«سجن صيدنايا».. سقوط آخر معاقل التعذيب لنظام بشار الأسد في سوريا

تُقدر مساحة سجن صيدنايا بـ1.4 كيلو متر مربع، أي ما يعادل ثمانية أضعاف مساحة ملاعب كرة القدم الدولية

«سجن صيدنايا».. سقوط آخر معاقل التعذيب لنظام بشار الأسد في سوريا
عبد الحميد الطحاوي

عبد الحميد الطحاوي

1:09 م, الثلاثاء, 10 ديسمبر 24

في ضواحي مدينة دمشق السورية، عثر المتجمهرون على باب يفتح على مجمع سري تحت الأرض، يمتد لخمسة طوابق ويحتجز داخله آخر أسرى نظام بشار الأسد، وهم يكافحون من أجل التقاط الهواء، هذا الاكتشاف قلب الاحتفالات رأسًا على عقب وجعل الأنظار تتجه إلى سجن صيدنايا، المعروف محليًا بـ”المسلخ البشري”، والذي يعد أحد أسوأ مراكز التعذيب التابعة للحكومة السورية.

مع انتشار الأخبار، انطلقت السيارات مسرعة نحو السجن، توقفت حركة المرور في الطرق المؤدية إليه، وبدأ الناس يتبادلون الشائعات من نوافذ السيارات عن وجود 1500 معتقل محاصر تحت الأرض، ترك البعض سياراتهم وواصلوا الطريق سيرًا على الأقدام للتحقق من الأمر، بحسب ما نشرته وكالة الجارديان.

عند بوابات السجن، التي كانت سابقًا تضمن الدخول بلا خروج، أضاءت الحشود طريقها بمصابيح الهواتف، وتجمعت العائلات حول نيران صغيرة بحثًا عن الدفء وأملًا في التعرف على وجوه أحبائهم، حاول المقاتلون المعارضون منع الناس من دخول السجن، وأطلقوا أعيرة نارية في الهواء، لكن الحشود المذعورة استمرت في التقدم.

داخل السجن، تفرق الناس في ممراته المعقدة بحثًا عن أدلة تشير إلى أماكن أقربائهم، في سباق مع الزمن للوصول إلى الجناح السري تحت الأرض، المعروف بـ”الجناح الأحمر”. أشارت شهادات إلى أن الأسرى كانوا يختنقون جوعًا ويعانون من نقص الهواء.

وبحسب الوكالة، قال أحمد الشنين، أحد الباحثين عن أقاربه:

“لدي ثلاثة مفقودين من عائلتي. قيل لنا إن هناك أربعة طوابق تحت الأرض، وإن الناس يختنقون في الداخل. لكننا لا نعرف مكانهم.”

صيدنايا: متاهة للتعذيب والإذلال

بُني سجن صدنايا في سوريا عام 1987 فوق تلة صغيرة عند بداية سهل صيدنايا، وهي بلدة جبلية تبعد مسافة 30 كيلومتراً شمال العاصمة دمشق، وتُقدر مساحة سجن صيدنايا بـ1.4 كيلو متر مربع، أي ما يعادل ثمانية أضعاف مساحة ملاعب كرة القدم الدولية في سوريا مجتمعة، وفق تقارير إعلامية.

أعدم فيه خلال الفترة من 2012 إلى 2022 من 30 إلى 35 ألف سجين، بشكل مباشر أو تحت التعذيب، أو بسبب قلة الرعاية الطبية والتجويع.

يتكون السجن من بناءين: البناء القديم وهو البناء الأحمر وكان مخصصاً للمعتقلين السياسيين والأمنيين من المعارضين للنظام الحاكم، والبناء الجديد المعروف باسم البناء الأبيض، وكان مخصصاً للسجناء الجنائيين من العسكريين المخالفين ومرتكبي جرائم الفساد الوظيفي والجرائم الجنائية.
صُمم السجن ليضيع داخله الإحساس بالمكان. في مركزه، درج حلزوني يبدو بلا نهاية من الطابق الأرضي، محاط بقضبان معدنية وأبواب ضخمة متشابهة تقود إلى ثلاثة أجنحة، لكل منها نوع مختلف من التعذيب.

تكدست الزنزانات الضيقة بالبطانيات والملابس التي تركها السجناء بعد إطلاق سراحهم. أظهرت مقاطع فيديو مقاتلين يحررون سجينات ترددن في المغادرة، غير مصدقات أنهن في طريقهن إلى الحرية.
الزنزانات، التي لا تتجاوز بضعة أمتار، كانت تحوي أكثر من 12 شخصًا في الوقت نفسه، وفقًا لمنظمات حقوقية. صرخات التعذيب كانت تتردد في الممرات. أفادت منظمة العفو الدولية أن السجن احتجز نحو 20,000 معتقل، معظمهم بعد محاكمات صورية استغرقت دقائق.

