مؤمن سليم
مع اتخاذ دول العالم إجراءات إحترازية لمواجهة تفشى فيروس كورونا، وما تضمنته من إغلاق للمجال الجوى، وفرض حظر تجوال، وإغلاق لشركات.. إلخ. وهو ما ترك معه اثاراً شديدة السوء على الأقتصاد العالمى والمقدرة خسائره بـ2.7 تريليون دولار، وفقاً لمجلة بيزنس ويك، مع توقع بهبوط حجم النمو المتوقع للاقتصاد العالمى ليصل إلى أقل من %1 وهو ما فرض خسائر باهظة على الشركات اضطرت معه إلى تخفيض العمالة لديها.
أغلقت إيطاليا معظم صناعتها، وتقدم 3.5 مليون أميركى بطلبات للحصول على إعانات بطالة فى أسبوع واحد، وتم إغلاق جميع المطاعم والفنادق وشركات الطيران والسلاسل العملاقة والمحالّ التجارية الصغيرة، حيث أمرت مدن وولايات ودول بأكملها، بإغلاق الشركات غير الضرورية وأوعزت للناس بالبقاء فى منازلهم.وقدرت الأمم المتحدة أنه يمكن فقدان ما يصل إلى 25 مليون وظيفة فى الاضطرابات الاقتصادية، وهو ما يتجاوز ما حدث إبان الانهيار المالى العالمى عام 2008.
وهو نفس الوضع فى مصر، فقد تضمنت خطة الدولة لمواجهة تفشى فيروس كوفيد19 إغلاقا المجال الجوى مما اثر على قطاع الطيران والعاملين به والذى قدرت خسائره بـ2.5 مليار، وفقاً لتصريحات رئيس الوزراء، وهو ما أنعكس أيضاً على قطاع السياحة الذى شهد إلغاء لكل حجوزات شهور مارس وأبريل ومايو، بالإضافة إلى إلغاء لرحلات العمرة وهو ما قدرت معه خسائر قطاع السياحة بـ2.5 إلى 3 مليارات دولار، وفقاً لتقرير سى آى كابيتال، نتج عنه تخلى شركات السياحة عن العاملين بها، ولجوء الشركات الأخرى إلى الإغلاق. وأخيراً خروج بعض استثمارات المحافظ الأجنبية.
كما أن فرض حظر التجوال، وهو ما قلل من ساعات العمل، وتقييد بعض الأنشطة مثل المولات التجارية، وتوقف الخدمات الحكومية مثل الشهر العقارى وخدمات السجل التجارى وهيئة الأستثمار، تسبب فى تعطيل حركة الأستثمار، وتسبب فى تكبد القطاع الخاص خسائر كبيرة.
وتتنوع العمالة فى مصر بين عمالة غير منتظمة (يومية) تقدر بـ5 ملايين عامل، وعمالة منتظمة يستحوذ القطاع الخاص على %80 منها، فيما يتعلق بالعمالة غير المنتظمة والتى نعانى نقص المعلومات بشأنها، فقد فتحت وزارة القوى العاملة الباب لتسجيل العاملين غير المنتظمين لتقديم إعانات شهرية لهم تبلغ 500 جنيه، فى حين لم يسجل حتى الآن أكثر من مليون منهم، بالإضافة إلى مؤسسات المجتمع المدنى والتى تقدم لهم العون وفقاً للبيانات المتوافرة لديهم. بينما العمالة المنتظمة، والتى يمثل القطاع الخاص %80 منها، فإن وضعها فى غاية السوء، فقد أتجهت بعض الشركات إلى تخفيض الأجر بينما اتجه البعض الاخر إلى تخفيض العمالة وهو ما يزيد من فرص إرتفاع نسبة البطالة والمقدره حالياً بـ%8 وزيادة نسب الفقر أيضاً والمقدرة وفقاً لجهاز التنظيم والإدارة بـ%32.5.
كل ما سبق يفرض على الحكومة إتخاذ إجراءات لدعم القطاع الخاص من أجل استمراره من ناحية، والحفاظ على العاملين لديه من ناحية أخرى، وذلك من خلال تقديم قروض ميسرة للقطاع الخاص من أجل سداد رواتب العاملين لديه، ودراسة إمكانية الإعفاء الضريبى الشامل العام المقبل وغير المتوقع له إيرادات من الأساس.
