Find Out More

Is your organization one of the Best Places to work in Egypt

workL

خواطر مواطن مهموم (89)

خواطر مواطن مهموم (89)
توفيق اكليمندوس

توفيق اكليمندوس

8:12 ص, الأحد, 23 مايو 21

الوضع فى فرنسا سنة قبل الانتخابات الرئاسية

الانتخابات الرئاسية الفرنسية فى أبريل المقبل، ومن المفيد رسم ملامح الخريطة السياسية والانتخابية، وتحديد ما نعرفه وما نجهله.

أهم مجهول هو طبعًا… الحالة الاقتصادية والاجتماعية والصحية للبلاد؛ هل ستكون فرنسا وغيرها «خالية» من الفيروس؟ الرد يتغير كل أسبوع مع كل جديد، ولكنه يبدو أنها ستكون كذلك. ومن ناحية أخرى يقول أغلب الخبراء إن الاقتصاد الفرنسى وشركاته لم ينهاروا بفضل الدعم السخى الذى تقدمه الدولة، ولكن هذا الدعم يفاقم الدَّين العام ولن يستمر، والسلطات مرعوبة مما سيحدث بعد توقفه، فنقاط قوة اقتصاد فرنسا كلها فى قطاعات تأثرت دوليًّا بالجائحة… منها السياحة وصناعة الطائرات والسيارات، وإنْ توقّف الدعم ستضطر غالبًا مئات من الشركات إلى تسريح مئات الآلاف من العمال… فى بلادٍ الوضع فيها أصلًا متفاقم مع ارتفاع نسبة البطالة ومعدلات الفقر وموجة الاحتجاجات… هل مالية فرنسا تسمح لماكرون بالاستمرار فى تقديم الدعم المانع للانهيار حتى انتخابات السنة المقبلة؟ الرد غالبًا لا… فالدَّين العام كان مرتفعًا قبل الجائحة، وطبعًا الوضع تدهور.

أغلب المراقبين يتوقعون موجة مطوَّلة من الاضطرابات الاجتماعية عند رفع الدعم… ولا أحدَ يعرف متى سيحدث هذا.

على المستوى السياسى والانتخابي، السمة الرئيسة للموقف هو نجاح الرئيس ماكرون فى الاحتفاظ بنسب تأييد معقولة إنْ قِسناها بأوضاع سلفيْه هولاند وساركوزى بعد أربع سنوات من الحكم، فهو احتفظ بتأييد الربع أو الثلث «النخبوي»، أغنياء وميسورى الحال القاطنين فى المدن الكبرى المستفيدة من العولمة، ويحاول حاليًّا إثبات كفاءته فى الملفات السيادية.

من الواضح أن القضيتين اللتين ستحددان كيفية تصويت الفرنسيين هما: كيف تمت إدارة الجائحة وتوابعها من ناحية، وملفات الأمن من ناحية أخرى، وملفات الأمن هى ارتفاع معدلات الجريمة إلى حد غير مسبوق، على سبيل المثال قُتل شرطيان، الأسبوع الماضي، وحدثت فيه مواجهات فى «الأحياء الصعبة» كل ليلة، وممارسات تيارات التأسلم السياسي، من إرهاب ومن محاولة إحكام السيطرة على ضواحٍ وأحياء، وتطبيق الشريعة فيها بدل القوانين الفرنسية، وسيطرة الجريمة المنظمة على ضواحٍ أخرى، وارتفاع معدلات العنف فى المظاهرات مع تزايد أعمال التخريب التى يرتكبها أعضاء منظمة البلاك بلوك، ويسهم الأداء السيئ جدًّا للمنظومة القضائية فى تأجيج الغضب الشعبى الفرنسي… الشرطة تتهم القضاء بأنه مسيَّس وصاحب ميول يسارية ومتساهل مع الجريمة والمتأسلمين، والقضاء يرد قائلًا إن منظومة السجون- ندرة نسبية لعددها- هى السبب…

مشاكل ماكرون لا تُعدّ ولا تحصى، وبعضها وليست كلها من صنعه، لم ينجح فى إقناع؛ لا الرأى العام ولا المختصين بأنه يتمتع بقدرة على إدارة الملفات السيادية، رغم أنه وافق على زيادة ميزانية الجيش والشرطة، وفيما يتعلق بأزمة الكوفيد فإنه لم ينجح فى تسويق قراراته، بما فيها تلك التى بدت سليمة وموفَّقة، على عكس رئيس وزرائه السابق الذى ارتكب عددًا هامًّا من الأخطاء، ولكنه حصل على ثقة الرأى العام؛ لهدوئه وثباته وقوة شخصيته.

تردِّى الوضع الأمنى نتيجة قرارات أسلافه؛ من تقليل أعداد قوات الشرطة وضغط ميزانية الجيش والتساهل مع التأسلم السياسى وتركه يتحكم فى مناطق، وعدم الدفاع عن بعض مكونات الصناعة الوطنية غير القادرة على المنافسة وآثار هذا على سوق العمل… إلى جانب تردِّى أداء المنظومة التعليمية…

ماكرون قلقٌ رغم استطلاعات الرأي، يعلم أن حزبه لا جذور له ولا كوادر عتاولة، والتدهور السريع للأمن وسلوك الإخوان والأتراك، كل هذا وغيره يلعب لصالح لوبن. ولكنه يتحمل جزءًا كبيرًا من المسئولية، فهو مثلًا يخصص جزءًا كبيرًا من وقته لمناورات «نص كم» تحاول إضعاف اليمين التقليدى والحصول على أصواته، غير مدرك أن لوبن تستفيد أكثر منه من هذا الإضعاف.

* أستاذ العلاقات الدولية بالجامعة الفرنسية