خواطر مواطن مهموم «28»

خواطر مواطن مهموم «28»
توفيق اكليمندوس

توفيق اكليمندوس

8:27 ص, الأحد, 1 مارس 20

أترك مؤقتا تحليلات لوك روبان لأتحدث عن رحمه الله .

كنت أحبه وما زلت، كنت ممتنا وما زلت. أقول هذا ولا أزعم أننى قادر على تقييم حكمه تقييما كاملا وموضوعيا، ولا أننى متأكد أن التقييم سيكون إيجابيا، ولا سيما أن الفساد كان مريعا فى عهده ، وأن مقاربته للأمور القائمة على منطق التوازنات والحفاظ عليها حالت دون اقتحام عنيف، أو على الأقل ليس لينا، لملفات كانت تستحق اهتماما متواصلا وبوصلة واضحة، منها مثلا التعليم الحكومي.

لكنه يبقى أنه كان قائداً حصيفًا، بارد الأعصاب ورغم قدرته على التظاهر بالغضب الشديد، ملماًّ بالملفات، يجيد تقييم الأوضاع والأفراد والناس… ولن أتحدث عن وطنية ضابط تحمل مسئوليات جسيمة فى أحلك الأوقات وفى ظروف بالغة الصعوبة بين حربى 67 و73… وأجاد فى موقعِِ اعتبره الكل فخا ملغومًا نظرًا للتفوق الإسرائيلي.

أرى شخصيا أن مصر فى مطلع الثمانينات كانت فى أمس الحاجة إلى رئيس بمواصفاته، يقولون إنه لم يكن يملك رؤية، وأرى أنه كان يثمن المهنية التكنوقراطية التى تركز على تحديث البنية التحتية ويسفه الشعارات، وأنه لم يكن يريد أن يفرض رؤية على مجتمع أرهقته مشروعات الإصلاح الكبرى والمعارك العظمى على ضرورتها أيامها، عبد الناصر والسادات اشتركا فى ميلهما القوى إلى تحديد قوائم من الأصدقاء والأعداء، كان لمبارك أعداء طبعا ولكنه حاول إدماج الجميع…. بشروطه طبعًا ووفقًا لتصوراته… وتمتعت مصر بحيز معقول من الحريات سمح بجدل بين أصحاب المشروعات السياسية والحضارية المختلفة. أظن أنه مال إلى اعتبار النقد له، ولا سيما إن صدر من أعداء التطبيع، إضافة إلى رصيده وتقوية لموقفه التفاوضى مع كل من إسرائيل والولايات المتحدة.

كان من أنصار تخفيف قبضة الدولة على المجتمع، مع عدم المخاطرة طبعًا، وكان لذلك آثار إيجابية على الحريات، وسلبية فيما يتعلق بالفساد… وهذه التوليفة أطاحت به… التساهل مع الفساد بل تشجيعه أحيانًا وفتح المجال لفضحه والهجوم عليه مع قدر مهول من اللامبالاة أو من التواطؤ من قبل النظام…

يمكن القول أن خصائص عصره هى تخفيف القبضة على المجتمع، والتراجع الملموس فى دور الدولة، والتركيز على البنية التحتية، والحفاظ على السلام مع إسرائيل مع العودة إلى المعسكر العربى ورفض المغامرات الخارجية… كل هذا سمح لمصر بالتقاط أنفاسها، ولجيلى بحياة – إلى حد كبير – طبيعية… وأكون كاذبا إن لم أقر بأن حيز الحريات أفادنى كعامل فى الحقل الفكرى إفادة كبرى…

تقييم حكم حسنى مبارك سيتوقف على تقييمنا لتطور مجتمع تركته الدولة تتنفس ، أو تركته فريسة لقوى غفيرة أفرزها هو.. قوى محافظة ومتزمتة، بل وظلامية… وطبقات متوسطة شرهة ماليا تندد بالفساد والكثير منها يمارسه، ولكنها قادرة على إنتاج عقول وعقليات… قوى وطبقات عبرت عنه أحيانا كثيرة وظلمته أحيانا عديدة.

من الواضح أن مبارك يمكن نقده لأنه لم يتدخل فى موضوعات استوجبت حسما، ولأنه أجل كثيرا قرارات ضرورية، وسيرى البعض أنه أفرط فى الليبرالية النسبية بينما سيرى البعض الآخر أنه تمسك بحكم مطلق وبمقاربة أمنية للأمور.. سيقدر البعض أنه ادعى أن الجمود استقرار… بينما سيتهمه البعض الآخر بأنه تسرع فى النصف الثانى من حكمه، ولا سيما فيما يتعلق بالخصخصة وبتغيير موازين القوى فى نخبة الحكم.

أعتقد شخصيا أن حال مصر الإجمالى سنة 2011 أحسن بكثير من حالها سنة 1981… وأن مبارك كان يرى نفسه مانعا للكوارث يقف سدا منيعا أمام دعوات التهور والتطرف والمغامرات… وقد كان كذلك فعلا… وكان الثمن الفساد والتأجيل لما لا يجوز تأجيله.

* أستاذ العلاقات الدولية بالجامعة الفرنسية