على أهميتها لن أطيل فى عرض شهادة آرو عن الرئيس ترامب وإدارته.
عن الرئيس قال إن كل المؤشرات تؤكد ما يقوله الأطباء ، مفاده أنه يعانى نرجسية مرضية، وأن انتخابه يشكل لغزًا لأن ناخبى الحزب الجمهورى من المتدينين المحافظين، ورغم هذا تغاضوا عن كونه مطلقًا يتحدث بوقاحة عن مغامراته النسائية ولا يتورع عن إهانة صحفى من ذوى الاحتياجات الخاصة ويعايره بمرضه… ولا يرد آرو على السؤال ونفعلها نيابة عنه… انتخاب ترامب دليل على عمق الغضب الشعبى من النخبة. ونضيف أن ترامب فهم أن هناك توجهاً لدى الفئات الفقيرة لا يجد من يعبر عنه وأجاد مخاطبته. توجه يكره النخب السياسية والاقتصادية والخبراء لأنهم معزولون فى برج عاجى ولا يحسون بالمعاناة… وهذا يفسر تمسك عدد مهم من الناخبين به، مهما كانت الأخطاء التى ارتكبها.
ترامب لا يتمتع بأى خبرة فى إدارة جهاز بيروقراطى أو حتى تنظيم معقد… شركته لها طابع عائلي، ولكنه يجيد اكتشاف نقاط ضعف محاوريه واللعب عليها بقسوة بالغة، والتعامل معه صعب، إن أعطيت لترامب انطباعًا أنك تتعالى عليه فلن يسمع لك وسيسحقك، وهو رئيس لا يعير لكلامه أهمية، تحت تأثير اللحظة قد يثور أو قد يلين فيطلق وعودًا لن يحترمها أو تهديدات لن ينفذها. ومن ناحية أخرى عليك ألا تتركه يسحقك، عليك أن تقف بندية، وتعبر عن رأيك بصلابة ودون عصبية. وباختصار عليك أن توازن بين أمور عدة عندما تخاطبه.
ترامب لا يقرأ على الإطلاق ولكنه يتابع بشغف شاشات التلفاز بصفة عامة، وشبكة فوكس اليمينية بصفة خاصة. ويميل إلى تصديق المراقبين الذين يضخمون ويهولون، ويتمتع بقدرة هائلة على تجاهل الحقائق إن لم تعجبه… هو لا يكذب بل يقول ما هو مؤمن به. المشكلة أنه يؤلف ما يناسبه ثم يصدقه.
هذا كلام آرو، أتبناه جزئيا، ترامب ليس الوحيد الذى يلوم كل البشرية والمؤامرات ويعفى نفسه من الخطأ ويلتمس لها الأعذار، كثيرون من الليبراليين ومن اليساريين ومن كل الفرقاء فى كل مكان يجيدون أيضًا فن التخلص من الوقائع التى لا تؤيد كلامهم والتضليل الذاتي، ولا يتعلمون إلا نادرًا، ويكذبون، شأنهم شأننا جميعًا إن لم نروض أنفسنا على مواجهة الحقائق وعلى قول الحقيقة، قد يكون ترامب متطرفًا، أو قد يكون متخطيًا بمسافة كبيرة الحد الذى تسمح به التقاليد والصحة النفسية، قد تلعب وقاحته دوراً فى استثارة الناس، قد تكون المشكلة فى أنه يصدق نفسه فعلًا حتى لو كل الوقائع وكل التفسيرات الممكنة تقول عكس ما يقوله … الآخرون يسكتون عندما تثبت الوقائع والأحداث أن كلامهم كذب أو خطأ، أو على الأقل عندما يكتشفون أن الرأى العام لا يشترى بضاعتهم، هو لا.
وعلى العموم البرانويا الشديدة موجودة فى خطاب سياسى أمريكى وفى غيره، وهناك أدبيات قديمة تناولت تلك الظاهرة، لم يبتدعها ترامب، قد يكون الجديد فى كونه نجح فى أن يصبح أقوى رجل فى العالم.
نعود إلى آرو. المشكلة الكبرى هى عدم وجود أى جسر بين الإدارة والرئيس، فهو لا يستمع إلى آرائها لأنه يعلم أن توجهاتها غير توجهاته، لا يخبرها بما ينوى وفيما يفكر، يعامل وزراءه على أنهم إما محاسبون أو خدم، وهم يتصرفون كأنهم وزراء فى جمهورية موز، يتغنون بحكمته وينافقونه، وجدير بالذكر أن زميلًا مصريًا بارزًا خرج من مؤتمر ميونخ للأمن بالانطباع نفسه.
هو يتدخل فى كل صغيرة وكبيرة ولا يعلم أحد ما يحركه… لا أقصد أنه دائما على خطأ بل قد يكون مصيبًا… أما الإدارة فكأنها بط بدون رأس.