فى جولة حافلة بالأحداث بين قرى محافظتى الأقصر وقنا الفقيرة، والتى تعانى من عدم اهتمام حكومى لعشرات السنين، كشفت وزيرة التعاون الدولى الدكتورة سحر نصر عن كواليس النقاشات التى تتم داخل مجلس الوزراء بشأن الحصول على قروض خارجية من مؤسسات التمويل الدولية.
وقالت الوزيرة إن هناك آراء مختلفة داخل الحكومة بشأن أولويات الاقتراض، فالرأى الأول يرى أن تقتصر القروض على المشروعات التى تحقق عائدًا اقتصاديًّا قادرا على سداد أعباء القرض، مثل مشروعات الكهرباء والطيران المدنى، أما الرأى الثانى فيرى أن العائد الاقتصادى للمشاريع لا يمكن اختصاره فى العوائد المادية فقط، إذ توجد عوائد اجتماعية من شأنها تحقيق انطلاقة اقتصادية عملاقة مثل مشاريع التنمية البشرية والتدريب ومشاريع الصرف الصحى التى تؤثر على صحة المواطن وإنتاجه.
كما أكدت الوزيرة أن أولويات عملها خلال الفترة المقبلة، ستتم بعد الاستماع لآراء ممثلى المحافظات ونواب مجلس الشعب وإجراء جولات ميدانية على أرض الواقع بما يسهم فى علاج التحديات التى تواجه المحافظات المختلفة.
وذكرت سحر نصر التى أظهرت اهتمامًا، بمحدودى الدخل والمشاريع الصغيرة فى قرى محافظتى الأقصر وقنا، أن الاقتصاد لا يقوم على الاستثمار الخاص فقط، وأن مصر فى حاجة لمساعدات تنموية تساعد على نهضتها كما حدث فى كثير من بلدان العالم.
وردت الوزيرة على كل الانتقادات التى تم توجيهها بشأن قرض البنك الدولى المقدم لبرنامج دعم الموازنة، إذ أكدت الحكومة أن البرنامج الإصلاحى المقدم للبنك الدولى معلن منذ يونيو 2014، ولا يوجد أى بنود سرية فيه، ومن بينها تحرير أسعار الطاقة تدريجيًا الذى طبقه رئيس الوزراء شريف إسماعيل عندما كان وزيرًا للبترول، إلى جانب رفع أسعار الكهرباء للفئات العليا، وتطبيق قانون ضريبة القيمة المضافة.
وقالت وهى تتحدث بروح ثورية، إن الاقتصاد المصرى بحاجة لإجراء إصلاحات جذرية للنهوض به، والخروج من مرحلة عنق الزجاجة، بصرف النظر عن القرض، مؤكدة أن صرف القرض بدون أى إصلاحات حقيقية يعد إهدارًا للمال أو “رميه فى بلاعة”.
الاستعانة بنواب الشعب لتحديد الأولويات العاجلة
أكدت الوزيرة أنها ستحدد أولويات المشروعات التى سيتم تنفيذها خلال الفترة المقبلة، بعد الاستماع للمحافظين بكل أنحاء الجمهورية، ثم معرفة وجهة نظر نواب مجلس الشعب فى المشروعات التى تحتاجها كل محافظة، وأخيرًا إجراء جولات ميدانية للاستماع للأهالى على أرض الواقع.
وأعربت سحر نصر عن سعيها لتشكيل فريق عمل يضم إعلاميين وممثلى الحكومة وبرلمانيين للمساهمة فى تحديد الأولويات العاجلة قائلة “عايزين نحط الأموال فى مكانها المناسب”.
وأضافت أن الجولة التى قامت بها لمحافظة الأقصر أظهرت التحديات الحقيقية التى تعانى منها المحافظة، وهى عدم وجود مشروعات للصرف الصحى، وتدنى الخدمات الصحية، وعدم توافر المياه النظيفة، مؤكدة أن تلك المشكلات توثر بالسلب على إنتاجية الشخص.
وتابعت: الزيارة التى قامت بها لمحافظة شمال سيناء أظهرت أيضا حاجة أهالى المدينة للتمويل للبدء فى مشروعات إنتاجية وزراعية.
