غزو روسيا للشرق الأوكرانى فى الأسبوع الأخير من فبراير 2022، تحت شعار مهذب لقوات حفظ السلام فى منطقة “الدونباس”، وبعد اعتراف موسكو باستقلال جمهوريتيهما، قد لا يمثل القصة غير المنتهية لروسيا.. منذ الدكتاتورية القيصرية إلى الحقبة البلشفية، ومنهما إلى الديمقراطية البيروقراطية (البيروسترويكا والجلاسونست) التى وُصفت آنئذ من جانب مسئولين متنفذين بـ”اللعبة السياسية”، التى أثبت تطور الأحداث مصداقيتها، إذ كان من أهمها المقاربة مع الصين بعد جفاءٍ دامَ لنحو عقدين، إلى غيرها من أهداف اقتصادية وليبرالية وتكنولوجية.. سوف لا يتاح لموسكو “المركزية” تحقيقها إلا حال انفتاحها على الغرب الذى تعهّد بدوره فى مطلع التسعينيات من القرن الماضى احترام الهيبة القومية لروسيا، ولعدم التوسع شرقًا فى اتجاه محيطها الحيوي، لكن سرعان ما ضرب الغرب عرض الحائط بتعهداته إذ لم تكن حكوماته مستعدّة لإدماج روسيا بكل ماضيها المترافق مع بقايا موروثات قيصرية وسوفيتية، ذلك رغم كونها دولة غربية من الناحية النظرية، لكنها غير قابلة للتغيير، ما أدى إلى تجمد العلاقات خلال فترة “كلينتون- يلتيسن”.. وعلى غير ما دعا إليه أولهما نحو “التحالف الإستراتيجي مع الإصلاح الروسي”، إذ حال دونه تضاربُ المصالح والآمال والأساطير، ومن ثم إلى بداية التوتر بينهما بسبب الحرب فى “كوسوفو” عشية القرن الحالى.. وإلى توسع حلف “ناتو” فى أوروبا الشرقية، يفاقمها وصول إحدى الدولتين إلى ذروة غير مسبوقة فيما كانت الأخرى تعانى سقوطًا مذلًّا، لذلك لم يعد مطروحًا تلبية رغبة موسكو فى الحفاظ على النظام العالمى “ثنائى القطبية”، رغم أنهما كذلك فى ميدان الأمن العسكري والنووي، وحيث لم تُفلح تلك الرمزية للشراكة الزائفة لروسيا فى مجموعة الدول السبع الكبرى G7.. مقابل انسحابها من البلطيق وشرق أوروبا، إذ حال القنوع الأوروبى المعتاد بانتظار خطوات الولايات المتحدة دون التفكير الغربي فى ضم روسيا إلى فلكه.. سوى لتوظيف حدودها الأوراسية لحمايته من الصين. مع انتخاب الرئيس “بوش دبليو” مطلع القرن بالتزامن مع الصعود (الملكي) للرئيس “بوتين”، بدت فى الأفق تحركات جديدة فى علاقات البلدين، كان من الممكن أن تغير وجه العالم للأفضل، لكن سرعان ما بدا القاطنون الجدد فى البيت الأبيض، أكثر قسوة وبراجماتية، برغم قرار روسيا مشاركة أميركا فى الحرب على الإرهاب بعد نحو ثلاثة أسابيع من انفجارات نيويورك سبتمبر 2001، سواء على الصعيد الاستخباراتي أو فى إتاحة خطوط الإمداد للجيش الأميركى إلى أفغانستان، بما فى ذلك تقديم التسهيلات البحرية والجوية، الأمر الذى يشكل المرة الأولى فى التاريخ الحديث.. أن تتواجد قوة عظمى فى الساحة الخلفية لروسيا، ما مثّل “دورًا حاسمًا”، بحسب “كولين باول” لدخول الأميركيين آسيا الوسطى، ذلك فيما تابع “بوتين” تحركه فى اتجاه الغرب حين اقترح فى البوندستاد الألماني 25 سبتمبر “محاربة مشتركة لبقايا الحرب الباردة، فى التفكير والسياسة”، لكن سرعان ما أدارت واشنطن الظهر للتحالف مع موسكو بمجرد انتصارها (الظرفي) فى أفغانستان، وفى العراق من بعد، كما فى انسحابها من الإطار الإقليمى القديم ABM، ومن ثم إلى فتح الباب لجيران روسيا فى محيطها الحيوي للحاق بقطار الغرب، وإلى الشروع فى نصب “الدرع الصاروخي” بالقرب من الأراضى الروسية، وما إلى غير ذلك من إجراءات أحادية تقطع بسعي الولايات المتحدة، وفى معيتها دول الناتو، للهيمنة على العالم.. وفى إضعاف روسيا، بحيث كان من الطبيعى أن يشن الرئيس “بوتين” هجومًا قاسيًا على السياسة الأميركية خلال مؤتمر ميونيخ للأمن 2006، منهيًا بذلك خمسة عشر عامًا من الانفراج غير المحدود بين البلدين، وللبدء منذ ذلك التاريخ حتى الآن فى تذكير العالم بالطابع الإمبراطوري لروسيا الذي لا يزال حيًّا، ولتؤكد حقوقها كقوة عظمى
End of current post