ذكرت دراسة اقتصادية حديثة أن قرار تحرير سعر الصرف الذي اتخذه البنك المركزي المصري في مثل هذا اليوم قبل أربعة أعوام، يمثل أهم خطوة في خطوات برنامج الإصلاح الاقتصادي الذي طبقته مصر منذ ذلك الحين وفي السنوات التالية، والذي كان نقطة الانطلاق للاقتصاد المصري نحو النهوض والتعافي وأيضا التصدي للأزمات التي واجهها الاقتصاد العالمي وآخرها أزمة تفشي فيروس كورونا.
وقالت الدراسة التي أعدها الخبير المصرفي أحمد شوقي إن الهدف الرئيس من قرار تحرير سعر الصرف في الثالث من نوفمبر 2016 كان ضبط منظومة أسعار صرف الجنيه، والتي تمثل أحد أهم إجراءات عمليات الإصلاح الاقتصادي وعصب برنامج الإصلاح، والتي ساهمت في تحقيق العديد من المكاسب والإصلاحات الهيكلية للاقتصاد المصري، وأهمها المساهمة الحقيقية في القضاء على عمليات المتاجرة في العملات الأجنبية خارج القطاع المصرفي بالسوق الموازي، وكبح جماح الآثار السلبية للسوق السوداء، التي أثرت بشكل ملموس على القطاعات الاقتصادية كافة.
التعويم مهد الطريق للبنك المركزي لتقديم المزيد من التيسيرات النقدية
وأضافت أن قرار تحرير سعر الصرف مهد الطريق أمام تقديم البنك المركزي للمزيد من التيسيرات النقدية للاقتصاد، ومنها إجراءات خفض الفائدة المتتالي ومبادرات دعم الاقتصاد التي عززت الانتاج المحلي والتصدير وساهمت في زيادة تدفقات النقد الأجنبي إلى مصر، ما ساهم أيضا في خفض معدلات التضخم من مستويات مرتفعة بعد قرار التحرير وصلت إلى قرب 35% إلى مستويات منخفضة جدا بنهاية الربع الثالث من 2020 لا تتجاوز 4 في المائة.
ورصدت الدراسة تطور حركة الجنيه المصري منذ تحرير سعر الصرف في خمسة مراحل، أولها مرحلة الاضطراب (2016)، إذ شهد الشهرين المتبقيين من عام 2016 اضطرابًا شديدًا ما بين ارتفاع وانخفاض، إذ قفز سعر الدولار أمام الجنيه المصري يوم قرار التعويم بنسبة 52% ليصل سعر الدولار شراء 13.53 جنيه مصري مقابل 8.85 جنيه مصري، وارتفع سعر الدولار ليصل إلى 17.76 جنيه بنهاية شهر نوفمبر 2016 مسجلاً ارتفاع قدره 100% عن السعر المعلن بالبنك المركزي المصري في 3/11/2020، ثم ارتفع سعر الدولار الأمريكي مرة أخرى في 20 ديسمبر 2016 ليصل لأعلى سعر له مسجلاً 19.13 جنيه مصري.
وأشارت إلى أن المرحلة الثانية تمثلت في مرحلة التحسن التدريجي (2017)، إذ بدأ سعر الجنيه المصري في التحسن التدريجي منذ أواخر عام 2016 ومع بداية العام 2017 حتى وصل سعر الدولار (شراء) 17.68 أمام الجنيه المصري مقارنة بأعلى نقطة 19.13 جنيه في عام 2016 وبنسبة تحسن 7.6% وبقيمة انخفاض في سعر الدولار أمام الجنيه قدرها 1.45 جنيه مصري.
فيما شهدت المرحلة الثالثة، خلال عام 2018 استقرارا نسبيا لسعر صرف الجنيه أمام الدولار الأمريكي مع ارتفاع نسبي بسيط ليصل سعر الدولار أمام الجنيه المصري بنهاية عام 2018 إلى 17.86 جنيه مصري وبزيادة قدرها 18 قرشًا وبنسبة قدرها نحو 1.5%، لتأتي بعد ذلك المرحلة الرابعة وهي مرحلة التعافي(2019)، إذ شهد بدء تعافي الاقتصاد المصري والتحول الحقيقي نحو النمو، حيث حقق الاقتصاد المصري فائضا أوليا لأول مرة يصل إلى 2% من الناتج المحلي الإجمالي في العام 2018/2019، وفائض مبدئي بالعام المالي 2019/2020 والذي يعد من أعلى معدلات النمو بمنطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا مقارنة بالأعوام السابقة، والتي كانت تمثل أغلبها عجز بمتوسط قدرة -3.5%. وتحسن أداء الجنيه المصري أمام الدولار بنسبة 10.5% بقيمة قدرها 1.88 جنية ليصل سعر الدولار الأمريكي بنهاية العام 2019 عند 15.99 جنيه مصري للشراء.
