بقلم : رجائى عطية
وقد كان عمر بن أبى ربيعة ـ فيما يقول الأستاذ العقاد ـ إمام مدرسة اللاهين بالغزل بلا منازع، وأصلح زملائه لإتقان هذه الصناعة.
فقد كان على يسار يعينه على اللهو والفراغ، وكان على وسامة مقبولة، وشأن يرفع من قيمة غزله فى قلوب النساء، وللوراثة دخل فى ذلك إذا صح ما قيل إن أمه كانت «أم ولد سبيت من حضرموت أو من حمير»، ومن هناك أتاه الغزل.
وربما رشحه للسبق فى هذه الصناعة ـ فيما يرى الأستاذ العقاد ـ جانب أنثوى فى طبعه يظهر من أبياته الكثيرة، التى تنم على ولع بكلمات النساء واستمتاع بروايتها.
يبدو ذلك فى قوله :
قالت ثريا لأتراب لها قطف
قمن نحيى أبا الخطاب عن كثب
فطرن حدًّا لما قالت وشايعها
مثل التماثيل قد موهن بالذهب
أو كما يبدو من قوله الذى عيره به كثير فى بعض الروايات وهو:
قوى تصدى له ليبصرنا ثم اغمزيه يا أخت فى خفر
قالت لها قد غمزته فأبى ثم اسبطرت تمشى على أثرى
قالت لها أختها تعاتبها لا تفسدن الطواف فى عمر
وصدق كثير حيث قال: «أتراك لو وصفت بهذا الشعر هرة أهلك ألم تكن قد قبحت وأسأت لها وقلت الهجر».
«ومن قبيل هذه الأنثويات أنه كان يقول: «لقد كنت وأنا شاب أعشق ولا أعشق، فاليوم صرت إلى مداراة الحسان إلى الممات. ولقد لقيتى فتاتان مرة فقالت لى إحداهما: ادن منى يا بن أبى ربيعة أسر إليك شيئًا فدنوت منها ودنت الأخرى فجعلت تعضنى، فما شعرت بعض من هذه من لذة سرار».
«وهذا حديث من هو عاشق لنفسه قبل أن يكون معشوقًا لغيره. ففيه خليقة المرأة أن تشعر بجنسها مطلوبة ولا تشعر بجنسها طالبة، وما من شاب يبلغ من العمر أن تعشقه المرأة إلا قد بلغ من العمر أن يعشقها ما لم يمنعه مانع من عرف أو زهادة، فإن لم يكن هذا المانع ففى انتظاره أن يُطلب معشوقًا قبل أن يُطلب عاشقًا أنثوية لا ترضاها طبائع الفحول».
«على أن ابن أبى ربيعة كان من «الطبقة الاجتماعية» التى ينتمى إليها ظريفات المجالس اللائى يدور الحديث عليهن ومنهن فى تلك الآونة، فكان أقرب إلى معرفتهن وحكاية أحاديثهن والحظوة عندهن والتوسل إلى مرضاتهن من سائر الشعراء الغزلين من غير هذه الطبقة الاجتماعية».
فلم تتفق مرة ـ فيما يقول الأستاذ العقاد ـ أن شبب بامرأة فقيرة أو غير ذات شأن، وكان يحرص على ذكر الخدم والحشم وآثار النعمة والترف وكأنه مطالَب بإثبات ذلك.
ومن ذلك قوله:
ومدّ عليها السجف يوم لقيتها
على عجل تباعها والخوادم
فلم أستطعها غير أن قد بدا لنا
عشيةَ راحت كفها والمعاصم
معاصمُ لم تضرب على البهم فى الضحى
عصاها ووجه لم تلحه السمائم
يعنى أنها ليست براعية ولا رائدة تتعرض للسمائم وهى تسوق الضأن فى البادية.
ومنه قوله:
يرفلن فى مطرفات السوس آونة
وفى العتيق من الديباج والقصب
ترى عليهن حلى الدر متسقًا
مع الزبرجد والياقوت كالشهب
ومنه قوله:
فقامت إليها حرتان عليهما
كساءان من خز دمقس وأخضر
ومنه قوله:
نواعم قب بدن صُمت البرى
ويملأن عين الناظر المتوسم
ومنه قوله:
وترى النسوان إن قا مت وإن قمن خشوعًا
«وهو معنى شائع فى جميع وصفه يكاد لا ينساه فى صفة امرأة واحدة من صاحباته».
rattia2@hotmail.com
www. ragai2009.com