مسكين هو الشخص الذى أجمع الناصريون والإخوان والوفديون على كراهيته والتقليل من شأنه. معًا سيصورونه وكأنه كافر وغير وطنى وغير كفء وما إلى ذلك. ولن يجد من ينصفه، أو على الأقل من يعذره إن كان دوره فعلًا سلبيًّا. لا أحد يريد أن يتعرض لقصف جبهة.
تصويره على أنه شخص سيئ مفيد للجميع، أنصار النظام الذى خدَمه هذا الشخص يرون فيه كبش فداء يعفى النظام من بعض أو أغلب الأخطاء، أعداء النظام يرون فى الصورة السوداء لهذا الشخص دليلًا على فساد نظام اختار مثله لخدمته. وإنْ تمتعوا بذكاء سيضيفون أن هذا النظام احتاج لمثله لأن الأكْفاء خطر عليه (على النظام).
قد نبلع هذا الطُّعم. ولكن الكثير من المصريين لا ينتمون إلى تيار أو حزب، ويكوّنون انطباعات عن الناس من خلال التعامل المباشر معهم، ويتعاملون مع ما يقوله الإعلام بحرص. لن أقول إنهم يتجاهلونه أو إنهم لا يصدّقون ما يقرءون. الشعب الذى يقول «هذا كلام جرائد» للتدليل على عدم تصديق المضمون، هو نفس الشعب الذى يقول «لا دخان بدون نار». المصريون يقولون… أعلم أنه يقال إنه كيت وكيت… ولكننى تعاملت معه مرة أو مرات… ووجدته على عكس ما يقولون.
لا أتحدث عن إسماعيل صدقى باشا الذى وجد مَن أنصفه ومَن ذكر إنجازاته فى خدمة الوطن والصناعة الوطنية، ولا أتكلم عن الملك فؤاد الذى أحسبه من حكام مصر العظماء إذ نجح فى بناء دولة ومؤسسات علمية وفى تحسين التعليم وفى تشجيع المصريين على إطلاق طاقاتهم وفى الجمع بين الحفاظ على الهوية والتحديث… ننسى كل هذا وغيره ولا نتذكر إلا جهله باللغة العربية وميوله السلطوية وتوجسه من حكم الوفد وعدم انضمامه إلى صفوف المقاومين للإنجليز.
رغم ضراوة الهجوم عليهما فالدفاع عنهما سهل. لهما من الإنجازات ما لا يمكن إنكاره. أريد أن أتحدث عن شخصين لا يرتبط اسم أحدهما بإنجازات، بل بأكبر كارثة حلّت فى تاريخ مصر، وتم تصويرهما على أنهما مسئولان عنها مسئولية مباشرة، فانضمّت النكسة إلى قائمة طويلة من الجرائم والتجاوزات التى تُنسب لهما… أحيانًا بالحق، وأحيانًا بالباطل.
أتحدث عن مدير المخابرات العامة السابق صلاح نصر، ووزير الدفاع السابق شمس بدران. الثانى توفّاه الله مؤخرًا.
لم أقابل أيهما، وليس بينهما وبينى صلة قرابة. ولكننى تعاملت مع عشرات ممن عرفوهما وتعاملوا معهما… مرءوسين وأصدقاء وزملاء. يجمعون على الإشادة بشخصياتهما وخصالهما وأمانتهما ووطنيتهما.
الدفاع عن صلاح نصر أسهل؛ لارتباط اسمه بجهاز المخابرات العظيم وبعدد كبير من المهامّ والإنجازات الوطنية، ولوضوح فساد بعض التُّهم الموجّهة إليه. وبما أنه دافع عن التجربة الناصرية- دفاعًا لا يخلو من نقد ذاتي- وبما أنه تم سجنُه فإن الناصريين منقسمون حوله. لا مانع من نسبة أخطاء النظام له ولكنه جزء منه.
شمس بدران قضية أصعب، تطرح قضايا أخلاقية نعرض لها فى مقال لاحق، هو قضية أصعب؛ لأسبابٍ، منها أنه قبِل تحمل مسئولية التعذيب. ولم يلتفت الكثيرون إلى نبل هذا الإقرار، كان من السهل جدًّا نسبة هذا الأمر إلى رؤسائه ولكنه لم يفعلها. كان عضوًا فى «شلة» المشير عامر، ولكنه لم يكن فاسدًا كبعض زملائه، واعترف الفريق صلاح الحديدى بهذا فى أحد كتبه… أظنه «شاهد على حرب 67». وتم اختياره وزيرًا للدفاع لأنه كان أمينًا. قِيل إن مقاربته لمهمته كانت تعطى الأولوية لضرورات تأمين القوات المسلحة وضمان ولائها للنظام، وهذا حقيقي، ولكن قائمة الأولويات فرضتها طبيعة النظام والمرحلة، ولا تصلح دليلًا على شخصه. وقيل إن معلوماته العسكرية ضعيفة، وهذا ليس حقيقيًّا. لديه المعلومات التى تتفق وطبيعة مهامّه.
يتبع *
أستاذ العلاقات الدولية بالجامعة الفرنسية