عن سياسة جو بايدن الخارجية
الرئيس بايدن وإدارته تحركا بسرعة على الساحة الدولية، على عكس المتوقع، وقد أصدر الرئيس وثيقة عنوانها «إرشاد إستراتيجى مؤقت فى الأمن القومي»، واتخذ بعض الخطوات فى عدد من الملفات.
أنبه القارئ مجددًا، لست خبير شئون أمريكية من ناحية، ومن ناحية أخرى لديَّ موقف مسبق وعدائى من الوثائق التى يختلط فيها الموضوعى بالأيديولوجي. ومن ناحية ثالثة بصفة عامة قراءة وثيقة كهذه تقتضى فيما تقتضى مقارنة بالوثائق الأخرى المتناولة لهذا الموضوع- الأمن القومي- وهى وثائق اطلعت عليها فى حينها، ولكننى لم أعد إليها عند تحضير هذا المقال.
ولذلك أتركها مؤقتًا وأبدأ بما حدث على الأرض. ما حدث على الأرض هو إيقاف قد يكون مؤقتًا لبيع الأسلحة ذات الطابع الهجومى للمملكة السعودية، مع التشديد على التزامات واشنطن بضمان أمن السعودية وبردع إيران إن سعت إلى الإخلال بأمن المملكة.
الدكتور بلال صعب كتب منتقدًا هذه المقاربة مقالًا جيدًا ملخصه أن الأسلحة الهجومية مكون أساسى من مكونات الردع. لا تستطيع أن تردع إيران ولا منعها من إطلاق صواريخ بنشر منظومة أو منظومات صواريخ باتريوت. لأسباب عديدة أحدها أن تكلفة الصاروخ باتريوت أعلى بكثير من تكلفة الصاروخ الإيراني. أى الاكتفاء بنشر منظومة باتريوت- على فرض فاعليتها- معناه أن إيران تستطيع إرهاق الميزانية السعودية، حتى لو لم ينجح صاروخ إيرانى واحد فى إصابة هدفه.
ومن ثم فإن الردع الحقيقى لإيران هو امتلاك المملكة لأسلحة هجومية تقلب المائدة. الردع الحقيقى هو القدرة على تغيير قواعد اللعبة وفرض قواعد جديدة تضر المعتدى ضررًا بالغًا. الردع الحقيقى أن تمتلك السعودية القدرة على رفض المعادلة باتريوت ضد صاروخ.
باختصار الكلام الأمريكى المعلن فيما يتعلق بهذا الملف لا معنى له، ونحن مخيرون بين تفسيرات أخرى… إما أن إدارة بايدن تخاطب جمهورها من النشطاء واليساريين كارهى السعودية، وأما أن همها الأول هو المشى على خط الرئيس ترامب… بأستيكة؛ أى أن همها الأول إرسال رسالة للمنطقة والعالم… لسنا ترامب، وقواعد اللعبة معنا مختلفة… وإما أن لها حسابات معقدة فيما يتعلق بإيران، ولا تريد أن تقوم السعودية أو غيرها (إسرائيل تحديدًا) بإرباكها، وإما أنها تقوم بابتزاز السعودية مع الاحتفاظ بموقع «صاحب الأخلاق الرفيعة» الذى يبتز «الشرير» مضطرًّا.
وعلى صعيد آخر فوجئ العالم بوصلة ردح بين الرئيسين بايدن وبوتين. ووصف الأمريكى الروسى بالقاتل. وأضاف أنه «يعرفه جيدًا» وقال إنه سيدفع ثمن تدخله فى انتخابات نوفمبر الماضي. هذا التصعيد له ما يبرره، أنشطة الأجهزة الاستخباراتية الروسية فى الولايات المتحدة، سواء تكرار الاعتداءات السيبر، أو التدخل فى الانتخابات، أو تحركات بوتين فى أوكرانيا حيث نشر مؤخرًا قوات هجومية.
إلا أنه فاجأ الجميع لأن بوتين كان قد أرسل بعض الإشارات تفيد بأنه يرغب فى تهدئة اللعب، ولكنها عدت غير كافية، ولا سيما إن قورنت بمسلكه العام. وأيًّا كان الأمر يقول كل المراقبين العالمين بكواليس واشنطن إن نخب الحزب الديمقراطى والأجهزة فى حالة غضب شديدة ضد الرئيس بوتين، الديمقراطيون أقنعوا أنفسهم بالحق أو بالباطل أن تدخلات روسيا هى التى أدت إلى خسارة انتخابات 2016، وأن المخابرات الروسية حاولت تكرار اللعبة هذه السنة- بث أخبار كاذبة تمس شخص بايدن وذمة ابنه- وهناك فى الأجهزة الأمريكية من يرى أن ترامب وقع أسيرًا للروايات الروسية يصدقها ولا يصدق أجهزة بلده، وبعضهم يذهب إلى أبعد من ذلك.
المشكلة الرئيسية فيما يخصنى هو ما نعرفه عن الرئيس بوتين من إصراره على الرد على الإساءة بأسوأ منها. ولا نرى إلا ملفًّا واحدًا مهما يملك فيه أوراقًا أكثر من الأمريكيين وهو الملف الإيراني.
* أستاذ العلاقات الدولية بالجامعة الفرنسية