خواطر مواطن مهموم «51»

خواطر مواطن مهموم «51»
توفيق اكليمندوس

توفيق اكليمندوس

6:35 ص, الأحد, 16 أغسطس 20

فى مقالاتنا السابقة ناقشنا المقولات التى ترى أن ثورة يوليه أفسدت نظامًا سياسيًا ومجتمعًا، ولم ننكر أن للَمَلكية وللمجتمع المصرى إنجازات عظيمة تحققت أساسا فى عصر الملك فؤاد، وقلنا إنه فى المقابل لا يمكن الدفاع عن الملك فاروق، الذى عجز عن مواجهة التحديات الكبرى، والذى أسهم فى تعميق الأزمات التى مر بها المجتمع بعد نهاية الحرب العالمية الثانية.

السؤال الآتى.. هل كان هذا النظام الملكى قادرًا على إصلاح نفسه والخروج من عنق الزجاجة محتفظا بمميزاته متخلصًا من عيوبه؟ من ناحية نقر بأن الرد فى علم الغيب لأننا نتحدث عن سيناريو لم يحدث وعن فرض لا يمكن اختباره وتجربته. ما يمكن أن نقطع به هو أن مسار الحياة السياسية والأحوال الاقتصادية والاجتماعية كان يتدهور بسرعة فائقة دون بوادر أى تحسن، وأن الملك كان مفتقدًا إلى أدوات ورجال وبرامج.

وتفصيل هذا أن فاروقًا راهن منذ توليه الحكم على قدرته على تنفيذ وتلبية المطالب السياسية الوطنية، من استقلال تام وجلاء المحتل ثم لاحقًا تحرير فلسطين. وفشل فى هذا، ووجد نفسه مفلسا سياسيا سنة 49. منذ هذه اللحظة كانت فرصته الوحيدة للبقاء فى الحكم القيام بإصلاحات اجتماعية عميقة تسهم فى إيجاد ظهير شعبى كان موجودًا فى بدايات حكمه ثم تلاشى. ولكنه رفض مجرد التفكير فى هذا الخيار… وحاول تبرير الهزيمة بتوجيه اللوم إلى القيادات العسكرية، وردت تلك القيادات بدعم تنظيم الضباط الأحرار وبتفجير وتضخيم قضية الأسلحة الفاسدة وهى صفقات تورط فيها رجال من الحاشية. وأدت لعبة الاتهامات المتبادلة إلى فقدان الملك والحاشية كل مصداقية.

وحاول «الوفد» النجاح فيما فشل فيه الملك… القضية الوطنية… وألغى معاهدة 36 وشجع المقاومة الشعبية فى منطقة القنال وسلح مدنيين …. وفى هذا الجو المشحون شاهدت مصر بطولات ومزايدات، تضحيات ومناورات، واستقطاباً بين التيارات المختلفة، ووقعت مذبحة ارتكبها البريطانيون فى الإسماعيلية تلاها حريق القاهرة الذى كان فعلا إعلاناً بقرب نهاية النظام… ولم يقدر الملك فى الأشهر الستة التالية على اتخاذ أى خطوة نحو الإصلاح.

نستطيع أن نستبعد بضمير مستريح الكلام الذى يرى أن الملكية كانت بصدد القيام بإصلاح. يبقى السؤال… هل منعت ثورة الضباط الأحرار قيام ثورة شعبية حقيقية تقوم باختيار طريق أفضل من ذلك الذى انتهجه ناصر؟

لا يملك أحد إجابة على سؤال حتمية حدوث ثورة فى ظل استمرار تردى الأوضاع، لا أحد يعرف على وجه التحديد لماذا وعندما يقرر جزء كبير من الشعب القيام بثورة.. تأمل مثلًا التفسير القائل عندما يكون الظلم خانقًا تنفجر ثورة، لو كنا نعلم على وجه اليقين أن الثورة تقوم عند بلوغ الظلم النقطة نون لتوقف الحكام قبلها أو حاولوا الابتعاد عنها. ولكننا سنقبل جدلًا مقولة إن الثورة كانت آتية لا محالة – بمنطق أن النظام كان قد وصل لطريق مسدود وأن فاروقًا كان شابا – هو أصغر سنا من السادات وناصر، أى أن حكمه السيئ يمكن أن يستمر عشرات السنوات مع استمرار فى التدهور وفى الفقر وفى عدم الاستقرار وفى التهريج وفى العجز عن حل أى من المشكلات الخانقة. سنقبل أن الراجح أن ثورة ما كانت ستفجر فى وقت ما.

الثورة تفشل أو تنجح. فى الحالتين تتسبب أول الأمر فى تدهور أداء الاقتصاد لأن الاحتجاجات تعطله. ما السيناريوهات الممكنة؟ أولًا يسلم الملك الحكم وتجرى انتخابات ويفوز الوفد.. ستظل الأزمة كما هى على أحسن الفروض، وقد تتدهور. ثانيًا الملك يتمسك بالحكم ويتدخل جيش مصرى أو بريطانى لحسم الموقف. ثالثا.. بطريقة أو أخرى يصل الإخوان أو الشيوعيون إلى الحكم.

يتبع

* أستاذ العلاقات الدولية بالجامعة الفرنسية