عرض المشاركون فى الجلسة الأولى من مؤتمر «مصر وتحديات الاصلاح الاقتصادى» رؤية سلبية حيال وضع الاقتصاد المحلى فى الفترة الراهنة، بسبب تفاقم عجز الموازنة وميزان المدفوعات على خلفية ضعف قدرة البنك المركزى على السيطرة على نزيف سعر صرف الجنيه أمام العملات الأجنبية، منتقدين أداء حكومة هشام قنديل وافتقارها للرؤية السياسية أو الاقتصادية اللازمة للعبور بالاقتصاد من المنحدر العنيف الحالى.
شارك فى الجلسة الأولى من المؤتمر الذى تنظمه شركة «Almal -GTM» كل من وائل زيادة، رئيس قسم البحوث بالمجموعة المالية هيرمس الذى أدار الندوة، بحضور كل من الدكتور فخرى الفقى، وزير مالية حكومة الظل بالوفد، والدكتور كلمنت هنرى، أستاذ ورئيس قسم العلوم السياسية بالجامعة الأمريكية، وأشرف سويلم، كبير مستشارى المجلس الوطنى المصرى التنافسى، ومحمد فريد، رئيس مجلس الإدارة، العضو المنتدب لشركة D -Code للاستشارات المالية، ووليد عبدالرحيم، نائب المدير العام بشركة KFW ، وأشرف سلمان، العضو المنتدب لشركة كايرو كابيتال القابضة، والدكتور محمد جودة، رئيس اللجنة الاقتصادية بحزب الحرية والعدالة.
فى البداية وجه وائل زيادة تساؤلا الى محمد جودة حول تقييمه لمدى قدرة الحكومة الراهنة على إدارة الملف الاقتصادى بجانب الوقوف على أهم الأولويات الاقتصادية التى يجب أن تلتفت اليها حكومة هشام قنديل فى الفترة الراهنة، فضلا عن رؤيته حول مدى توافر الرؤية الاقتصادية الكافية من قبل حكومة هشام قنديل فى التعامل مع الأزمات الاقتصادية التى تعانى منها البلاد.
وقال جودة إنه لابد من الاعتراف بأن حكومة هشام قنديل «انتقالية» ومؤقتة، ولا تمثل أغلبية برلمان، وبالتالى تفتقر للدعم الشعبى الكامل لأداء المهام المنوطة بها، كما يجب الإشارة الى التحديات الأمنية التى تواجه الحكومة خلال الفترة الراهنة.
وأوضح جودة أن العوامل السابق الإشارة اليها أدت فى النهاية الى تباطؤ نسبى فى أداء “حكومة هشام قنديل”، خاصة فيما يتعلق بجوانب الإصلاح المالى والنقدى، إلا أن خطة الاصلاح الاقتصادى التى أعلنتها الحكومة مؤخرا، والتى تحتاج الى مزيد من البلورة تسمح بالاعتقاد بتحسن نسبى فى رؤيتها الاقتصادية.
جودة يعقد آمالا على التشكيل الحكومى المرتقب عقب الانتهاء من الانتخابات البرلمانية
وعقد جودة آمالا على التشكيل الحكومى المرتقب عقب الانتهاء من الانتخابات البرلمانية، والذى قد يحوى فى طياته عناصر ذات دعم شعبى بناء على نتيجة الانتخابات، مؤكدا أنه لا مفر من إجراء جراحات عميقة فى جسد الاقتصاد المصرى للخروج من الأزمة الراهنة.
وبخصوص الجراحات العميقة التى ستتم للاقتصاد المصرى، وجه وائل زيادة تساؤلا الى فخرى الفقى حول المشكلات التى يعانى منها الاقتصاد المحلى خلال الفترة الراهنة.
ولخص الفقى العقبات التى تقف أمام الاقتصاد المحلى فى عنصرين رئيسيين، الأول يكمن فى سلسلة الاختلالات سواء كانت مالية متعلقة بعجز الموازنة العامة والنزيف المستمر للعملة وارتفاع الدين العام أو تلك المتعلقة باختلالات ميزان المدفوعات، بسبب النزيف الخارجى الناتج عن عدم قدرة واردات النقد الأجنبى على الوفاء بالالتزامات الخارجية فى ظل المناخ الاستثمارى غير الملائم، مستشهدا بوصول الفجوة بين سعر الصرف الرسمى المعلن من البنك المركزى والسوق السوداء إلى 12%.
