خواطر مواطن مهموم «34»

خواطر مواطن مهموم «34»
توفيق اكليمندوس

توفيق اكليمندوس

7:18 ص, الأحد, 12 أبريل 20

توقفنا الأسبوع الماضى مع السفير الفرنسى آرو ساعياً إلى فتح قناة اتصال مع فريق المرشح الفائز فى الانتخابات الأمريكية دونالد ترامب، ورأيناه يسأل السفير الروسى الذى أجاب قائلاً من هذا الفريق السفير الإسرائيلى.

السفير الإسرائيلى – اسمه درمر- ابن لأسرة سياسية أمريكية، الوالد والشقيق كانا عمدتين لمدينة ميامى، ولكنه فضل خدمة إسرائيل، وعمل مستشارا لنتنياهو، وطبعا ساعدته الخلفية العائلية على فهم المجتمع الأمريكى وصفوته.

مشكلة آرو أن علاقته بهذا السفير سيئة، لأنه – أى الإسرائيلي- ألقى عليه فى أول لقاء بينهما محاضرة طويلة كلها دعاية فجة لإسرائيل، أركانها ثلاث مقولات، إسرائيل تريد السلام، الفلسطينيون إرهابيون، الأوروبيون جبناء، وعلى الرغم من تعاطفه مع إسرائيل فإن آرو استاء جدا…فيما يبدو بمنطق “هذا الكلام لا يقال بين ناس مطلعة وفاهمة”، وقال إن دبلوماسيا إسرائيليا حضر اللقاء، اتصل بعد ذلك ليعتذر عما بدر من السفير.

ولم يتقابلا إلى أن حضر آرو فعاليات ذكرى المحرقة، وألقى فيها السفير الإسرائيلى خطبة كلها هجوم على إيران وسب فيها، ويقول آرو إن السفير لم يحترم بفعلته هذه قدسية ذكرى المحرقة وهى حادث جلل رهيب مهيب بل حاول توظيفها، ويضيف آرو أن درمر هو صاحب فكرة إلقاء نتناياهو خطبة أمام الكونجرس دون استئذان الرئيس الأمريكى أوباما، ويختتم قائلا: «حتى وفقا لمعايير الدبلوماسية الإسرائيلية الخشنة لم يكن درمر سفيرا عاديا».

ثم يقيم عمل نظيره ويقر بأن مهمة السفير الإسرائيلى فى واشنطن سياسية أولاً ودبلوماسية ثانيًا بمعنى أن عمله يقتضى أولاً حشد مؤيدى إسرائيل للدفاع عنها وتحقيق مصالحها، ويقول فى جملة فيها قدر من التناقض الداخلي، إن درمر نجح فى هذا بامتياز، ولكن التكلفة كانت إغضابه للحزب الديمقراطى لأنه قرر الاصطفاف وراء الجمهوريين، وأصبحت العلاقة بين البلدين مسيسة بقدر مبالغ فيه، ويبدو لى أنه يقصد أنه لم يعد هناك إجماع أمريكى على تأييد مطلق لإسرائيل.

نسيت أن أقول إن آرو كان يلوم نفسه لإهماله مؤشراً مهماً أيام الحملة الرئاسية… كل مؤتمرات ترامب كانت حاشدة ويحضرها ناس مؤمنون فعلاً به… ولكن كل المراقبين ارتكبوا الخطأ نفسه.

الكل… باستثناء سفير آخر هو سفير دولة الإمارات يوسف العتيبه الذى انتبه مبكرا إلى «ظاهرة ترامب»، واتصل بفريقه، وعلى عكس درمر كان العتيبه محبوباً، ضيفاً كريماً يهتم بالآخرين سريع البديهة ذى روح مرحة ويعرف الجميع فى واشنطن، وكانت الإمارات لا تريد وصول كلينتون إلى مقعد الرئاسة، ولا سيما أن من تردد اسمه ليكون مستشارها للأمن القومى – جاك سوليفان- كان من كبار المفاوضين مع إيران وأحد مهندسى سياسة التقارب معها.

وحضر كل السفراء حفل تسلم ترامب الرئاسة، وألقى الرئيس الجديد خطابًا أثار قلق كل سفراء الدول الغربية، الخطاب كان يرسم صورة قاتمة لحال الولايات المتحدة، ويتهم الحلفاء والهجرة وغباء الإدارات الأمريكية السابقة، حلفاء الولايات المتحدة أفلسوها وتسببوا فى انهيار بعض الصناعات، وبصفة عامة صور الخطاب كل الدول الأجنبية وكأنها إما أعداء أو دول تستغفل الولايات المتحدة وتستغل طيبتها…لم يتحدث ترامب ولو بكلمة عن دور أمريكا فى النظام العالمى ولا عن التعاون الدولى وضرورته، وساد الوجوم وقال السفير الألمانى إنه لن يستطيع مواصلة العمل فى مثل هذه الظروف.

إلا أنهم – أى سفراء الدول الغربية- حضروا الحفلات الراقصة التى تقام يوم انتقال السلطة، واكتشفوا أنهم لا يعرفون أغلب الحاضرين، كلهم جمهوريون قادمون من الأقاليم ليحتفلوا بنصرهم.

وبدأت عملية انتقال السلطة التى تقتضى موافقة الكونجرس على التعيينات، ويقول آرو إنها لم تنته يوم مغادرته لواشنطن فى الصيف الماضى.

يتبع

* أستاذ العلاقات الدولية بالجامعة الفرنسية