#سد_النهضة_عدوان_مسلح

#سد_النهضة_عدوان_مسلح
محمد بكري

محمد بكري

6:53 ص, الخميس, 15 يوليو 21

يثير هذا المقال تساؤلات قانونية عملية، حول حق الدفاع الشرعى لمصر ضد إثيوبيا، طبقا للمادة 51 من ميثاق الأمم المتحدة، بتحويل إثيوبيا سد النهضة لقنبلة مائية موقوتة، تهدد وجود السودان وجفاف مصر ونضوب تنميتهما!

فهل وجود سد النهضة بذاته، عدوان على دول المصب؟ وهل إساءة استخدام قوى الطبيعة كالماء، يرقى لصور الاعتداء المسلح طبقا للمادة المذكورة؟ ومتى ثبت على إثيوبيا السلوك العدوانى، باستخدام سدها كأداة تسليح تعتدى وليس فقط تهدد الوجود المصرى والسوداني؟ وهل القرار المنفرد لإثيوبيا بالملء الثانى للسد حالة ابتداء بالعدوان؟ وهل وجود السد بحالته الحالية واستمرار ملئه الخاطئ، يمثل اعتداءً مسلحا وقوة قاهرة يلزم التصدى لها؟ وهل مصر والسودان بذلك دخلا حالة الدفاع الشرعى طبقا للمادة 51؟

تتحوط المادة 51 بميثاق الأمم المتحدة لإباحة الدفاع الشرعى بدون اعتداء مسلح مبتدئ للمعتدى، وقصر وصف العدوان (بالمسلح) اعتبر ضمانة تمنع إساءة استخدام الدفاع الشرعى، بما يزعزع الاستقرار الدولى، فنفى عن وصف الاعتداء المسلح أى تهديد أو أعمال لا يصاحبها قوات مسلحة تهدد أراضى الدولة وسيادتها واستقلالها.

السؤال هنا، هل وصف القوة المسلحة يقتصر على الآلة الحربية المادية كالطائرات والصواريخ ـ أم ـ للقوة صور أخرى تتفق بذات الأثر والنتيجة، ويمكن اعتبارها عدوانًا؟

أثر التطور العلمى على تطوير شكل وآثار (القوة) ولو كانت غير مسلحة تقليديا! فمدافع المياه العملاقة جرّفت خط بارليف واستخدم الماء كسلاح! كذلك يتوجه الفقه القانونى ومواقف ممثلى بعض الدول، لتكييف الهجمات السيبرانية على الدول، بأنها نوع من الهجمات العسكرية، لآثارها وتدميرها المادى والبشرى، فتصل أحيانا لمستوى التعرض لهجوم مسلح. فمتى وقعت أضرار مادية أو بشرية جسيمة، فهذه الهجمة تصلح لادعاء الدولة المُستهدفة بتعرضها لاعتداء، وامتلاكها لحق الدفاع عن النفس باستخدام مختلف الوسائل بما فيها القوة العسكرية كنص المادة 51 بالميثاق.

سد النهضة بذاته ـ كأصل عام ـ مجرد خزان مائى، مفترض بناؤه وتوظيفه لأغراض سلمية محددة، طبقا للأصول الفنية واتفاق الأطراف، بما لا يضر بوجود أو مصالح دول المصب، وهذا بذاته لا يشكل عدوان.

ولكن إذا حجبت دراسات وتعديلات البناء الأخيرة، وكانت التصميمات الإنشائية لأساسات السد لا تعتبر انتشار الفواصل والتشققات الكثيفة بالطبقة الصخرية أسفله، بما يهدد بانزلاقه وانهياره، وكان تراكم الطمى داخل بحيرة السد نتيجة لعدم وجود فتحات كافية بالقاع لتمرير المواد الرسوبية (والتى رفضت إثيوبيا طلب البلدين عملها) يزيد لاحتمالات انهياره، كذلك انهيار سد فيبى 2 ثلاث مرات للظروف الطبيعية بإثيوبيا، وبدؤها الملء الثانى للسد بقرار منفرد، وكانت السعة التخزينية لا تستوعب كميات المياه وتحولها لتسونامى، وكانت السودان المتضرر المباشر بتوقف محطات المياه والكهرباء واكتساح مائى كامل لمناطق بشرق السودان، وخسارة مصر %51 من أراضيها الزراعية، وغيرها من سيناريوهات انهيار السد الآن أو بعد اكتمال عمليات الملء والتخزين لـ74 مليار متر مياه.. فهنا يتحول الخزان إلى (قنبلة مائية) بسبب سلوك عدوانى أحادى لإثيوبيا، يتجاهل الآثار التدميرية لوجوده أو انهياره على مصر والسودان.