وحدد الفقى المشكلة الثانية التى تواجه الاقتصاد المحلى فى مناخ الاستثمار الذى تحول الى طارد لرؤوس الأموال والذى أصابته ضربات موجعة آخرها قرار التحفظ على أموال 23 مستثمرا.
وأجاب محمد فريد عن سؤال زيادة حول مدى خطورة وضع عجز الموازنة العامة إمكانية النجاح فى تغطيته، قائلا: إن وضع الموازنة العامة «خطير»، مشيرا الى أنه بالنظر لأرقام الموازنة العامة يتضح وصول نسبة الدين العام للناتج المحلى الإجمالى الى 82%، كما أنه اذا تمت إضافة متأخرات قطاع البترول ومسحوبات البنك المركزى المصرى على المكشوف ومتأخرات قطاعى العقارات والإنشاءات ستصل نسبة الدين العام الى حوالى 100%.
فريد: مصر وصلت إلى مرحلة غير مطمئنة فيما يخص الاحتياطى النقدى
وأضاف فريد أن مصر وصلت الى مرحلة غير مطمئنة فيما يخص الاحتياطى النقدى الأجنبى، حيث قسم صافى الاحتياطى النقدى البالغ 13.5 مليار دولار الى 3.5 مليار دولار ذهب و6 مليارات مساعدات أجنبية وودائع من دول أخرى ليتبقى 3.5 مليار دولار هى الاحتياطى النقدى المتاح للاستهلاك، وبالتالى يتضح من تناقص الاحتياطى النقدى الأجنبى الحقيقى المتاح ضعف قدرة البنك المركزى على السيطرة على سعر الصرف كالسابق.
واستند فريد الى أن البنك المركزى حافظ على العملة طيلة السنوات السابقة، على الرغم من الصعود الملحوظ لمعدلات التضخم وهو ما يقلل من كفاءة الاقتصاد المحلى أمام الاقتصادات الأجنبية، ويعتبر سببا مباشرا فى عجز ميزان المدفوعات.
وأكد أن الصعوبات التى يواجهها الاقتصاد المحلى تتطلب إجراءات ستؤدى الى زيادة الأعباء على المواطنين، على رأسها رفع الضرائب خاصة مع العلم بضعف معدلات النمو الاقتصادى التى لا تدعم استيعاب معدلات البطالة بجانب تخفيض الدعم.
وألمح فريد الى صعوبة وضع الموازنة العامة للدولة، مشيرا الى أن 35% من المصروفات يتم توجيهها للرواتب بجانب 30% لتمويل فوائد الديون علاوة على 20% للدعم ليتبقى حوالى 25% فقط من المصروفات متاحة ليتم توظيفها فى استثمارات.
وبالعودة الى القرارات الواجب اتخاذها للنهوض بالاقتصاد المحلى، وجه زيادة تساؤلا الى إشراف سويلم حول مدى قدرة صانع القرار فى الفترة الراهنة على اتخاذ قرارات من هذا النوع.
ورأى سويلم أن العائق الأساسى يكمن فى توصيف المشكلة، منتقدا الاعتقاد بأن المشكلات التى يعانى منها الاقتصاد الحالى بسبب ثورة يناير أو حتى الانفلات الأمنى أو عدم التوافق السياسى، مؤكدا أن ما يعانيه الاقتصاد فى الفترة الحالية هو نتاج طبيعى لممارسات هيكلية فى العقود الماضية، مشيرا الى أن الخلل المالى ما هو إلا عرض لمرض أصاب الاقتصاد فى فترة ما قبل الثورة، مشددا على أن ما يشهده الاقتصاد هو نتاج خلل فى نموذج اقتصادى فى فترة النظام السابق.
سويلم: الخلل المالى ناتج عن اعتماد الاقتصاد طيلة السنوات السابقة على عوائد ريعية
وأوضح أن الخلل المالى ناتج عن اعتماد الاقتصاد المحلى طيلة السنوات السابقة على عوائد ريعية متمثلة فى السياحة وتحويلات العاملين من الخارج والمساعدات وقناة السويس، والتى لا علاقة لها بتنافسية الاقتصاد والانتاجية.
وفيما يخص قرض صندوق النقد الدولى، لم يشكك «فريد» فى عودة المساعدات الأجنبية الى مصر حال الحصول على القرض، إلا أنه اعتبر أن الأهم من ذلك هو أن الحصول على القرض غير كاف لعودة الاستثمارات الأجنبية المباشرة بقوة، حيث إن استعادة ثقة الأجانب فى الفترة الراهنة باتت صعبة.
