تحتاج شركات تصنيع المركبات الكهربائية في الصين إلى زيادة مشتريات الخليجيين منها وسط تراجع الطلب عليها في الصين، بحسب وكالة بلومبرج.
ويجئ هذا وسط تعرُّض الشركات لتعريفات جمركية كبيرة على الواردات في الولايات المتحدة، إلى جانب تحقيق الاتحاد الأوروبي في الدعم الصيني، يرى صناع السيارات في المنطقة فرصة كبيرة للنمو، لم تُستغل في الأغلب. ففي دول الخليج الست، ومنها السعودية والإمارات، اللتان تُعدان من أكبر الدول المنتجة للنفط، تمثل المركبات الكهربائية 0.4% فقط من سوق سيارات الركاب.
دفع ذلك بعض أشهر صناع السيارات الصينيين إلى التوافد على المنطقة؛ حيث تعتزم “شيري أوتوموبيل” إصدار طرازين جديدين على الأقل من المركبات الهجينة أو الكهربائية، فيما بدأت علامة “زيكر” التجارية الفاخرة، التابعة لشركتي “إكس بنغ” و “تشيجيانغ جيلي هولدينغ غروب” ، مبيعاتها في إسرائيل، وتعتزم توسيع نشاطها ليشمل مزيداً من دول المنطقة، مثل قطر والبحرين.
عوائق أمام المركبات الكهربائية في المنطقة
لكن جهود الشركات الصينية لتعزيز حضورها تواجه عقبات كثيرة، بدءاً من الجوانب الاقتصادية البسيطة –فالوقود أقل تكلفة في أكبر الدول المنتجة للنفط بشكل عام- إلى انعدام الوعي بالعلامة التجارية بين المشترين المحتملين، وقلة البنية التحتية للشحن، والمخاوف حول قدرة بطاريات السيارات على تحمل حر الصيف القاسي في الشرق الأوسط.
قال أحمد فيروزي، مدير التسويق في شركة “ناصر بن خالد للسيارات” القطرية: “أظن أن الوضع متخبطاً في الشرق الأوسط. فالمركبات الكهربائية ليست مُجهزة للاستخدام في دول عديدة، لكن بالنسبة للفكرة، فهي رائعة، غير أن النمو لا يزال بطيئاً للغاية هنا. تعرض شركتنا مركبات كهربائية، لكن حجم المبيعات والاستفسارات ضئيل”. يُذكر أن الشركة تتعاون مع علامات تجارية مثل “إم جي موتور” (MG Motor) و”لينك أند كو” (Lynk & Co)، المشروع المشترك بين شركتي “جيلي” و”فولفو”.
هناك أيضاً خطر تصعيد الحرب بين إسرائيل وحماس؛ فبعد الهجوم المباغت التي شنته الجماعة المسلحة في 7 أكتوبر وأسفر عن 1400 قتيل إسرائيلي، تعهدت تل أبيب بالقضاء على حماس، الحركة التي صنفتها الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي جماعة إرهابية.
استثمارات إماراتية وصفقات سعودية
يقدم بعض أكبر منتجي النفط في الشرق الأوسط تعهدات طموحة بالتخلي عن الوقود الأحفوري الذي دعم نموها الاقتصادي، والتحول إلى التقنيات الخضراء التي تُعد محوراً أساسياً في الجهود العالمية الرامية إلى خفض الانبعاثات.
تعتزم الإمارات استثمار ما يقارب 200 مليار درهم (55 مليار دولار) بحلول 2030 لتغيير استراتيجيتها للطاقة، وتعهدت بأن تمثل المركبات الكهربائية والهجينة أكثر من 50% من السيارات الموجودة في البلد بحلول 2050، ارتفاعاً من نسبة 4% في الفترة الحالية.
وافقت السعودية هذا العام على تشييد مصنع لشركة “سير”، أول علامة تجارية محلية للمركبات الكهربائية، ويُنتظر أن تبدأ بيع سياراتها في 2025، كما افتتحت مصنعاً آخر بالتعاون مع “لوسيد غروب”، ومقرها في كاليفورنيا، في الآونة الأخيرة. وقعت المملكة صفقة بقيمة 5.6 مليار دولار مع شركة “هيومان هورايزونز تكنولوجي” الصينية، صانعة المركبات الكهربائية الفاخرة، ما يعكس اهتمام المنطقة بالسيارات الفاخرة. وعلى صعيد آخر، استحوذت حكومة أبوظبي في العام الجاري على حصة 7% في شركة “نيو” الصينية للمركبات الكهربائية.
