شهدت دبي العام الماضي أكبر زيادة في أسعار العقارات الفاخرة على مستوى العالم، ويرجع ذلك نسبياً إلى مرونة استجابة الحكومة لتفشي فيروس كورونا، ما جذب الأموال من كل أنحاء العالم.
ارتفعت أسعار العقارات الفاخرة بنسبة 56% في عام 2021، حسب مؤسسة “نايت فرانك”، لتحل دبي بذلك الارتفاع في صدارة كل المدن الرئيسية الأخرى، متجاوزة بفارق كبير الارتفاع بنسبة 1.3% في لندن و3.6% في نيويورك و19% في سان فرانسيسكو.
قفزة في أسعار العقارات الفاخرة
في ظل نهضة دبي من جديد تبدو واضحة، وسط المشهد الجذاب للمدينة، آثار الانهيار العقاري، الذي كاد أن يضع الإمارة على وشك الإفلاس عام 2009. ورغم ذلك، قد يستمر زخم الهوس بالاستثمارات العقارية في المدينة لدرجة عودة مشاريع ضخمة غير مكتملة مثل “اللؤلؤة” إلى دائرة الضوء من جديد، رغم ما تثيره من ذكرى التجاوزات السابقة.
تقع أرض المشروع داخل المنطقة الحرة، التي تديرها مجموعة “تيكوم” ، مشغّلة مجمع الأعمال في دبي، التي تقترب من طرح أسهمها للاكتتاب العامّ، فيما لا تزال “تيكوم” تدين بأموال من شراء أرض مشروع اللؤلؤة قبل سنوات، وفقاً لوثائق اطلعت عليها “بلومبرغ نيوز”، وأشخاص مطلعين على الأمر.
لم تتمكن “بلومبرج” من التحقق بشكل مستقل من المالك الحالي للمشروع، الذي انتقلت ملكيته إلى عدد من المطورين على مدار عقدين، أو مالك الأرض التي كان من المفترض أن يقام البناء عليها.
طرح “تيكوم”
قال مصرفيون إن طرح أسهم “تيكوم” للاكتتاب العامّ يمثل اختباراً رئيسياً لمدى تعافي دبي بالفعل من انهيار عام 2009، عندما انتهى عصر وتيرة البناء المتسارعة، والارتفاع الهائل في الأسعار، الذي ترك عديداً من الأفراد ومديري الاستثمار غير قادرين على استرداد أموالهم.
تضرر المستثمرون العقاريون في دبي من عدة عمليات لشطب شركات مدرجة خلال العامين الماضيين، من بينها شركة إدارة مراكز التسوق التابعة لأكبر شركة تطوير عقاري في المدينة.
خلال مناقشات حول الاكتتاب العامّ المخطط له، سأل بعض المستثمرين مديري “تيكوم” حول علاقة الشركة بمشروع “لؤلؤة دبي” والموقف الحالي بشأنه، حسبما ذكرت مصادر مطلعة على الأمر أكدت أن إدارة “تيكوم” قالت إنها لا تهتم بالمشروع.
قالت هيئة تنظيم القطاع العقاري، ذراع دائرة الأراضي والأملاك في دبي، في رد على الأسئلة عبر البريد الإلكتروني، إنها “تُجري حالياً محادثات مع المطور الرئيسي لمشروع (لؤلؤة دبي) لإنهاء كل الأمور المعلقة وبدء المشروع مرة أخرى”. وأشار متحدث باسم الهيئة الحكومية إلى إجراء محادثات مع “دبي القابضة” المالكة لشركة “تيكوم”، لكنه امتنع عن الإدلاء بمزيد من التفاصيل، التي ذكر أنه سيجري الإعلان عنها قريباً. كذلك امتنع ممثلا “تيكوم” و”دبي القابضة” عن التعليق.
طفرات عقارية سابقة
تضم المدينة آثاراً أخرى لطفرات عقارية سابقة، إذ يوجد على الأقل موقعان مهجوران للبناء بالقرب من اللؤلؤة. والأهم من ذل توقف بناء برج في دبي قبل بضع سنوات، يتجاوز ارتفاعه برج خليفة، أعلى ناطحة سحاب في العالم حالياً.
أدت عودة الاهتمام بالمدينة إلى دفع مزيد من الناس إلى الاهتمام على الأقل ببعض العقارات، إذ يقول أحد رواد الأعمال في تورنتو إن موقع مشروع “لؤلؤة دبي” يمكن أن يكون موقعاً مثالياً لتطوير منتجع عملاق على هيئة قمر، بما فيه من حفر مظلمة.