واستشهد سويلم بالتراجع الملحوظ فى مستويات تنافسية “الاقتصاد المصرى”، حيث هبط تصنيف مصر فى مؤشر التنافسية من السبعين عام 2010 الى المركز 81 خلال 2011 لتصل حاليا الى 107.
وألمح الى احتلال مصر المرتبة 109 من بين 195 دولة فى مؤشر سهولة القيام بالأعمال الذى دشنه البنك الدولى.
ووجه زيادة تساؤلا الى أشرف سلمان مفاده: «هل ينتظر الاقتصاد الحصول على القرض ليكون نقطة انطلاق»؟
وأكد سلمان أن الخطة الاقتصادية المستقبلية هى الأهم، مشددا على ضرورة كون تلك الخطة واقعية وقابلة للتطبيق.
وحدد الخطر الرئيسى أمام الاقتصاد المحلى فى معدل التضخم، حيث لم يستبعد بلوغه 14% بنهاية العام المالى الحالى.
وانتقد المستهدفات التى وضعتها خطة حكومة هشام قنديل لمعدلات النمو، واعتبرها غير قابلة للتحقق فى الظروف الراهنة، واضعا الحد الأقصى لمعدل النمو الاقتصادى عند 2%.
وعلى الرغم من ذلك، أكد سلمان أن قرض النقد الدولى أصبح مطلبا ملحا لأن الحصول عليه لن يتم إلا بالتأكد من تنفيذ خطة مقنعة للوفاء بالالتزامات المستقبلية بجانب ضرورة توفير مناخ استثمارى ملائم لاستعادة الاستثمارات فى الفترة المقبلة.
سلمان: الاقتصاد في حاجة لخطة مستقبلية مقنعة
كما رفض التحجج بأن حكومة هشام قنديل الحالية انتقالية فى الأساس، مشددا على حاجة الاقتصاد لخطة اقتصادية مستقبلية مقنعة بجانب خطة عامة للدولة تسير على نهجها.
واستشهد سلمان بعدة أمثلة لحالة التخبط وعدم دقة اتخاذ القرارات وحساب آثارها، مشيرا الى أن الضريبة التى تعتزم حكومة هشام قنديل تحصيلها على صفقة سوسيتيه جنرال أثرت بالسلب على المناخ الاستثمارى، بجانب هبوط البورصة بحوالى 3% فى 3 جلسات وفقدان رأس المال السوقى ما يقارب 4 مليارات جنيه، فى الوقت الذى ستصل فيه حصيلة الضرائب المتوقع تحصيلها من تلك الصفقة الى حوالى 25 مليون جنيه.
وتساءل زيادة حول رؤية المستثمر الأجنبى للاقتصاد والاستثمار فى مصر فى الفترة الراهنة، وحول قدرة مصر على استعادة الاستثمارات الأجنبية.
واتفق وليد عبدالرحيم مع رأى أشرف سلمان حول ضرورة توافر رؤية متكاملة للدولة من أجل النهوض من التداعيات السلبية التى أصابتها، مبديا نظرة إيجابية نسبيا حول المساعدات الأجنبية التى تحصل عليها مصر، مشيرا الى أنه خلال 2005 بلغت نسبة المساعدات الأجنبية من الناتج المحلى حوالى 2.5% موجه معظمها الى أنشطة لا تركز الدولة فيها بالشكل الكافى مثل تحسين منظومة مياه الشرب والصرف الصحى والتعليم بالصعيد.
ووجه زيادة تساؤلا الى كلمنت هنرى حول حقيقة المشكلة التى يعانى منها الاقتصاد المحلى، هل هى مشكلة سياسية أو اقتصادية، أجاب عنه هنرى قائلا: إن الوضع الحالى يتلخص فى مشكلة فى الإرادة السياسية لجمع عناصر الدولة حول هدف واحد، بجانب عدم التحرك بشكل جدى فى مساعدة الطبقة المتوسطة على النهوض وتحسين أوضاعها.
وأكد ضرورة تحقق التوافق السياسى بين القوى السياسية المختلفة من أجل مساعدة الاقتصاد على النهوض فى الفترة المقبلة.
هنرى: مصر تمكنت من عبور المرحلة الأصعب
وأشار الى أن مصر تمكنت من عبور المرحلة الأصعب والتى تتمثل فى التخلص من نظام والبدء فى بناء نظام جديد قد يحاول المضى قدما فى مجال التحول الديمقراطى، لذا يجب أن يعمل النظام الحالى على جمع الأطراف المختلفة فى طريق واحد، محددا الأطراف المختلفة فى قوة الشباب المصرى وإرادته بجانب قدرته على استيعاب التكنولوجيا الغربية، فضلا عن سعى دول الخليج لتوجيه جانب من فوائضها البترولية للاستثمار فى مصر، مشددا على أن الوقت الحالى هو أنسب وقت للاستثمار.