زيادة المبيعات في المنطقة
مثلت العلامات التجارية الصينية في العام الماضي 16% من مبيعات المركبات الجديدة في السعودية، التي بلغت 616,500 مركبة. وكانت الدولة الخليجية أيضاً ثاني أكبر مستورد للسيارات الصينية، بعد المكسيك، في 2022، قبل أن تتراجع إلى المرتبة الخامسة، وسط زيادة صادرات السيارات إلى روسيا وأوروبا.
تشهد العلامات التجارية، مثل “إم جي”، نمواً سريعاً في الإمارات، حيث ارتفعت مبيعاتها بنسبة 86% خلال الأشهر الثلاثة الأولى من العام الجاري، وفقاً لتقارير وسائل الإعلام المحلية.
بلغت مبيعات شركة “بي واي دي” من المركبات الكهربائية أعلى مستوياتها في إسرائيل، وحلت بالمرتبة الرابعة في إجمالي مبيعات السيارات خلال الشهور التسعة الأولى من 2023. مثلت المركبات المصنوعة في الصين نحو 80% من 16 ألف مركبة كهربائية مصنوعة في الخارج جرى استيرادها إلى منطقة التجارة الحرة بمحافظة الزرقاء، التي تقع في وسط الأردن، خلال النصف الأول من العام.
فرصة استثمارية وسوق واعدة
يُرجح أن تستفيد شركات السيارات من توطيد العلاقات الاقتصادية بين الصين والشرق الأوسط، فيما تنتشر تبعات تصاعد التوترات التجارية مع أوروبا والولايات المتحدة في قطاع المركبات الكهربائية، وتهدد بتقويض طموحاته في الخارج. وبذلك، باتت المنطقة تمثل فرصة استثمار جاذبة قد تساعد الشركات الصينية على إمكانية الوصول إلى تمويل جديد بسهولة أكبر، بل وتفادي قوانين الاستيراد الصارمة في الأسواق الغربية.
تتطور ميول المستهلكين في الشرق الأوسط، إذ ينظرون الآن إلى المركبات الصينية على أنها متينة وموثوقة وتتسم بقدرات تضاهي السيارات الألمانية أو الأميركية أو اليابانية التي تجعلها جديرة بسعرها المرتفع، بحسب هشام عامر، موزع سيارات، مقره في الإمارات، وسبق له التعاون مع علامات تجارية مثل “غوانزو أوتوموبيل غروب”.
أضاف عامر أن الجوانب الاقتصادية للوقود بدأت تتغير لصالح المركبات الكهربائية أيضاً. ورغم أن تكلفة قيادة مركبة تستهلك كمية كبيرة من البنزين لا تزال قليلة نسبياً في دول كثيرة- يتراوح سعر البنزين في السعودية وقطر ما بين 58 و62 سنتاً للتر (أي ما بين 2.18 و2.35 دولار للغالون)- فامتلاك مركبة كهربائية يُعد خياراً مالياً حكيماً في بعض الدول. في الإمارات، حيث حددت الحكومة سعراً أعلى للبنزين عند 90 سنتاً للتر (3.43 دولار للغالون)، تقارب تكلفة ملء خزان وقود سيارة رياضية متعددة الأعراض 50 دولاراً، مقارنة بنحو 10 دولارات لشحن مركبة كهربائية من الحجم ذاته بشكل كامل.
قال ييل جانغ، العضو المنتدب بشركة “أوتو فورسايت” الاستشارية، ومقرها في شنغهاي: “الشرق الأوسط يمثل أكبر سوق واعدة لشركات السيارات الصينية على الأرجح. ربما يهتم العملاء الأثرياء بوجه خاص بمركبة كهربائية مدمج بها تقنيات مبتكرة، وقادرة على التسارع بسرعة مثل سيارة (بورشه)”.
طقس الشرق الأوسط
تدرس الشركات الصينية أيضاً كيفية تهدئة المخاوف حول قدرة السيارات المصنوعة في الخارج على تحمل الحر الشديد والرمال والأتربة في الشرق الأوسط.