هنا تحوّل تعسف إثيوبيا باستخدام حقها كمالك للسد، لسلوك عدوانى صريح، بتحويله من خزان، لجسم قنبلة مذخر بماء طوفاني! التحول الكيفى والكمى لوظيفة السد، جعله أداة تدمير بيد سلوك عدوانى، ليكون التكييف الصحيح لقرار الملء المنفرد ورفض التنسيق مع دول المصب ومخالفة إعلان المبادئ ورفض التفتيش على السد وإصلاح الخلل.. هو ابتداء العدوان الإثيوبى على دول المصب!

فإذا كانت الهجمة السيبرانية تعادل هجوما مسلحا، فسد النهضة كقنبلة مائية موقوتة، يسجل حالة ابتداء عدوان مسلح لإثيوبيا، بجسامة الضرر الواقع وفورية وقوعه. فتحويل وظيفة الخزان لقنبلة مؤكد انفجارها، تعتبره معايير مقبولة لدى عدد من فقهاء القانون الدولى، تصنف تحول شكل السد ووظيفة تخزينه وإساءة استخدام المياه، كنوع من القوة وفقاً للمادة 4/2 بميثاق الأمم المتحدة.

إذن؛ فتحويل سد النهضة بالسلوك العدوانى المنفرد لإثيوبيا من خزان لقنبلة مائية، أصبح عدوانا مباشرا باستخدام شكل جديد من أشكال القوة طبقا للمادة 4/2 من ميثاق الأمم المتحدة.

وعليه؛ يكون بثبوت استخدام إثيوبيا لسد النهضة، كتهديد يقينى باستخدام «قوة المياه المسلحة» ضد سلامة الأراضى المصرية والسودانية، ما يدخلهما بالمادة ٥١ للميثاق، خاصة وغالبية الفقه اعتبر نص المادة ٥١ لم يضع قيوداً لممارسة حق الدفاع الشرعى، غير تلك المقررة بالقانون الدولى التقليدى، والنص وصف الحالة الدفاع الشرعى بأنها حق طبيعى للدولة، بما جعله نصا مُقررا وليس مُنشئا لهذا الحق، المستمد مباشرة من قواعد القانون الدولى التقليدى، (خاصة بعدم تناول النص لشروط قيام هذه الحالة، كقاعدة التناسب أو تقدير اللحظة الزمنية، لضبط توقيت قيام حالة الدفاع الشرعى) وبالتالى يحق لمصر والسودان استخدام القوة المسلحة لمواجهة أى تهديد لهما بالعدوان، إذا كان هذا التهديد مؤكداً، بوجود دلائل واضحة أن العدوان المرتقب وشيك الوقوع، كأن تكون مراحله الأولى قد بدأت بالفعل وفقاً للملابسات والظروف الثابتة للجميع.

حقيقة وقانونا ووثائقيا، فسد النهضة عدوانا مسلحا، يلزم توصيل صورته الذهنية الحقيقية لمصر والعالم، وليس أجدر من الإعلام والسياسة الخارجية من تقديم هذه الصورة الجديدة، لدعم حق الدفاع الشرعى الاستباقى لمصر والسودان، الموجه لجسم السد فقط، وليس لسلامة الأراضى الإثيوبية أو استقلالها السياسى.

فالعدوان ثبت والدفاع الشرعى مستحق.

وللحديث بقية!

* محامى وكاتب مصرى

‏bakriway@gmail.com