وطالب «زيادة» محمد جودة بترتيب الأولويات الاقتصادية التى يجب أن تعمل حكومة هشام قنديل على تطبيقها فى الفترة الراهنة.
وأكد جودة أنه على الرغم من التشابك القوى بين الأولويات الاقتصادية، فإنه قد يعتبر العمل على خفض عجز الموازنة دون المساس بالطبقات الفقيرة بجانب علاج عجز موارد النقد الأجنبى على رأس الأولويات فى الفترة الراهنة، مشددا على أن 60% من حاجات المواطن الأساسية مستوردة فى الأصل.
ولخص جودة الأولوية الثانية فى تأسيس خطة تنموية اقتصادية طموح لتحقيق أهداف الثورة وتحويل الاقتصاد المصرى من اقتصاد ريعى الى انتاجى.
ورأى جودة أن الأولوية الثالثة التى يجب العمل عليها جنبا الى جنب مع الأهداف السابقة، تشمل إعادة هيكلة الجهاز الإدارى للدولة والقطاع العام “المتخلف”، مطالبا بضرورة تحويله الى قطاع «رشيق» من خلال تخليصه من جذور البيروقراطية والفساد.
ووجه زيادة تساؤلا الى فخرى الفقى حول سبل الخروج من الأزمة الراهنة بعد أن تم استعراض أهم المشكلات التى يعانى منها الاقتصاد.
الفقى: الاقتصاد المصرى ينزف على مدار عامين سابقين
وأكد الفقى أن جسد الاقتصاد المصرى ينزف على مدار عامين سابقين دون وجود من يداوى تلك الجراح أو حتى على الأقل يوقف النزيف، وهو ما يتطلب وضع خطة اقتصادية لعلاج الأزمة الراهنة على مدار العامين المقبلين، مشيرا الى أن اضطراب الشارع المصرى لن يهدأ فى الفترة المقبلة، وأن 70% من أسباب الاضطراب فى الأصل سياسية، فيما يتبقى 30% بدوافع اقتصادية، متوقعا أن يزيد الوزن النسبى للتدهور الاقتصادى فى أسباب اضطراب الشارع المصرى فى الفترة المقبلة اذا تم تجاهل تدهور الأوضاع الاقتصادية بالبلاد.
واستشهد الفقى ببلوغ عدد المصانع التى اغلقت فى عهد حكومة “الجنزورى” ليصل العدد الآن الى 3000 مصنع تم اغلاقها بالفعل فى الفترة الراهنة.
وانتقد الأداء الحكومى واصفا حكومة هشام قنديل بـ«المفتقرة» للرؤية الاقتصادية والسياسية، مشيرا الى الضبابية المسيطرة على المشهد فى مصر، مضيفا أن الوزراء يعانون فى الفترة الراهنة ضغوطا فوقية من قبل كبار المسئولين فى الدولة.
وقال: إن لم يتم تغيير وزارى فى الفترة المقبلة، فيجب تطعيم حكومة هشام قنديل بمجلس استشارى اقتصادى، مطالبا بضرورة أن يتحلى رئيس الوزراء المقبل بشخصية قوية وأن يكون ذا بعد اقتصادى وسياسى.
وعلى الصعيد الاقتصادى، ألمح الفقى الى أن الفجوة التمويلية والبالغة حوالى 20 مليار دولار فى الفترة الراهنة، قد يتم الحصول عليها من قرض صندوق النقد الدولى بجانب المساعدات المالية من الدول الأخرى والتى رهنت تمويل الاقتصاد المحلى بالحصول على القرض.
واستعرض الفقى مراحل مفاوضات الحصول على القرض، مطالبا الحكومة بضرورة القبول بالتمويل السريع الذى تم عرضه من قبل الصندوق، مشيرا الى احتمالية عدم نجاح مصر فى الحصول على موافقة ثلثى أعضاء مجلس صندوق النقد الدولى عند التصويت النهائى على منحها القرض من عدمه، كما أنه سيسهم فى دعم الاحتياطى الأجنبى بجانب العمل على إيقاف نزيف التصنيف الائتمانى للاقتصاد المحلى.
وأشار الفقى الى الحلقة المفرغة التى يعانى منها الاقتصاد والتى بدأت بتضخم الدعم، وبالتالى ارتفاع التضخم ثم صعود الدين العام وبالتالى تعاد الحلقة من جديد.