وعن ذلك قال بيتر ماتكين، مدير البحث والتطوير بعلامة “إكسيد” (Exeed) التجارية الفاخرة التابعة لشركة “شيري”، إن إحدى الطرق التي تستخدمها العلامات التجارية لاختبار متانة سياراتها هي ترك المركبة في الهواء الطلق ليوم كامل خلال فصل الصيف لتقييم تأثير البيئة على المواد، فبعض المركبات غير المصممة خصوصاً للشرق الأوسط بدأت تصدر صريراً بعد تركها في الهواء الطلق لمدة طويلة.
كما يُعد أداء البطارية أيضاً من أكبر مصادر القلق لصناع السيارات والمستهلكين على حد سواء.
خلال فصل الصيف في الدوحة، حيث قد تبلغ درجات الحرارة 50 مئوية (122 فهرنهايت)، قد يزداد الوقت اللازم لشحن مركبة كهربائية من منفذ شحن تجاري بقدرة 50 كيلوواط إلى ما يقارب ساعتين ونصف، فيما يستغرق ذلك ما بين 40 و45 دقيقة في العادة، بحسب سيرتاك بيحان، كبير العلماء في معهد قطر لبحوث البيئة والطاقة التابع لجامعة حمد بن خليفة.
البطاريات تتآكل بويترة أسرع
درجات الحرارة المرتفعة والحاجة لتشغيل تكييف الهواء باستمرار يعنيان استنزاف البطارية بسرعة، حيث أظهرت مركبة كهربائية خضعت للاختبار بالمعهد انخفاضاً في المسافة التي تقطعها السيارة من 350 كيلومتراً (217 ميلاً) شتاءً إلى 200 كيلومتر فقط صيفاً، كما أن البطاريات تتآكل بوتيرة أسرع أيضاً في الأجواء الحارة، وتتدهور قدرتها ما بين 70% و75% خلال فترة الضمان الموحدة ومدتها 10 سنوات.
التغلب على العوائق التكنولوجيا لن يضمن حصول الشركات الصينية على حصة سوقية، إذ إن البنية التحتية للشحن نادرة في عديد من دول الشرق الأوسط، ففي الإمارات هناك أقل من 900 محطة شحن في الفترة الحالية، إلا أن الدولة تعهدت بإنشاء 30 ألف محطة بنهاية 2050. ورغم تحسن الآراء في جودة المركبات “المصنوعة في الصين”، لكن لا يزال معظم العلامات التجارية غير معروفة نسبياً في المنطقة.
إقبال محدود في معرض جنيف
في معرض جنيف الدولي للسيارات الذي أُقيم في أكتوبر، واستضافته الدوحة هذا العام، جذبت مقصورات الشركات الصينية، مثل “شيري” و”لينك”، مجموعة من المتفرجين المهتمين، لكن الحشد الأكبر تهافت على الأسماء الشهيرة، مثل “بورشه” و”لامبورغيني”.
مركبة “إكسلانتيكس إي إس” الكهربائية معروضة في معرض جنيف الدولي للسيارات في قطرالمصدر: بلومبرغ
تتطلع العلامات التجارية الغربية الشهيرة أيضاً إلى دخول سوق الشرق الأوسط لتنافس المركبات الكهربائية الصينية.
أطلق الوكيل المحلي لمجموعة “مرسيدس بنز” 3 طرازات كهربائية على الأقل في المعرض الذي أٌقيم في الدوحة، وقال سلفين غوفيندر، مدير التسويق والمبيعات في الشرق الأوسط وأفريقيا، إنه يرى اهتمام العملاء. وأضاف أن مبيعات الشركة من المركبات الكهربائية زادت بأكثر من 10% في الإمارات، وارتفعت في السعودية بنسبة أقل.
بالنسبة لبعض الحاضرين، فإن ترجمة فضولهم تجاه المركبات الكهربائية الصينية إلى مبيعات حقيقية ستستغرق فترة.
وفاء ومحمد، زوجان في العقد الرابع من العمر يعيشان في الدوحة، وطلبا عدم الكشف عن لقب عائلتيهما لحماية خصوصيتهما، يملكان 3 سيارات “تويوتا كورولا” و”ليكزس” و”بورشه”- ويدرسان استبدال مركبة “شيري” بإحداها، لكن المخاوف حول أداء المركبات التي تعمل بالبطارية في فصل الصيف في قطر تعني استبعاد شراء إحداها في المدى القريب. وقالت وفاء: “ربما سيبدأ غيرنا قيادة مركبة كهربائية، حينها سنفكر في الأمر”.