سر الجمهورية الجديدة

سر الجمهورية الجديدة
محمد بكري

محمد بكري

6:41 ص, الأثنين, 14 يونيو 21

بعد سد النهضة!

تساعدنا رؤية فوكوياما لبناء الدولة، ومفهوم شارل ديغول بضرورة وجود رئيس قوى للدولة يجسد روح الأمة، لاستشراف سر مفهوم «الجمهورية الجديدة»، بإعلان الرئيس السيسى افتتاح العاصمة الإدارية الجديدة، بمثابة ميلاد دولة جديدة وإعلان الجمهورية الثانية! فهل هذا الإعلان مُنشئ لها أم كاشف عنها؟.

تحتاج الدول للإصلاح وإعادة البناء، عند تعرضها لصدمات شديدة كالكساد الاقتصادي، ثورة، تضخم استثنائي، صدمة حضارية، حروب.. فنجد إصلاحات محمد على لبناء مصر الحديثة، نتيجة فساد المماليك والصدمة الحضارية للمجتمع المصرى جراء حملة نابليون! الدول الأوروبية نشأت نتيجة الحاجة للحروب، وكذلك أمريكا أثر الحروب الأهلية وحربين عالميتين! المحصلة إعادة البناء والإصلاحات المشترك فيها رؤية القيادة لإدارة الدولة، وتعاون وتفهم الشعب ومؤسسات الإدارة لمُنفذات الرؤية أو على الأقل عدم إعاقتها.

بداية الجمهورية الجديدة الحقيقية 30/6/2013، بعدما أفسدت مصر مخطط الربيع العربي، عقب ثورة 25 يناير وتفسخ الشكل والتأثير السياسى للإخوان، واستلام دولة اجتهد النظام السابق لتصالب أودها، ببنية تحتية متهرئة للبشر والمكان، مع تضخم مؤثر ومطامع دولية بسيناء، وطابور خامس لا يهدأ، وتصاعد أزمة سد النهضة بصمت، وانهيارات متزامنة لنظم محيطة.

فكان الخيار إما الانكباب داخليا وقبول الدخول لفلك أقوى الأغيار، واستمرار لعبة الإفراط والتفريط لحفظ الوجود مُكبلين، أو الخيار الأصعب بانتزاع جدارة مصر لمركز عالمى بحجمها وإمكانياتها الحقيقية، وإجبار الآخرين لتغيير خطط اللعب الدولى برمتها.. ولكن كيف بظل أمراض متوطنة لمدة 62 سنة؟.

إذا كانت أهم مكونات الدولة هى المواطنين، الإقليم، الحكومة، السيادة، الاستمرارية السياسية، الثقافة والحضارة، فإرهاصات قيادة البناء بدأت خلال 7 سنوات بتطوير «الإقليم» كبذرة أولى للبعث الجديد بنتائج مادية قابلة للقياس والتقويم، صاحب ذلك تطويرا بشكل وإمكانيات شكل السيادة جيشا وردعا، ليثمر تمتين السيادة أرضا وبحرا وجوا، وتأمنت الاستمرارية السياسية بالتعديلات الدستورية لضمان استمرار رؤية التطوير، وشهدت الحكومات المتعاقبة محاولات جادة للالتزام بخطة التطوير، وتنمية حفظ وعرض الحضارة المصرية القديمة بفعاليات عالمية.. المحصلة الإيجابية نجاح قيادة 30/6 بإعادة تصميم الصورة الذهنية لمصر داخليا وخارجيا، عسكريا واقتصاديا وتنمويا وسياسيا، لدرجة تنتزع تدريجيا مركزها الدولي، بمخططات باقى القرن 21 وما بعده.

إطلاق العاصمة الإدارية الجديدة 2015، كان النبت المادى لتشكيل مفهوم الدولة الجديدة كرؤية، استراتيجية الحكم والإدارة، التقنية، التنظيم، الخدمات، حركة الاستثمار والعمران، الانضباط، الوعي، الثقافة.. لم يقصد بها الانسلاخ عن جسم مصر أو رفعها درجة! وإنما كنموذج، سيقبل للتكرار ونقل تجربته لباقى المحافظات، كُل بما يستوعبه.

