خواطر مواطن مهموم «33»

خواطر مواطن مهموم «33»
توفيق اكليمندوس

توفيق اكليمندوس

8:14 ص, الأحد, 5 أبريل 20

أنهيت قراءة مذكرات السفير آرو وانتقلت إلى قراءة كتب عن تاريخ روسيا وأحسبه مليئاً بالدروس لنا، وقد يكون هذا موضوع مقالات تالية.

أريد أن أشيد بمذكرات آرو، عبقريتها تكمن فى قدرة الكاتب على رسم صور لشخصيات قابلها وعلى إجمال حصاد تجربته فى جمل قليلة.. ودالة.

كما قلت هو خدم فى مواقع عديدة منها إسرائيل والولايات المتحدة والناتو والأمم المتحدة وكان المستشار الدبلوماسى فى مكتب وزير الدفاع الفرنسى. فى الأمم المتحدة تعامل مع مندوبى دول كثيرة. لعب دورا مهمًا فى المفاوضات مع إيران. كان سفيرا فى واشنطن إلى الصيف الماضى… أى أن شهادته عن إدارة الرئيس ترامب بالغة الأهمية.

أولاً ننوه إلى نقده لكوادر الحزب الديمقراطى الأمريكى الذى هالهم فوز ترامب وأداؤه المريع، فانتقدوا كل خطوة اتخذها، غير منتبهين إلى كون مسلكهم هذا يقوى رسالته وخطابه عن نخب لا تحبه ولا تحب الشعب ولا تحترم قراره، وغير واعين أن هذا يجعلهم دائماً فى موقف رد الفعل والعاجز عن اتخاذ المبادرة. أشدد على هذه النقطة قبل أن استعرض ما قاله عن الجو السياسى فى واشنطن.

يقول آرو أولا أن واشنطن العاصمة السياسية ولكنها ليست عاصمة المال ولا الاقتصاد ولا الثقافة، وثانيًا إن كوادر ورجال ونساء الحزبين كانوا يعرفون بعضهم ويتناوبون الكراسى والمواقع، من فاز بالرئاسة يتولى المواقع العليا فى الإدارة، بينما يعمل كوادر الحزب الخاسر فى مراكز فكر ومجموعات ضغط ومعاونين لأعضاء الكونجرس… إلخ، منتظرين عودتهم إلى الحكم. مع كل انتخابات رئاسية هناك 4000 كادر يغادرون الإدارة تاركين المواقع لكوادر من الحزب المنتصر أو لفريق جديد.

نعم زادت حدة الاستقطاب قبل ظهور ترامب – أسهم فى هذا الشكوك الكثيرة فى نتائج انتخابات 2000 وعملية غزو العراق ووصول أوباما إلى مقعد الحكم ومشروعه للتأمين الصحى. ولكن الكوادر من الحزبين يعرفون بعضهم، يذهبون إلى المطاعم نفسها ويحضرون المؤتمرات والحفلات نفسها… إلخ.

ولكنهم لا يعرفون رجال ترامب وكوادره، هؤلاء ليسوا من المترددين على واشنطن.

السفير الفرنسى فى حيرة. حرص طوال الحملة الانتخابية على دعوة الديمقراطيين والجمهوريين ولقائهم للتشاور، ولم يكن هناك واحد منهم يعتقد أن ترامب يستطيع الفوز، وكل معارفه من الجمهوريين يكرهون الضيف الثقيل الذى استولى على الحزب وأصبح مرشحه، وبعضهم قال له إنه سينتخب كلينتون. لا أحد منهم من المقربين للرئيس أو من النافذين فى إدارة حملته.

سأل آرو السفير البريطانى الذى كان يعرف الكل فى واشنطن، ولكنه لم يكن يعرف أحدا من هذا الصنف الجديد- رجال ترامب. بدأ آرو لقاء المحسوبين على اليمين المتطرف الأمريكي، أدهشوه بقوة وصلابة معتقداتهم وبجهلهم المريع. وأغلبهم لم يكن من رجال الرئيس، ومن كان منهم كذلك لا يستمر بل يطرد.

عين ترامب المحافظ كريستى – محافظ ولاية نيو جرسي- وهو شخصية معروفة ومحترمة لرئاسة الفريق الذى يشرف على نقل السلطة من إدارة إلى أخرى، واطمأن الغربيون، وقابله السفير، وقال له كريستى… تريد فهم ترامب، عليك أن تفهم أنه أحد زعماء حى الكوينز وهو حى كانت المافيا لاعبا أساسيا فيه.

وبعدها بأيام طرد كريستى، وحاول آرو التعرف على بعض أعضاء الفريق… ولكن لا أحد يستمر طويلا فى موقعه.

علاقات السفير بنظيره الروسى جيدة فهما عملا معا كثيرا فى السنوات السابقة، والسفير يعلم أن هناك شكوكا وتحقيقات قضائية وغيرها حول علاقة ترامب أو فريقه بالدولة الروسية، داعب الفرنسى مازحاً الروسى قائلا أنت أكيد أكثر سفير له صلات بالفريق الجديد، ضحك الروسى وقال له لا… لست كذلك… بل السفير الإسرائيلى.

* أستاذ العلاقات الدولية بالجامعة الفرنسية