خواطر مواطن مهموم «40 » حدث يشغل بالى

خواطر مواطن مهموم «40 » حدث يشغل بالى
توفيق اكليمندوس

توفيق اكليمندوس

6:46 ص, الأحد, 31 مايو 20

إعلان مشترك للمستشارة الألمانية ميركل والرئيس الفرنسى ماكرون… عن إنشاء صندوق لتحفيز اقتصاد دول الاتحاد الأوروبى… به 500 مليار يورو. ولأول مرة قبلت ألمانيا فكرة اشتراكها فى سداد ديون دول الاتحاد.

كيف يمكن تقييم هذه الخطوة؟ المتفائلون وأنصار مشروع الاتحاد الأوروبى مغتبطون. يرون فى موافقة ألمانيا على تمويل خطة تحفيز جماعية وعلى المشاركة فى سداد الديون خطوة عملاقة وثورة مباركة تأخرت كثيرًا. قد يعترفون بأن هذه الخطوة غير كافية ولكنها وفقًا لهم فهى على الطريق الصحيح.

فى المقابل يرى عدد من الاقتصاديين أن القرار معيب. من الواضح أن المبالغ المخصصة أقل بكثير من احتياجات الوضع. إنقاذ الاقتصاد الأوروبى يتطلب ألف مليار يورو على الأقل، وغالبًا 1500 مليار، ويعبرون عن هواجسهم… كيف ستستخدم هذه الأموال. لا أريد الدخول فى تعقيدات القضية…. بل يمكننى اللجوء إلى تشبيه بسيط… لو تعطلت سيارتك قد يعود ذلك إلى نقص فى الوقود، وقد يعود إلى عطل فى الموتور. لو العيب فى الموتور صرف الملايين على الوقود لن يجدى. ويخشى خبراء عديدون أن اعتبارات انتخابية وسياسية ضيقة قد تتسبب فى إهدار هذه الأموال.

على أية حال، علينا انتظار مزيد من التفاصيل٬ فالكعكة ليست كبيرة، واقتسامها سيثير مشكلات وانقسامات ويتسبب فى جروح قد تكون بسيطة وقد تكون عميقة.

ما يهمنى هو المخاطر السياسية. والدولة المفتاح هذه المرة هى ألمانيا. ميركل تحركت لأنها فهمت أن الاتحاد على حافة الهاوية ولأنها أحست إن الرأى العام بدأ يتحرك متأثرا بتعاطفه مع محنة إيطاليا ودول الجنوب.

لكن تحليل المشهد الداخلى الألمانى مهم، ولن أزعم أنى ملم بكل الصورة. ميركل فى نهاية عمرها السياسى. حصاد عقدين من الحكم أنها دفعت التحالف بين الفصائل المختلفة للمسيحية الديمقراطية نحو وسط الطيف السياسى، تاركة مساحة ضخمة لليمين المتطرف. لم تستمع إلى مقولة الأجيال السابقة للمسيحية الديمقراطية… يجب ألا نسمح بقيام حزب قوى يقف على يميننا. فعلت هذا لأنها على المستوى الشخصى أقل يمينية من كوادر حزبها٬ ولأنها قدرت أن الحصافة تقتضى تبنى أفكار الخصوم والفرقاء اليساريين التى تراها صالحة٬ لقتل الاستقطاب٬ وبناء ائتلافات وتجريد خصومها من بعض الأسلحة… من الصعب أن تدعو إلى فكرة ثم تنتقد خصمك إن تبناها أو “سرقها”.

الحصاد الانتخابى لكل هذا…. ميركل أكثر زعماء ألمانيا شعبية… ولكن نصيب أحزاب الحكم التقليدية من الأصوات فى تراجع دائم منذ عقد وأكثر.

فيما يتعلق بأساليب اتخاذها للقرارات… تتأرجح بين التفاوض مع الفرقاء والفاعلين وتتوصل إلى حل وسط قد يكون جيدًا وقد يكون بطة عرجاء… يضمن هدوء الجبهة الداخلية على حساب الفعالية٬ وبين قرارات منفردة حادة يبدو عليها التسرع… منها قرار فتح الأبواب للاجئين وقرار التخلى عن الطاقة النووية… قرار متسرع تسبب فى زيادة الاعتماد على الفحم… أى أن القرار لم يحقق إلى الآن أهدافه البيئية.

نعود إلى قرارها الأخير… الواجب شرحه على ضوء السياق الأوروبى والألمانى وسنقوم بهذا عندما تتضح ملامحه. هنا أكتفى بالقول… القرار غير كافياً وإن كان يستحق الإشادة. المشكلة الكبرى قديمة… ألمانيا ترى نفسها نموذجا للرشادة السياسية والمالية٬ وفى هذا مبالغة كبيرة٬ والشعب الألمانى كان إلى وقت قريب رافضا لفكرة استدانة الدولة، حتى لو كان هذا يخدم مصالحها الداخلية – تجديد البنية التحتية وشبكة الطرق مثلا- وكان يرفض رفضا أشد دفع فواتير دول جنوب أوروبا المبذرة، وفقًا له.

تغير هذا الرأى العام إلى حد ما خلال الأشهر السابقة… ولكن فاتورة خروج الأزمة منفرة وستكون غالبًا غير كافية… وقد ينقلب المزاج من جديد.

* أستاذ العلاقات الدولية بالجامعة الفرنسية