وأضافت الوزيرة أنها ستعقد خلال الفترة المقبلة سلسلة لقاءات مع جميع المحافظين لمعرفة أولوياته قائلة: “أنا مش بنام وعايزة أعرف الناس محتاجة إيه”، لافتة إلى أنها ستطلب من بنك التنمية الأفريقى توفير 30 مليون دولار لوضع اللمسات النهائية لمشروعات الصرف الصحى بمحافظة الأقصر.
رسائل زيارة كبير مستشارى “كيرى”
وذكرت سحر نصر أن جولة كبير مستشارى وزير الخارجية الأمريكى جون كيرى، ديفيد ثورن، الذى يعد من أهم رجال السياسة فى الولايات المتحدة الأمريكية، للمناطق الأثرية فى الأقصر رسالة للعالم أجمع بأن مصر آمنة، وأن الولايات المتحدة الأمريكية تشجع السياحة المصرية.
وكان كبير مستشارى وزير الخارجية الأمريكى، قد تفقد عددًا من المشروعات التنموية التى تنفذها المعونة الأمريكية فى الأقصر، بصحبة السفير الأمريكى بالقاهرة ستيفن بيكروفت، والتى تركزت غالبيتها فى تطوير المناطق الأثرية، وقالت سحر نصر إن مشروعات ترميم المناطق الأثرية جاءت فى توقيت مناسب، خصوصا مع هدوء الحركة السياحية، مؤكدة صعوبة إجراء عمليات الترميم وقت الرواج السياحى.
وأضافت سحر نصر أن المعونة تسهم فى تدريب العاملين بالقطاع – الذى خسروا أعمالهم بعد تراجع الحركة السياحية – على ترميم المناطق الأثرية، مشيرة إلى 100% من العاملين بتلك المشروعات مصريين.
وقال كبير مستشارى وزير الخارجية، الذى زار معبد الكرنك، إن المعبد هو منبع الآثار والتراث معربًا عن انبهاره بوجوده فى المعبد، مؤكدًا أن زيارته لمصر رسالة لسلام للعالم بأن مصر آمنة.
وكان السفير الأمريكى بالقاهرة قد أعرب عن أملة فى أن تعود السياحة لمصر بقوة خلال الفترة المقبلة، باعتبارها من أهم مصادر النقد الأجنبى للحكومة.
وتضررت السياحة المصرية بقوة بعد سقوط الطائرة الروسية فى سيناء أكتوبر الماضى بعد مغادرتها مطار شرم الشيخ السياحى.
الشريحة الثانية من قرض “التنمية الأفريقى”
أعربت وزيرة التعاون الدولى عن نيتها لإجراء مفاوضات مع بنك التنمية الأفريقى للحصول على الدفعة الثانية من قرض دعم الموازنة العامة للدولة، البالغ 1.5 مليار دولار على ثلاث سنوات، ولكنه أكدت أن ذلك مرهون بإجراء بالتحرك لتنفيذ البرامج الإصلاحية.
وحصلت مصر على الشريحة الأولى من القرض بقيمة 500 مليون دولار، قبل نهاية العام الماضى، بموجب برنامج إصلاحى تقديمه للبنكين الدولى والتنمية الأفريقى، كما تم عرضه على الاتحاد الأوروبى.
وأكدت الوزيرة أن نفس برنامج الإصلاح الاقتصادى الذى سيتم عرضه على البرلمان يتضمن جميع البنود التى تم عرضها على البنكين الدولى والإفريقى لنيل ثقته فى الحكومة الحالية.
وأشارت سحر نصر إلى أن جميع البرامج الإصلاحية المطروحة على مؤسسات التمويل الدولية لم يتم فرضها على مصر قائلة: “أنا اللى كتبت البرنامج بخط يدى وجمعت كل الإصلاحات التى تمت منذ يونيو 2014″.
والبرنامج الذى قدمته مصر للحصول على قرض البنك الدولى وقرض التنمية الأفريقى، يتضمن 3 مستهدفات رئيسية.
والهدف الأول يتضمن 4 محاور أساسية تأتى فى مقدمتها استهداف زيادة إيرادات ضريبة الدخل على الشركات والمبيعات على السلع والخدمات من 5.4% من الناتج المحلى الإجمالى العام الماضى إلى 6.7% فى 2018.
