فى الستينيات من القرن العشرين، استولى حزب البعث – بقيادتيه القطريتين – على سدة الحكم فى كل من سوريا (1963) وفى العراق (1968)، حيث تورطت دمشق فى الحرب مع إسرائيل 1967، وإلى مخالفة توازى الخطوات مع القاهرة عقب خوضهما معًا حرب أكتوبر 1973، قبل أن يغامر الجيش السورى 1976 بالتدخل فى الأزمة اللبنانية لثلاثة عقود تالية.. إلى أن أجبر على على الانسحاب أبريل 2005 ، وفقا لقرار الكونجرس الأميركى «محاسبة سوريا» بالتزامن مع وعقب غزو العراق .. واجتثاث حزب البعث 2003 ، فيما سبق لسوريا أن انحسرت عنها موسكو مع انتهاء الحرب الباردة مطلع التسعينات، كما أدارت لها دول عربية – ظهورها – إلا من تحالفها الإقليمى الصاعد مع إيران، قبل أن تدهمها فى 2011 أحداث «الربيع العربى»، وما واكبتها من تدخل قوى خارجية ومنظمات (جهادية) فى الشأن السورى..عبر معارك ضروس، دامت لنحو عقد من الزمان، كادت أن تطيح بالنظام السورى المدعوم من إيران، لولا أن تدخلت روسيا بقواتها إلى جانبه سبتمبر 2015، ما أعانه فى القضاء على قوى الإرهاب، وتحجيم عناصره الداخلية والخارجية، بيد أن مؤسسة الحكم السورى لا يزال مستقبلها يحوطه الغموض بشأن الاختيار فيما بين تحالفات خارجية.. وكذلك بين أجنحة متصارعة فى الداخل حول السلطة، فى وقت يساهم فيه الدور المحورى لسوريا فى المنطقة – بشكل رئيسى فى انحسار الثقل الأميركى العراق ، لصالح إيران، التى مكنتها سوريا من عقود خلت فى الشأن اللبنانى، ناهيك عن إفشالها اتفاق مايو 1983 بين لبنان وإسرائيل، كما شاركت فى تحجيم تأثير اتفاقيتى «كامب دافيد» و«أوسلو»، ولتعود سوريا منذ العام 2007 كى تصبح أرض مواجهة بين روسيا والولايات المتحدة، لا يفصل بينهما سوى نهر الفرات، فضلًا عن كون سوريا اليوم بمثابة مفتاح مستقبل العراق.. الذى تشهد حكومته الجديدة (الكاظمى) ترحيباً إقليمياً ودولياً. إلى ذلك السياق، وبعدما انتهت تقريبًا الحرب الأهلية السورية، وانهزمت المعارضة.. إلى طرد معظم المنظمات الإرهابية – ومنها تركيا- فإن المرحلة المقبلة.. ربما لا تكون أقل خطورة، سواء من حيث حسم النظام السورى الخيارات بين أحلافه الخارجية (التنازع على النفوذ فى سوريا – مثالاً – بين روسيا وإيران)، أو سواء بالنسبة للعلاقات السورية مع دول عربية تفضل الروس – عن إيران – كحليف لدمشق، وانعكاس تلك الخيارات من عدمه على مسألة عودة سوريا إلى عضوية الجامعة العربية ، أو سواء ما يتصل بالأوضاع الداخلية.. بما فى ذلك العلاقات الخاصة بالرئيس السورى، فضلًا عن تأمين علاقاته مع دول الجوار ، فى العراق ولبنان وفلسطين، ناهيك عن استئناف المفاوضات من عدمه، المتوقفة مع إسرائيل منذ عشية العام 2000، وما إلى غير ذلك من تبادلات مثيرة للاهتمام بين التحركات الخارجية لسوريا وأوضاعها الداخلية، وما تتصل برمزيتها السياسية والاجتماعية والاقتصادية، إما فى إطار المنافسة الجيواستراتيجية بين مختلف القوى الإقليمية والدولية المعنية بالمسألة السورية، وإما فى إطار المنافسة داخل السلطة، أو من حيث الامتزاج بين كل هذه العوامل – مجتمعة – لإعادة تشكيل المشهد السورى «البعثى» الذى من غير المستبعد فى ضوء ما سبق من عوامل أن يظل رافعاً السلاح لما قد يزيد على نصف القرن الفائت
End of current post