وقد تابعنا فى الأونة الأخيرة كثيراً من التصريحات والتى تحمل مزايدات بين جميع طوائف المجتمع، فبينما يرى بعض رجال الأعمال ضرورة إنهاء حظر التجوال وعودة الحياة والعمل مرة أخرى انطلاقاً من رؤيتهم الإقتصادية للدولة والمجتمع، نرى بعض الإعلاميين المدفوعين والموجهين نحو محاربة ومهاجمة رجال الأعمال وتصيد الأخطاء تحت ستار المسئولية المجتمعية، وصولاً إلى العمال وباقى الطوائف والتى تتأرجح بين أهمية الحظر من عدمه فى الوقاية من كورونا، وبين ضرورة العودة إلى العمل بدافع مادى أو نفسى وبين الاستمرار فى المنازل.
إن المسئولية المجتمعية وفقاً لتعريف البنك الدولى هى التزام أصحاب النشاطات التجارية بالمساهمة فى التنمية المستدامة من خلال العمل مع موظفيهم وعائلاتهم ومجتمعهم المحلى لتحسين مستوى معيشة الناس بأسلوب يخدم التجارة والتنمية فى آن واحد، فهى إذاً التزام أدبى، بالإضافة إلى أنها جزء من مناخ الاستثمار ومقياس لنجاح المستثمر أو رجل الأعمال، وهو ما يقوم به بشكل كبير رجال الأعمال فى مصر، تحديداً من خلال جمعيات ومؤسسات المجتمع المدنى المملوكة لهم، أو من خلال التبرع لصندوق تحيا مصر، أو أى من مبادرات المجتمع المدنى.
والحقيقة أن المسئولية المجتمعية وإن كانت أدبية كما ذكرنا، إلا أنها إلتزام، وأحد معايير نجاح المستثمر، فكلما ارتفعت المساهمة المجتمعية ارتفعت مؤشرات التنمية وتحسنت مستوى المعيشة، وهو ما ينعكس على السوق بالجودة والانتعاش وزيادة الطلب.
إلا أن تلك المسئولية المجتمعية غير مقصورة على رجال الأعمال، وإنما هى مسئولية على كل فرد فى المجتمع، فالعامل أيضاً عليه مسئولية مجتمعية من خلال تبرعه بالعمل لساعات محددة فى إحدى المؤسسات غير الهادفة للربح أو فى المدارس، كما أن الإعلامى والصحفى أيضاً والذى يعمل على ابتزاز رجال الأعمال عاطفياً من خلال الحديث عن معاناة العمال والفقراء وتصديره مفاهيم خاطئة عن الاقتصاد والسوق والمسئولية المجتمعية تخدم توجهاته، متناسياً أن الإعلام الخاص هو إحدى المؤسسات الرأسمالية والمملوكة لرجال الأعمال الذى يهاجمهم، كما أنه نفس الصحفى والذى لا يتهاون فى الحصول على كامل أجره فى أحلك الظروف، ولا يبالى بالأوضاع الاقتصادية وأحوال الفقراء والعمال. إلخ. هو أيضاً عليه التزام بمسئولية مجتمعية ووجب عليه التبرع والتنازل عن جزء من أجره والكف عن المتاجرة بأحوال الناس.
إن المسئولية المجتمعية لا تقف عند حد التبرع للفقراء أو مساعدة أصحاب الشركات للعاملين لديهم، وإنما أساس المسئولية المجتمعية هى التنمية والتى لا تأتى إلا عبر التلاحم حول قضايا ومشاكل محددة وحلها، والتى تتنوع بين الحفاظ على البيئة، التغيرات المناخية، حقوق الإنسان، الأعمال الخيرية، وعلاقات العمال، وجودة التعليم والأداء المالى للشركة والحوكمة.
تجدر الإشارة إلى أن شركة إنتل على سبيل المثال قامت بصرف مليار دولار خلال الفترة من 2000 وحتى 2010 لتحسين التعليم فى العالم، بالإضافة إلى مبادرة التعليم من أجل الابتكار، بالتعاون مع الرئيس الأمريكى بإجمالى تكلفة تبلغ 200 مليون دولار لتحسين مقررات الرياضيات والعلوم فى النظام التعليمى بالولايات المتحدة الأمريكية، كما قامت خلال الفترة من 2010/2008 بإصدار منتجات أقل استخداما للطاقة الكهربائية من أجل الحفاظ على البيئة، حيث تعتبر الشركة أكبر متبرع لاستهلاك الطاقة النظيفة فى الولايات المتحدة الأمريكية.
فهل لدينا رجال أعمال ومسئولية اجتماعية فى مصر؟!
* محامى ـ مكتب سرى الدين وشركاه
mselim@sarieldin.com