على مدار السنوات الماضية، لم يكن هناك سوى عرضٍ واحدٍ من صندوق أجنبي، لكنه كان غير واضح، وفقاً لمجموعة مستثمري مشروع “لؤلؤة دبي” ووثائق.
قال متحدث باسم المطور المحلي “داماك العقارية” إنّ الشركة مهتمة بالموقع لكنها توقفت بسبب قضايا الملكية المتعاقبة.
وفقاً لفيصل دوراني رئيس أبحاث الشرق الأوسط في “نايت فرانك”، تنتشر المواقع غير مكتملة البناء بكل أنحاء دبي لتذكرنا بالغطرسة التي حدثت في عامَي 2007 و2008، كما في باقي المدن على مستوى العالم، لكن المفارقة في حالة دبي أن بعض الأراضي الشاغرة تجد نفسها الآن بقلب مجتمعات مكتملة وتشهد طلباً شديداً.
أضاف دوراني: “زادت قيمة تلك المواقع خلال العقد الماضي، ما سلط الضوء بشكل أكثر تفاؤلاً على الفرصة التي تنتظر إطلاق العنان لها وسط مدينة تنفد منها الأراضي المتميزة بسرعة”.
استرداد الاستثمارات
أطلقت شركة “أومنيكس إنترناشيونال” الإقليمية مشروع اللؤلؤة عام 2002، بقيمة 820 مليون دولار. وبعد بداية بطيئة استحوذت مجموعة عائلية في أبوظبي على المشروع، وأعادت إطلاق نسخة أكثر طموحاً عام 2007.
كان يفترض أن يضم الموقع عديداً من الفنادق، من بينها منتجع للعلامة التجارية “إم جي إم”، وشقق فاخرة، وأوبرا، لكن مع انحسار الإقراض عالمياً، في أثناء الأزمة المالية، لم يتمكن المطور العقاري في أبوظبي من تمويل المشروع، فيما جرى إنفاق جانب كبير من أموال المستثمرين على التسويق.
بعد نحو عقدين، لا يزال المستثمرون الأوائل في مشروع “لؤلؤة دبي” -مجموعة من 86 مشترياً- يخوضون معارك قانونية، وقدموا التماسات إلى مسؤولين في المدينة والأسرة الحاكمة، ضمن جهود امتدت إلى فترة طويلة لاسترداد أموالهم عن طريق بيع المشروع الحالي إلى مطور جديد.
قالت مجموعة من المساهمين في رسالة إلى “دائرة الأراضي والأملاك بدبي”: “انتظرنا 16 عاماً، وتكبد بعضنا خسائر فادحة، ويواجه عديد من المشترين ضغوطاً شخصية بسبب ما يتعرض له من صعوبات مالية”.
يتعافى اقتصاد دبي حالياً في ظل تدفق عمال جدد، وإجراء مجموعة واسعة من الإصلاحات لربط الوافدين بذلك المكان المؤقت تقليدياً لفترة أطول.
الاكتتاب العام في “تيكوم”
أعلنت الحكومة عن الاكتتاب العامّ في “تيكوم”، في ديسمبر، وقالت إنه يأتي ضمن خطتها لزيادة حجم سوق الأسهم المحلية إلى 3 تريليونات درهم (817 مليار دولار).
امتد ارتفاع أسعار العقارات في 2021 إلى الأشهر الأولى من العام الجاري، إذ شهد شهر أبريل الماضي زخماً أكبر في مبيعات العقارات في دبي منذ عام 2009، وفقاً لموقع “بروبيرتي فايندر” العقاري. واستفادت المدينة من جذب كل أصحاب رؤوس الأموال الهاربين من عمليات الإغلاق الصارمة في آسيا، والروس الذين يسعون إلى إيداع أموالهم في الخارج عقب غزو أوكرانيا.
لاحظ محللو العقارات أن جاذبية دبي تأتي من أسعارها الأرخص نسبياً بالمقارنة بمدن كبيرة، مثل نيويورك ولندن. ورغم ذلك يحذر بعض الشركات الدولية من مخاطر محتملة، إذ لا يزال هناك قلق مستمر بسبب فائض المعروض، فقد حذرت مؤسسة “كارنيغي للسلام الدولي” و”مجموعة العمل المالي” ، ومقرها باريس، من أن سوق العقارات في المدينة كانت في بعض الأحيان وجهة للأموال غير المشروعة التي يستخدمها الأجانب لغسل الأموال، في السنوات الأخيرة.