التكرار” أو looping، وهي استراتيجية تعتمد على الاقتراض المتكرر لشراء نفس الأصل الرقمي وتعظيم العائدات المحتملة. هذه الاستراتيجية ذات المخاطر المرتفعة كانت من أبرز ما تقدمه المنصة بطريقة سهلة، ورسوم منخفضة نسبيًا. وتلقى لوبيز تشجيعًا شخصيًا من أحد مؤسسي المنصة، تشيس هيرو، الذي وصف المخاطر بأنها جزء من طريق النجاح، قائلاً له: “نتلقى المكافآت مقابل المخاطر التي نتحملها”.
لكن في 12 يوليو 2024، سُرقت أموال العملاء بعد اختراق إلكتروني استهدف المنصة، حيث فقدت المنصة ما يُقدّر بـ2.5 مليون دولار من ودائع المستخدمين. ووفقًا لتقرير تقني نشرته المنصة لاحقًا، تبين أن خللًا في الكود البرمجي هو ما مكّن القراصنة من اختراق النظام.
رغم الوعود التي أطلقها هيرو وشريكه المؤسس زاك فولكمان للعملاء بتعويض الخسائر، اختفيا فجأة من المشهد، وتوقف التواصل مع المستخدمين. في الوقت نفسه، ظهر الثنائي مرة أخرى في سبتمبر 2024، لكن هذه المرة كشريكين في مشروع جديد يُدعى “وورلد ليبرتي فاينانشال” (World Liberty Financial)، بالشراكة مع الرئيس ترامب وأبنائه دونالد جونيور، إريك، وبارون، حيث يتقلد ترامب لقب “المدافع الأول عن العملات الرقمية”، بينما يحمل أبناؤه ألقاب “سفراء Web3”.
وفقًا لمصادر رويترز، فإن الشراكة مع ترامب ساهمت في إدخال مئات الملايين من الدولارات إلى عائلة الرئيس الأميركي، بينما بلغت حصة فولكمان وهيرو من المشروع أكثر من 65 مليون دولار. وقد نشأت هذه الشراكة من خلال مبعوث ترامب في الشرق الأوسط، ستيف ويتكوف، الذي قال إن الرئيس “أُعجب برؤية الشابين لعالم التمويل اللامركزي”.
لكن المستثمر لوبيز لم يقف مكتوف الأيدي. فقد رفع دعوى قضائية ضد هيرو في يناير 2025 يتهمه فيها بالاحتيال وسوء تمثيل الحقائق والإخلال بالواجبات القانونية، مطالبًا بتعويضات مالية وعقوبات قانونية. وادعى أن هيرو وعده صراحة بإعادة ما يقرب من 300 وحدة “إيثر” كانت تعادل نحو 833 ألف دولار آنذاك، لكنه لم يفِ بوعده.
وفي محاولة للدفاع عن أنفسهم، سعى محامو هيرو إلى إسقاط الدعوى أو تحويلها إلى التحكيم، بحجة أن لوبيز “مستثمر متمرس” ويجب أن يكون مدركًا لمخاطر التداول بالعملات الرقمية. وتم تحديد جلسة المحاكمة في أبريل 2026 في محكمة فيدرالية بمدينة ميامي.
وفي تعليقه على شراكة عائلة ترامب مع هيرو وفولكمان، قال إريك ترامب، نائب الرئيس التنفيذي لمنظمة ترامب، في بيان عبر البريد الإلكتروني: “نحن فخورون بكل الفريق. لقد فاقوا توقعاتنا، ومسارنا الحالي مذهل”.
من جانبهم، رفض كل من هيرو وفولكمان ومحاموهم، وكذلك المتحدث باسم “وورلد ليبرتي”، التعليق على ما ورد في التحقيق. كما لم يرد أي من أبناء ترامب على طلبات التعليق.
خسائر العملاء… وغياب التعويض
منصة “دو فاينانس” أعلنت بعد الاختراق أنها استعادت نحو 281 ألف دولار فقط من الأموال المسروقة بمساعدة فريق تقني خاص، ووعدت بتوزيع المبلغ على العملاء بنظام “نسبة وتناسب”. غير أن تحليلًا أجرته شركة CertiK أظهر أنه تم تحويل ما يقارب 180 ألف دولار فقط إلى 134 محفظة رقمية، في حين أكد ثمانية من عملاء المنصة أنهم لم يتلقوا أي تعويض.
كما أطلقت المنصة لاحقًا ما أسمته بـ”رموز تعويضية” لتمثل الأموال المفقودة، يمكن استبدالها لاحقًا بعملة إيثر إذا تم استرداد المزيد من الأموال. لكن أحد العملاء علق قائلًا: “ماذا يمكنني أن أفعل بهذه الرموز؟ قيمتها صفر ما لم يُسترد المال”.
منصات التمويل اللامركزي في مهب الاختراقات
تُعد “دو فاينانس” واحدة من العديد من منصات التمويل اللامركزي التي تعرضت للاختراق. ووفقًا لتقرير شركة Chainalysis، بلغت قيمة الأموال المسروقة من منصات العملات الرقمية نحو 2.2 مليار دولار في عام 2024 وحده. وغالبًا ما تكون هذه المنصات عرضة للهجمات بسبب ضعف حماية الشيفرة البرمجية وغياب الرقابة المؤسسية.
وفي هذا السياق، أكد الخبير الأمني مئير دوليف، الرئيس التنفيذي لشركة Cyvers، أن الكود البرمجي المتعلق بعمليات “التكرار” في منصة “دو فاينانس” هو ما استغله القراصنة في تنفيذ الهجوم، مضيفًا أن المنصة “اعتمدت على استراتيجيات محفوفة بالمخاطر دون تأمين كافٍ”.
رغم اختفاء منصة “دو فاينانس”، التي بات موقعها الإلكتروني مغلقًا، يستمر هيرو وفولكمان في جني الأرباح من مشروعهم الجديد مع ترامب، والذي يتضمن أيضًا عملات مستقرة (Stablecoins) ومنصات تداول ومزارع تعدين رقمية.
في الوقت ذاته، يواجه الرئيس ترامب انتقادات متزايدة حول تضارب المصالح إثر توسعه في مشاريع تجارية عالمية، منها فندق جديد في دبي ومشروع ملعب جولف في قطر، فضلًا عن تقارير تفيد بنيّته قبول طائرة فاخرة بقيمة 400 مليون دولار من الحكومة القطرية، ما أثار انتقادات واسعة من الحزبين الجمهوري والديمقراطي.
ويبقى مصير العملاء المتضررين من اختراق “دو فاينانس” معلقًا، في ظل غياب أي مؤشرات على تعويضات جديدة، وسط ازدهار ثروات مؤسسي المنصة السابقين الذين دخلوا عالم السياسة والمال من أوسع أبوابه.