بقى المواطن كأهم وأخطر مكون للدولة! يحتاج المصرى لإعادة بناء لقيمه، ومفاهيمه بما يُترجم بسلوكياته وتعامله مع الآخر.. ورغم تأخر موقع تطوير الإنسان بخطة بناء الجمهورية الجديدة، إلا أن التراكمات السياسية والدينية والاجتماعية والاقتصادية، تتحكم جينيا بالمصرى الجمهورى من 1952، وبمنظومة تحليله والتصدى بالتقييم والتصحيح لقيمه ومفاهيمه.. فهو المعاصر لنكسة ونصر وثورة وفوضى وتشتت رؤية وتدجين لمدة 62 سنة، لتجعله يغلى ويتحلل ببوتقة المسئولية والشفافية والاداء.. ولا شك أن بناء دولة وجمهورية جديدة لحكم وإدارة الإنسان المصري، يحتاجا لعلاج وتنقية ملفات الإخوان والدولة الدينية ونكسة الإعلام وارتجاليات الإدارة والقرار بالمؤسسات، لتبدأ الدولة المصرية الوسطية الحديثة (لا دينية ولا علمانية).

من هنا يمكن استشراف أن توقيت إعلان تفاعل مكونات الجمهورية الجديدة، سيأتى زمنيا بعد حسم ملامح أزمة سد النهضة! فهل ستبقى مصر وجودا يانعا، يسمح لها باستكمال منظومة دولتها وجمهوريتها الجديدة؟ أم يُنفذ تهديد إثيوبيا بتجريفها بعد 20 سنة؟.

غير منطقى إعلان ميلاد الدولة الجديدة بزمن الجفاف! اللهم كان هناك ترتيبات أعلى من المعلومات المتاحة للخاصة وخاصة الخاصة، تضمن وتأمّن الاطمئنان لاستمرار الوجود للدولة الجديدة.. احتياج مصر لدولة جديدة وجمهورية ثانية، سيكون محّكّه تجاوز أزمة سد النهضة! وسيكون بعلاج أو تجاوز أو حل الأزمة، شرعية وطنية وعالمية جديدة تتجاوز شرعية 30/6، لأنها شرعية وجود مصر لا نظام حكم.

أحاط بأزمة سد النهضة ضباب سياسى وإعلامى غير مفهوم للآن! ولكنه انتقل للإعلام السلبى وتشتيت الشعب بحقيقة وأبعاد الكارثة.. النتيجة انفراط الوعى بين إعلان ضرب السد والانخراط بحرب عالمية محدودة، تهدد استثمارات بالمليارت وعودة مصر للمربع 1! وبين كيل النقد والتقريع للحكومات السابقة المفاوضة لملء السد، بدون حلول جذرية! وبين استمرار مفاوضات عنيفة لتعديل اتفاقيات حاولتها مصر، وإساءت معها إثيوبيا استخدام حقها لإدارة مياهها! وبين مفاوضات جانبية لحلول بمزايا أبدية لإثيوبيا ومن يقويها، بالبحر الأحمر ومد مياه النيل لهناك !.

من أسف فجينات المصرى الجمهورى المذكورة، امتدت لمسئولى إدارة ملف سد النهضة للآن، وهو ما أثق بالجمهورية الجديدة ستعتبره حتما بسياسات الانتقاء لإدارة الملفات الجوهرية، كالإعلام والتعليم والرى والزراعة والصناعة.. معضلة الجمهورية الجديدة، رهنها بحل أزمة سد النهضة، فالصورة الكبيرة لمصر الجديدة، مرتبطة مصيريا باستمرار تدفق نيلها كشريان حياتها.

خطورة سد الأزمة؛ نجاح المُحرض بالتآخى والتطبيع مع بعض منابع الدعم المالى شرقا، وتطميع خزان المياه جنوبا! ليستثمر ازدواجية الخطر، من قرارنا الخاطئ! سواء بالحرب وتأجيل الجمهورية الجديدة وأحلام مصر بالعالمية، أو بالرضوخ وإدارة مصر الحالية بسياسة الحنفية! .

يقينى إدارة أزمة سد النهضة تحتاج لأبو الجمهورية الثانية، يعلن فورا مجلس الأزمة (وليس الحرب)، بجناح إعلامى دولى محترف وسياسى وقانونى وعسكرى وفني، بمحفظة خبرات (بغض النظر عن انتمائتها، إلا كونها مصرية قلبا وروحا وعقلا) لإعادة تقديم ملف الأزمة، بحلول ناجعة لتنفيذها بالجيش، مثل؛ إعادة الضغط بتدويل منطقة السد بفرض قوات حفظ السلام الدولية، خاصة إذا كانت أرض مصرية/سودانية قديمة، ردع استباقى لسد كاردوبي، مع لوبى دولى لتأمين تحديد مسئولية الدفاع الشرعي، وسرعة تفعيل استكمال تنمية نهر الكونغو، مع حلول هندسية فنية مع السودان.

الحصان المصرى العربى مؤهلا لقفز سد نهضته، وآن الوقت لتشكيل مجلس الأزمة، للوصول لبر الجمهورية الجديدة بأمان رغم أنف الحاقدين.

* محامى وكاتب مصرى

‏bakriway@gmail.com