فيما يتمثل المحور الثانى فى خفض نسبة فاتورة أجور موظفى الحكومة من 8.2% من الناتج المحلى الإجمالى فى 2015 إلى 7.5% فى 2018.
ويشمل المحور الثالث والرابع التزام الحكومة بنشر إستراتيجتها متوسطة الأجل فى إدارة الدين، بالإضافة إلى المراجعة والتدقيق الداخلى لأداء جميع القطاعات والهيئات التابعة لوزارة المالية من قبل أربعة مراجعين للحسابات على الأقل.
ويستهدف البرنامج وضع تعريفة منفصلة لنقل الغاز بحلول عام 2018، وتفعيل بوابة إلكترونية مخصصة لنشر جميع اللوائح والإجراءات خلال 3 سنوات، وزيادة مشاركة القطاع الخاص فى مشروعات الطاقة المتجددة لترتفع حصتهم من صفر بأكتوبر العام الماضى إلى 1500 ميجاوات نهاية 2018.
قانون القيمة المضافة لن يطبق بنسبة 100% على جميع القطاعات
وكشفت وزيرة التعاون الدولى أن الرئيس عبدالفتاح السيسى رفع قانون ضريبة القيمة المضافة للبرلمان، مؤكدة أن مشروع الموازنة العامة للدولة خلال العام المالى الجديد قائم على أساس إقرار القانون بصرف النظر عن اللجوء لقرض البنك الدولى من عدمه.
وأكدت سحر نصر أن ضريبية القيمة المضافة لن يتم تطبيقها بشكل كامل، لافتة إلى أنه سيتم استثناء قطاعى التعليم والصحة قائلة “التطعيم وأدوية المستشفيات أو أى حاجة لها علاقة بالأكل باستثناء الأطعمة الفاخرة مثل الكافيار والجمبرى والجبنة الفرنساوى والسويسرى”.
وقالت الوزيرة: “اللى بيشترى جبنة بـ200 جنيه مش هتفرق معاه لو حتى ارتفع سعرها لأكثر من 400 جنيه لأنه بيبعت السواق بتاعه يشتريها وميعرفش تمنها أصلًا.. ليه كل الناس شايفة القيمة المضافة على أنها عفريت.. العالم كله بيطبقها”، مضيفة أن الحكومة لا بد أن تضع حلولًا لأزمة عجز الموازنة العامة للدولة، وتحقيق استقرار فى الوضع الاقتصادى.
وذكرت أن الحصول على قروض دعم الموازنة دون إجراء إصلاحات حقيقية “كأنك بترمى الفلوس فى بلاعة”، لافتة إلى أن قروض دعم الموازنة تتم بناء على برنامج إصلاحى وطنى تقدمه البلدان بهدف حمايتها.
إصلاحات قرض دعم الموازنة «مش سرية».. والجميع يعلم بزيادة سعر الكهرباء والطاقة
وردًا على انتقادات عدم إعلان الحكومة عن البرامج الإصلاحية التى تم تقديمها للبنك الدولى، والتى كان من بينها التى قالها الدكتور زياد بهاء الدين نائب رئيس الوزراء ووزير التعاون الدولى الأسبق، قالت وزيرة التعاون الدولى إن جميع الإصلاحات التى تم تقديمها للبنك الدولى معلنة “ومش سرية”، ومن بينها قانون الاستثمار الذى تم التصديق عليه منذ مارس 2015، وكذلك خطة تحرير سعر الطاقة التى طبقها رئيس مجلس الوزراء عندما كان وزيرًا للبترول.
وأكدت الحكومة أن الإصلاحات التى ستنفذها فى مجال الطاقة ستقلص من الحصة السوقية لشركات الطاقة القابضة الحكومية من 92% العام الماضى إلى 85% بحلول 2018.
ويشمل البرنامج أيضا خفض فاتورة دعم الطاقة من 6.6% من الناتج المحلى فى 2013 إلى 3.3% فى 2016.
وأضافت الوزيرة أن الجميع على علم بأن أسعار الكهرباء تم رفعها متسائلة “هو فى حد ميعرفش أن الكهرباء غليت”.
