خواطر مواطن مهموم «53»

خواطر مواطن مهموم «53»
توفيق اكليمندوس

توفيق اكليمندوس

7:04 ص, الأحد, 30 أغسطس 20

قبل أن نواصل عرضنا لبعض ملامح التجربة الناصرية أود أن أسجل موقفى من بعض ما يقال حول هذه التجربة.

أنزعج جداً عندما أجد من يعاير ناقدا للتجربة، ويذكره بأنه من مستفيدى إنجازات ناصر، وأنه لولا الثورة لما تمكَّن من مواصلة تعليمه، أولاً هذه إشارة سخيفة إلى تواضع أصول هذا الناقد الاجتماعية، وثانياً هذه المعايرة تخالف روح المشروع الناصرى الذى كان يهدف إلى تحرير الإنسان المصرى من الفقر والجهل والمرض والتبعية. من حق من استفاد من المشروع الناصرى ألا يكون تابعاً له وأن ينتقده. من حقه أن يكون مواطنا حرا لا محسوبا من المحاسيب، وثالثاً هذه المعايرة تقلل من شأن المجهود الذى بذله من أتم تعليمه.. نعم ناصر فتح بابا، ولكن هناك من أجاد واستثمر الفرصة وهناك من اكتفى بالشهادة والتعيين.

من حق الدكتور عبد العظيم رمضان، رحمه الله ، أن يتناول التجربة بالنقد الجارح، والرد عليه يكون بمناقشة حججه لا بالتحدث عن دور ناصر فى تكملة تعليمه. للدكتور عبد العظيم ملاحظات قيمة وأخرى خانه التوفيق فيها.

طبعاً هناك مشكلة أخلاقية فى موقف من يرى أن أكبر خطيئة لنظام ناصر هى تعميمه للتعليم ، ولا سيما إن كان صاحب هذا الكلام من المستفيدين من هذا، ولكن هذه المشكلة الأخلاقية لا تعنى أننا معفيون من الرد على مثل هذا الكلام بحجج تظهر فساده.

ما هو أهم من ذلك ما يثار بين الحين والآخر… أنها ثورة صنعتها المخابرات المركزية الأمريكية أو.. أنها ثورة إخوانية خانها عميل قرر أن ينقلب على إخوانه.

تنظيم الضباط الأحرار نشأ سنة 49 بعد حرب فلسطين. ولا يد للمخابرات المركزية فى هذا، لا من قريب ولا من بعيد. التنظيم بنات أفكار ضباط كانوا منخرطين فى جماعة الإخوان، انضموا إليها لأنهم كانوا محافظين ثقافيا كارهين للوفد سياسيا وتصوروا أن الجماعة من الفصائل الوطنية المتطرفة، ثم تركوها بعد أن اكتشفوا فيها ما لم يعجبهم من انغلاق على الذات وخصومة مع الفكر، وأحياناً مع العلم، واستسهال اللجوء إلى العنف. وكان قائد عملية البعد عن الجماعة هو الرجل الثانى فى جناحها العسكرى، وهو جمال عبد الناصر،

وذهب ناصر ومعه عشرات من الضباط وسعى إلى توحيد كل المجموعات السرية العاملة فى الجيش، أو بمعنى أدق، حاول أن يقنع الضباط المنخرطين فى تلك المجموعات بضرورة حلها والانضمام فرادى إلى التنظيم الجديد وهو الضباط الأحرار. كان غرض هذه الصيغة منع التكتلات داخل التنظيم، وعلى أرض الواقع تساهلت القيادة وقبلت أحياناً ضم مجموعات.

مصدر آخر للتعقيدات هو الموقف من الإخوان. القيادة كانت شديدة العداء لهم وإن لم تُظهر هذا، هذه واحدة، ومن ناحية أخرى كان هناك خلاف مهم وجوهرى فى صفوف الجماعة حول السياسة واجبة الاتباع، كان هناك من يرى ضرورة مهادنة الملك، ومن ينادى بضرورة التحالف مع الفصائل الوطنية لإسقاط النظام، ومن يرى الجمع بين الخيارين. أعتقد أن أصحاب المذهب الثانى تصوروا خطأ أن ناصرا ومجموعته قرروا تنفيذ خيار الجبهة لإسقاط فاروق دون أن يطلقوا الفكر الإخوانى، أى أنهم لم يفهموا أن تنظيم الضباط الأحرار قام على منطق غير منطق الإخوان ساعيا إلى مشروع غير مشروع الإخوان. ولا نستبعد تعمد ناصر خداعهم وإبقاءهم «غارقين فى الوهم».

التنظيم الجديد كان يعانى مشكلة جوهرية. العضو فيه يخاطر بمستقبله إن لم يكن بحياته، ومطلوب منه أن ينتظر اللحظة المناسبة، أى مطلوب منه أن يعيش تحت تهديد القبض عليه دون أن يقوم بأى عمل وطنى. هذا وضع لا يطاق. كيف حله عبد الناصر؟

* أستاذ العلاقات الدولية بالجامعة الفرنسية