لم أطلع على آخر كتاب للرئيس الفرنسى نيقولا ساركوزى، الذى صدر هذا الأسبوع فى فرنسا، ولكننى قرأت تقارير عنه، لا سيما فى جريدة لو فيجارو. وهو كتاب يروى من جديد السنوات الأولى لحكمه، وتختلف الرواية الجديدة عن السابقة فى كونها تحتوى على مزيد من التحليلات حول «السياسة فى مواجهة الأزمات»، وفى كون صاحبها اقتنع بصعوبة، بل استحالة عودته إلى قمة الحكم، وسمح له هذا بالإطالة فى تحليل شخصيات قادة العالم وأقطاب السياسة الفرنسية. وبعضها ما زال يلعب دورًا هاما – المستشارة الألمانية ميركل نموذجًا.
يقول عنها إنها صبورة ولديها قوة تحُّمل استثنائية، ولكن رد فعلها الأول والتلقائى هو الانتظار والتأجيل، قد تغالب هذا الميل ولكنه موجود. وقالت له مرة: أنا من مواليد ألمانيا الشرقية، المواطنون لا يحق لهم السفر قبل سن المعاش، أى قبل بلوغهم الخامسة والستين. تعلمت الانتظار وكنت صبورة فى كل شيء إلا أننى كنت لا أتحمل انتظار بلوغى السن القانونية.
لن أناقش الآن السؤال الذى شغل بال المعلقين… هل سيؤدى الكتاب إلى تحسين صورة الرئيس السابق؟ لا أستطيع أن أكون رأياً قبل قراءته، لكننى أعتقد أن القارئ سيقتنع ببعض الحجج، ولا يصدق البعض الآخر، فساركوزى مثلًا شخصية بالغة الخشونة فى تعاملها مع الناس ومحبة للمال. ولن يستطيع محو هذه الصورة عنه.
ولكن يبدو أن الكتاب يحتوى على كثير من الملاحظات والخواطر الثرية.
شخصية الرئيس ركن أساسى من أركان علاقة الجمهور به، ويختاره الجمهور لأنه يمتلك خصالاً ما، والمشكلة أن مزاج الرأى العام يتغير بسرعة بينما لا تتغير شخصية الرئيس إلا تدريجيا – هذا إن تغيرت. انتخب ساركوزى رئيسًا لأنه لم يكن كسلفه شيراك، فهو شرس سريع الحركة نشيط جدا ويمارس باستمرار لى الذراع. باختصار انتخب لأن الرأى العام يريد «تحركًا دائمًا وراديكاليًا» بعد سنوات من الحفاظ الحريص على التوازنات. ولكنه مل سريعا من خصال ساركوزي. شيراك كان رئيسًا يترك مساحة لوزرائه بينما اهتم ساركوزى بكل الجبهات فبدا طاغيًا مسرفًا فى الظهور. ولعب الحظ دورًا فى سرعة ملل الرأى العام. لأن الأزمة الاقتصادية الدولية منعت أو عطلت ظهور نتائج لأسلوب حكمه.
ويقول إن خلفه الرئيس هولاند عانى المشكلة نفسها، انتخب لأنه شخص «عادي» لطيف المعشر لا يتوتر ولا يوتر ولا حضور طاغياً له، وثمن الرأى العام الفرنسى هذا فى أول الأمر ثم غيًّر رأيه لأسباب، منها عجز هولاند عن فرض شخصه وسياسته على حزبه، وتسامحه المفرط مع المساس بهيبته. ويمكن القول إن الرئيسين عانا التغطية الإعلامية لحياتهما الشخصية ويرى ساركوزى أنها جاءت ظالمة.
ويشتكى ساركوزى كثيرًا من الإعلام، ولمنطقه وجاهة. لن أخوض فى تأثير أيديولوجيات الصحفيين على أدائهم رغم أن هذا جانب هام. ما يستخلص من كلام ساركوزى كما لخصته المقالات هو ما يلي. أهم مصدر للأخبار بالنسبة للمواطن هو التليفزيون. التليفزيون يعرض تقارير قصيرة – دقيقتان تقرير طويل- ومبسطة. ومنطق الإعلام البحث عن اللافت للنظر والصورة الصادمة والاستثناء. على رأي المرحوم مصطفى أمين… كلب يعض رجلًا… هذا ليس خبرًا… رجل يعض كلبًا ..هذا خبر…
ساركوزى قال مرة إنه مل من الخضر وقضايا البيئة وأنهم «زودوها». وفهم من هذه الملاحظات العصبية أنه يكره منطق المدافعين عن البيئة لعداء الكثيرين منهم للرأسمالية…فى حين أن رصيده فى سياسات البيئة وإنجازاته أهم من إنجازات كل سلفه وكل خلفه إلى الآن.
ومرة زار منطقة تعانى، وخاطبه مواطن وألَّح على مخاطبته بصورة فيها قلة لياقة وانفجر فى وجهه ساركوزى وشتمه. وكان لهذا أثر دائم وسلبى على صورته.
* أستاذ العلاقات الدولية بالجامعة الفرنسية