أُجبر السجناء على الصمت المطلق، لكنهم لجأوا إلى الكتابة على الجدران. أحد النقوش قال:

“كفى، خذني فحسب.”

وفي ورقة مهترئة، وثق معتقل وفاة زميله، مشيرًا إلى أنه سقط أثناء نوبة مرضية. ترك الكاتب رقم هاتف، لكن عند الاتصال به لم يرد أحد.

في خضم الفوضى، استحوذت العائلات على السجلات التي تضمنت أسماء وتفاصيل عن المعتقلين. حذرت منظمات حقوقية من ضرورة الحفاظ على هذه السجلات بشكل منظم لتوثيق مصير 136,000 شخص اعتقلهم النظام السوري.
وسط الصخب، سُمعت أصوات قادمة من أسفل السجن. هرع الجميع نحو المكان، وبدأ المقاتلون بكسر الأبواب باستخدام أدوات معدنية، في محاولة للوصول إلى الناجين تحت الأرض، حيث بقي الأمل حياً في مواجهة واقع قاتم.

السيطرة على السجن

في 8 ديسمبر 2024، سيطرت قوات المعارضة على سجن صيدنايا خلال تقدمها نحو دمشق. ووافقت إدارة السجن على تسليمه مقابل انسحابها بأمان. بعد السيطرة، أُطلق سراح المعتقلين المتبقين من القسم “الأبيض”، بينما تعمل المعارضة على تحرير المعتقلين من القسم “الأحمر

وكان الدفاع المدني السوري “الخوذ البيضاء”، قد أعلن في وقت مبكر من صباح اليوم الثلاثاء، انتهاء عمليات البحث عن معتقلين محتملين في سجن صيدنايا “سيء السمعة” دون العثور على أي زنازين سرية لم تُفتح بعد.

وقال في بيان إن “فرقه المتخصصة بحثت في جميع أقسام ومرافق السجن وفي أقبيته وباحاته وخارج أبنيته، بوجود أشخاص كانوا بمرافقتها ولديهم دراية كاملة في السجن وتفاصيله، ولم تعثر على أي دليل يؤكد وجود أقبية سرية أو سراديب غير مكتشفة”.

وعبر الدفاع المدني عن شعوره “بخيبة أمل كبيرة لوجود آلاف المعتقلين الذين ما زالوا في عداد المفقودين”.

وذكرت “الخوذ البيضاء”، أن عملية البحث شاركت فيها 5 فرق مختصة بينها فريقا K9 (فرق الكلاب البوليسية المدربة) إضافة لفرق الدعم والإسعاف.

 وقالت إن هذه الفرق تتبعت جميع المداخل والمخارج وفتحات التهوية وأنابيب الصرف الصحي والمياه والأسلاك الكهرباء وكابلات كاميرات المراقبة دون أن تجد أي أقبية أو سراديب غير مكتشفة.

وتابعت: “وإننا إذ نعبر عن شعورنا بخيبة أمل كبيرة لوجود آلاف المعتقلين الذين مازالوا في عداد المفقودين، ولم يتمكن ذويهم من الوصول لأي معلومات تكشف مصيرهم، فإننا في الوقت نفسه نتضامن مع ذوي الضحايا ونتفهم تماماً شعورهم بانتظار أحبابهم وفلذات أكبادهم”. 

دعت منظمة هيومن رايتس ووتش، عبر مديرتها الإقليمية سارة ليا ويتسن، الرئيس بشار الأسد إلى فتح تحقيق مستقل في استخدام القوة المميتة من قبل الشرطة في سجن صيدنايا. في المقابل، أصدرت وكالة الأنباء السورية الرسمية (سانا) بيانًا في 6 يوليو، ذكرت فيه أن “عددًا من السجناء أحدثوا فوضى واعتدوا على زملائهم السجناء أثناء تفتيش السجن”. وأوضحت أن الحراس تدخلوا لإعادة النظام. علق عمار القربي، مدير المنظمة الوطنية لحقوق الإنسان، داعيًا إلى تشكيل لجنة من النشطاء لزيارة المعتقلين والتحقق من أوضاعهم، مشيرًا إلى أن عدد السجناء يتراوح بين 1500 و2000، 200 منهم ينتمون إلى تيارات إسلامية، أغلبهم شارك في حرب العراق.