تبدو الآفاق قاتمة بشكل خاص بالنسبة للاقتصادات النامية التى انزلقت جنبا إلى جنب مع الاقتصادات المتقدمة فى فخ اقتصادى، من الممكن أن يهوى بها فى سلسلة من الأزمات المالية و«عقد ضائع» للنمو والتنمية.
وحسب مقال لإندرميت جل نائب رئيس البنك الدولى للنمو العادل والتمويل والمؤسسات، وإيهان كوس كبير الاقتصاديين بالبنك الدولى، فإن الفخ فهو «التضخم» الذى يرتفع الآن بوتيرة أسرع مما يستطيع صانعو السياسة النقدية فى البنوك المركزية مواكبته.
وفى إطار محاولاتها للخروج من هذا الفخ، قامت البنوك المركزية برفع أسعار الفائدة بأسرع وتيرة منذ جيل.
ومؤخرا فرض الاحتياطى الفيدرالى «البنك المركزى الأمريكى» أكبر زيادة فى أسعار الفائدة منذ ما يقرب من ثلاثة عقود، مما يوضح أن الزيادات فى أسعار الفائدة ستستمر حتى يتم ترويض التضخم.
ويعنى احتواء التضخم الآن كبح جماح النمو الذى بدأ بالفعل فى الانكماش على مستوى العالم.
وهذا بالفعل مأزق يخشى صانعو السياسات الوقوع فيه منذ سبعينيات القرن الماضى، عندما ظهر مصطلح «الركود التضخمى» – مزيج من التضخم المرتفع والنمو المنخفض – للمرة الأولى.
فى ذلك الوقت أدى عصر الأموال السهلة إلى فورة فى الاقتراض، والتى تركت الاقتصادات النامية مع مستويات قياسية من الديون – تعادل أكثر من %60 من الناتج المحلى الإجمالى.
وفى ذلك الوقت كما هو الحال الآن، أدى التضخم المستمر إلى إحداث تغيير مفاجئ فى اتجاه السياسة النقدية، فقد اختارت البنوك المركزية الرئيسية فى الاقتصاد المتقدم فجأة تغيير أسعار الفائدة الحقيقية السلبية.
ففى ظل تسارع معدلات التضخم، انتقلت أسعار الفائدة من سالب %2.9 فى العام 1975 إلى %4 بنهاية العام 1981، وقد لعب هذا التحول فى السياسة دورًا رئيسيًا فى إحداث ركود عالمى عام 1982.
وبالنسبة للاقتصادات النامية – خاصة فى أمريكا اللاتينية – كان هذا التغيير مدمرًا، ففى أمريكا اللاتينية، ارتفع إجمالى الدين الخارجى بنحو 12 نقطة مئوية من الناتج المحلى الإجمالى خلال السبعينيات.
وفى البلدان منخفضة الدخل، كانت الزيادة حوالى 20 نقطة مئوية من الناتج المحلى الإجمالى – وكان جزء كبير من الديون يتعلق بقروض قصيرة الأجل بالعملات الأجنبية.
وفى العام 1982، أعلنت المكسيك أنها لم تعد قادرة على سداد ديونها، وعلى مدى العامين التاليين، بدأ 27 اقتصادا ناميا فى إعادة جدولة ديونه.
وخلال فترة الركود العالمى فى 1982، عانى أكثر من نصف الاقتصادات النامية من ركود عميق كان له عواقب وخيمة على التنمية الاقتصادية.
والسؤال الذى يطرح نفسه الآن: هل تتكرر تلك المأساة مرة أخرى؟ لا شك فى أن المخاطر كبيرة، فقد بلغ الدين فى الاقتصادات النامية اليوم أعلى مستوياته على الإطلاق، حيث تجاوز %200 من الناتج المحلى الإجمالى.
فى غضون ذلك، أصبحت الظروف المالية العالمية الآن أكثر تشددًا من أى وقت مضى منذ ظهور جائحة فيروس كورونا المستجد «كوفيد-19».
ومن المتوقع أن تتباطأ التجارة العالمية بشكل كبير هذا العام بسبب سلاسل الإمدادات المتوترة، وارتفاع تكاليف النقل المرتبط بالحرب فى أوكرانيا، وتحول النشاط نحو قطاع الخدمات الأقل كثافة فى التجارة.
وعلى الأرجح سيزداد عدد الاقتصادات التى ستتخلف عن سداد ديونها، إذ حتى الآن لاتزال مخاطر أزمة الديون محصورة إلى حد كبير فى الدول الفقيرة – حوالى %60 منها تعانى من أزمة ديون أو حتى معرضة لخطرها.