وتعد المرحلة الخامسة 2020 مرحلة الاختبار الحقيقي حيث استمر تحسن أداء الجنيه المصري أمام الدولار الأمريكي خلال أول شهرين استكمالاً لمرحلة جني ثمار برنامج الإصلاح الاقتصادي وبنسبة تحسن تصل إلى 3% وبقيمة قدرها 45 قرشًا، ليصل سعر الدولار للشراء إلى 15.54 جنيه مصري، ومع بدء انتشار أزمة فيروس كورونا في مارس 2020، والتي أصابت أسواق العملات الناشئة بتدهور حاد مع توقع بحالة من الركود للاقتصاد العالمي من قبل صندوق النقد الدولي، إلا أن أداء الجنيه المصري تأثر بنسبة طفيفة جدًا، إذ ارتفع سعر الدولار أمام الجنيه بقيمة قدرها 15 قرشًا وبنسبة لم تصل إلى 1%.
وأوضحت الدراسة أنه مع بدء تطبيق الإجراءات الاحترازية من البنك المركزي في 15 مارس 2020 استقر سعر الدولار (للشراء) لمدة شهرين كاملين عند 15.69 جنيه مصري، ثم شهد حالة من الارتفاع والانخفاض بمتوسط قدره 15 قرشًا خلال الفترة من 15 مايو حتى الآن، ليصل سعر الدولار الأمريكي 15.65 جنيه مصري متراجعًا مرة أخرى عن السعر الساري قبل بدء تطبيق الإجراءات الاحترازية من البنك المركزي المصري في 15 مارس، والتي كانت 15.69 جنيه مصري في حينه.
ارتفاع رصيد احتياطي النقد الأجنبي ساهم في تحسن أداء الجنيه
وأشارت إلى أنه كان هناك مجموعة أخرى من العوامل المساهمة في تحسن أداء الجنيه المصري أمام العملات الأجنبية، وعلى رأسها ارتفاع رصيد الاحتياطي الدولي من النقد الأجنبي، إذ وصل إلى 45.12 مليار دولار بنهاية سبتمبر 2019، والذي يغطي احتياجات مصر لمدة 8 أشهر، والذي ساهم في العبور من أزمة كورونا وسداد الالتزامات الدولية الخاصة بالمديونية الخارجية، وبدأ في الارتفاع والاستقرار النسبي ليصل رصيد الاحتياطي النقدي إلى 38.42 مليار دولار أمريكي بنهاية سبتمبر 2020 إضافة لارتفاع ارتفاع قيمة تحويلات المصريين بالخارج لتصل قيمتها في الربع الرابع (أبريل – يوليو) من العام 2019/2020 إلى 9.1 مليار دولار أمريكي مقابل 9.5 مليار دولار أمريكي خلال نفس الفترة بالعام الماضي.
ونوهت الدراسة إلى أن قيمة تحويلات المصريين بالخارج زادت بنسبة 8.2% منذ بداية العام الحالي حتى نهاية يوليو 2020 بزيادة قدرها 1.3 مليار جنيه لتصل إلى 17 مليار جنيه مصري مقارنة بنفس الفترة للعام 2019، وثقة المستثمرين الأجانب في الاقتصاد المصري، لتحقيق معدلات ربحية عالية وعودة تدفق الاستثمارات الأجنبية مرة أخرى للسوق المصري.
وخلصت الدراسة إلى أن قرار تحرير سعر الصرف قبل أربعة سنوات عزز من قوة ومتانة الاقتصاد المصري وسلامة الإجراءات المطبقة في الحفاظ على استقرار أداء الجنية أمام الدولار الأمريكي، والعبور من الأزمة الحالية التي أطاحت بالعديد من العملات بالأسواق الناشئة كالبيزو الأرجنتيني -51.9%، والريال البرازيلي 39.8%، والليرة التركية -30.3%، واليوان الصيني -0.1%، والبيزو المكسيكي -14.4%، والرينيجيت الماليزي -1%.
وأشارت إلى أن الجنيه المصري حقق ثاني أفضل أداء للعملات 4.9%، كما حقق البيسو الفلبيني 6.1%، والدولار التايواني 4.8%، وفقًا لتقرير مؤسسة فيتش.