ويشمل البرنامج الاتفاق على زيادة متوسط تعريفة الكهرباء على جميع فئات المستهلكين من 0.226 جنيه لكل كيلو وات/ ساعة فى عام 2014 إلى 0.451 جنيهًا لكل كيلو وات/ ساعة بحلول عام 2018 وتحويل عجز الطاقة الكهربائية بنحو 5540 ميجاوات فى العام المالى 2015 إلى فائض قدره 1000 ميجاوات بحلول عام 2018.
وأشادت الوزيرة بتأكيد الدكتور زياد بهاء الدين، بأن قرض البنك الدولى لا يتضمن أى شروط.
وأكدت سحر نصر أن أى قرض أو منح سيتم تقديمها لمجلس النواب لإقرارها بما فى ذلك الاتفاقيات التى تم توقيعها مع المملكة العربية السعودية.
رؤية وزراء الحكومة لأولويات الاقتراض الخارجى
قالت وزيرة التعاون الدولى إنه يوجد وجهتا نظر داخل مجلس الوزراء بشأن الاقتراض، الأول يرى أن يقتصر على المشاريع التى لها عائد اقتصادى تسدد أعباءها، بينما الرأى الثانى يؤكد أن هناك مشاريع لها عائد اجتماعى مثل التعليم والتدريب التى تحقق التنمية البشرية، بما يسهم زيادة الإنتاجية، وبالتالى علينا الإسراع فى تنفيذها.
وأكدت أهمية المشروعات العملاقة التى لها بعد حضارى مثل مشروع المتحف المصرى الكبير بمنطقة الأهرامات، مشيرة إلى أن تذكرة المتحف لا يمكنها أن تغطى تكلفة القرض، ولكن المشروع يعبر عن الحضارة المصرية، كما أنه آلية جيدة لتنشيط السياحة.
وحصلت مصر على قرض بقيمة 400 مليون دولار للمرحلة الأولى لمشروع المتحف المصرى الكبير، وقالت الوزيرة إنها طلبت 400 مليون دولار أخرى للمرحلة الثانية، وتمويل مشروع المتحف المصرى الكبير يتم مناصفة بين مصر واليابان.
بعض الوزراء تساءلوا عن عائد إنشاء «المتحف المصرى».. ولكن لا يمكن اختصار الأمر على «الفلوس»
وذكرت سحر نصر أن بعض الوزراء تساءلوا عن العائد الاقتصادى من مشروع المتحف الكبير ولكن آراء أخرى متخصصة داخل المجلس قالت إن تذكرة المتحف هدفها الصيانة فقط، وليس سداد القرض، فالمتحف كالكتاب لا يقاس ثمنه بقدر المعرفة التى يقدمها للقارئ.
وأضافت وزيرة التعاون الدولى أن مشروعات الكهرباء، بعد خطة زيادة أسعار الكهرباء، قادرة على سداد القروض، وكذلك مشروعات المطارات، ولكن البلاد التى تنشئ متاحف لا تنظر للعائد الاقتصادى بقدر نظرتها للبعد الحضارى الوطنى.
وشددت الوزيرة على أن مشروعات التنمية البشرية لا بد من التوسع فيها، لافتة إلى أن جميع الدول المتقدمة حققت تنمية بعد الاهتمام بالعنصر البشرى.
وتساءلت سحر نصر ما أهمية إنشاء مصنع أو ضخ استثمارات جديد ولا توجد عمالة مدربة بما فيه الكفاية لتشغيل تلك المصانع أو صيانتها؟! قائلة: “تجيب حد يعمل مصنع ومعندكش العامل اللى يشغله صح”!
وذكرت أن كل من لديه دراية بالاقتصاد يعلم جيدًا أن العائد لا يقتصر على العوائد المالية فقط، ولكن توجد عوائد اجتماعية لا بد من تنفيذها.
وأشارت سحر نصر إلى أنه توجد قطاعات لا بد أن تقوم بها الحكومة مثل تطوير السكك الحديدية، والمزلقانات، ومشروعات الطرق، وقالت فى مجلس الوزراء: “مش لازم ننتظر الناس تموت عشان نطور المزلقانات”.